الديوان » لبنان » جبران خليل جبران » وافى الحديث إلى غريب الدار

عدد الابيات : 57

طباعة

وَافى الْحَدِيثُ إِلَى غَرِيبِ الدَّارِ

عَنْ ليْلَةٍ مَرَّتْ وَمَا هُوَ دَارِ

أَحْيَيْتُمُوهَا وَالْحَيَاةُ أُحَبُّها

وَقْتٌ قَتِيلٌ فِي قَتِيلِ عُقارِ

أَنْتُمْ وَأُسْرَتكمْ هُناك بِغِبْطَةٍ

وَأَنَا بِحُرْمَان هُنَا وَإِسَارِ

لَكُمُ المِتَاعُ بِكلِّ شَيءٍ طيِّبٍ

وَلِيَ الْمِتَاعُ بِطَيِّب الأَخْبَارِ

غَنَّى جَمِيلٌ بَالِغاً غايَاتِهِ

فِي الفنِّ حَتَّى كانَ فَجْرُ نَهَارِ

وَأَجَادَ سَامٍ مَا أَرَادَ مُحَرَّكاً

قَلْبَ الدَّجَى بِعَوَامِلِ الأَوتارِ

قُتِلَ الخَرُوفُ وَلَمْ يُحَلَّلْ قَتْلُهُ

فِي غَيْبَتِي سَتَرَوُنَ أَخْذَ الثَّارِ

خَطْبٌ جَلِيلٌ فِي الذبَائِحِ لاَ تَفِي

لِتُقِيدَ مِنْهُ جَلاَئِلُ الأَوْتَارِ

عَبْدُ الْمَسِيحِ وَنَخْلَةٌ رَاعَا بِهِ

سَمَعِي وَمَا لَطُفا لدَى الإِشْعَارِ

فَلِذَاكَ بِتُّ وَفِي ضَمِيرِي نِيَّةٌ

لَكُمُ سَتُمْسِي أَفْكَهَ الأَسْمَارِ

صَحِّح فَقَوْلِي أَفْكَهْ الأَسْمَارِ لاَ

تَغْلَطْ فَتَقْرَأْ أَفْكَهَ الأَثْمَارِ

هِذي الْحِكَايَةُ أَذْكَرَتْنِي أَنَّ لِي

شَكْوَى إِلَيْكَ عَظِيمَةُ الأَخْطَارِ

أَشْكُو إِلَيْكَ المُتْجِرِينَ فَأَنهُمْ

جَعَلُوا بِفَضْلِكَ رِيبَةً لِلشارِي

مَنْ يَشْتَرِ الطرْبُوشَ يَكْشِفُ سِتْرَهُ

بِيدَيْهِ وَالطرْبُوشُ بِالدِّينَارِ

فَاضْرِبْ عَلَى أَيْدِي الغُلاَةِ وَلاَ تَبَحْ

كَسْبَ الخِيَارِ لِمَطْمَعِ الأَشْرَارِ

أَوْ فَاعْذُرِ الأَحْرارَ إِنْ هَانَتْ لهُمْ

دُونَ السُّؤَالِ مَصَاعِبُ الأَعْذَارِ

يَا صَاحِبِي وَسِوَاك لَيْس بِصَاحِبٍ

فِي حَالَةٍ إِنْ آذَنَتْ بِبَوَارِ

رَأْسُ الْخَلِيلِ يُكَادُ يَغْدُو حَاسِراً

لا شَيءَ يَدْرَأُ عَنْهُ لَذْعَ النَّارِ

وَهْوَ الَّذِي ما زَالَ مَصْنَعُ فِكْرِهِ

يَكْسُوكَ تِيجاناً مِنَ الأَشْعَارِ

بِالأَمْسِ كانَ يُقَالُ قَوْلَ تَبَجُّحٍ

شَرْقٌ وَأَلْبِسةُ الرُؤُوسِ عَوَارِي

فَخَلَقْتَ فِيهِ صِناعَةً أَهْليَّةً

ردَّتْ لَهُ قَدْراً مِنَ الأَقْدَارِ

حَتَّى إِذَا أَنْقَذْتَهُ مِنْ عَارِهِ

أَتُرَاكَ تَرْضَى أَنْ يَبُوءَ بِعَارِي

زَعَمُوا لِيَ التَّبرِيزَ فِي أُدَبائِهِمْ

فَإِذا أَضاعُونِي فَأَيُّ شَنَارِ

بِاللهِ كيْفَ أَقُولُ إِن أَخِي لَهُ

فَضْلٌ عَلَى رَأْسِي وَرَأْسِي عَارِ

لَوْ كان مَا يُعْطِي بِمِقْدَارِ الهَوَى

لرَجَّحتُ كُلَّ النَّاسِ بِالمِقَدَارِ

مَا كان أَظْفَرَنِي بِأَقْصَى حَاجَتِي

لَوْ لمْ يَكُنْ لِسَوى الغِني إِيثارِي

أَسَفاً لَقَدْ ضيَّعتُ فِي أَدَبِي وَفِي

تَهْذِيبِ نَفْسِي أَنْفَسَ الأَعْمَارِ

لاَ أَمْلِكُ الدِّينَارَ إِلا بَائِعاً

فِي صَفْقَةٍ مَجْمُوعَةٍ آثَارِي

وَلَوْ أَنَّني أَلْفَيْتُ مَنْ يَرْضَى بِهَا

لَكِنْ قِليلٌ مُقْتنِي الأَسْفارِ

إِربَأْ بِوُلْدِكَ أَنْ يَزِيدَ أَلَبُّهمْ

عَنْ كَاتِبٍ مُتَوَسِّط أَوْ قَارِي

عَلِّمْهُمُ الْعِلْمَ الصَّحيْحَ وَإِنهُ

لِلنشْبِ فِي الفُرْصَاتِ بِالأَظْفَارِ

وَلْتقْوَ حِيَلَةُ عَقْلِهِمْ فَتُقِلهُمْ

كَالْفُلْكِ فِي بَحْرٍ بَعيدِ قَرَارِ

وَلْيَصْبِرُوا لِلْحَادِثَاتِ إِذَا عَصَتْ

آمَالُهُمْ فَالفَوزُ لِلْصَبَّارِ

وَلْيُجْعَلِ الخُلُقُ العَظِيمُ خَلاَقَهُمْ

فَبِهِ تَتِمِّ عَظَائِمُ الأَوْطَارِ

وَبِهِ يَعُودُ هَوَى النفُوسِ إِلى الهُدَى

بِتَسَلُّطِ الآرَاءِ وَالأَفْكَارِ

أَحْبِبْ بِهِمْ وَبِمَا يَهِيجُ خطورَهُمْ

فِي خَاطِرِي مِنْ شائِقِ التذْكَارِ

بِالأَمْسِ أَحْمِلهُمْ وَكَانُوا خمْسَةً

وَاليَوْمَ قَدْ وَقُرُوا وَزَاد وَقَارِي

الْيوْمَ لَوْ جَارَيْتُهُمْ فِي شَوْطِهِمْ

لَمْ أُلْفِنِي لِبَطيئِهِمْ بِمُجَارِ

أَضْحَى الذُّكُورُ نُجَابَةً وَرُجُولَةً

مِنْ جِيلِهِمْ فِي الصَّفوَةِ الأَحْرَارِ

وَسَلِيلَتَاكَ أَرْاهُمَا قَدْ فَاقتَا

عَقْلاً وَحُسْناً سَائِرَ الأَبْكَارِ

مُؤْتَمِتَّينِ مِثَالَ أُمٍ حُرةٍ

بَرِئَتْ شَمَائِلُهَا مِنَ الأَوْضَارِ

بِالأَمْسِ أَلْعَبُ بَيْنَهُمْ وَلِرُبَمَا

سَكَنَ الكَبِيرُ إِلى دِعَابِ صِغَارِ

وَأُدِيرُهُمْ حَتَّى يَعُودَ نِظامُهُمْ

كَالشُّهبِ فِي فَلَكٍ بِهَا دَوارِ

وَالْيَوْمَ أَبْصُرُ بِالسِّبالِ تَذَنَّبتْ

وَتعَقْرَبَتْ وَسَطَتْ عَلَى الأَبْصَارِ

وَأَرَى جَمَالَ كَرِيمَتَيْكَ مُرَعْرَعاً

فَأَرَى البِدَاعَةَ فِي صَنِيعِ الْبَارِي

رَهْطٌ إِذَا كَانتْ مُبَاسَطَةُ الصِّبا

فِيهِمْ فَهُمْ فِي الجِدِّ جِدُّ كِبَارِ

إِنْ أَلْقَهُمْ أَتَغَالى فِي إِكْرَامِهِمْ

مُتَحَاشِياً إِبْدَاءَ الاِسِتصْغَارِ

كُلاًّ أُحَيِّي بِاحْتِشَامٍ طَائِلٍ

وَأَخافُ تَقْصِيراً مَعِ الإِقْصَار

جَمَحَ اليَرَاعَ فَرَاحَ مِنْ غُلْوَائِهِ

يَجْتازُ مِضْمَاراً إلى مِضْمَارِ

لَكِنَّني جَدّاً وَمَزْحاً لاَ أَنِي

أَهْدِي بِمَوْعِظَتِي سَبِيلَ السَّارِي

أَبْنِي رِجَالاً لِلْبِلادِ بِأَرْؤُسٍ

وَعَلَيْكَ كِسْوَةَ هَامِهِمْ بِفَخَارِ

أَمَّا الذُّرَى المُتَشَبِّهاتُ بِأَرْؤُسٍ

مِنْ غَيْرِ مَا عَقْلٍ وَلاَ اسْتِبْصَارِ

تِلْكَ الَّتِي لاَ خَيْرَ مِنْهَا يُرْتَجَى

فلْتبْقَ حَاسِرَةً مَدَى الأَدْهَارِ

رَأْسُ الحِمَارِ حَرىً بِعُريٍ دَائِمٍ

هَلْ يَنفْعُ التَّعصِيبُ رَأْسَ حِمَارِ

عَودٌ إِلى مَا كُنْتُ مِنْهُ شاكِياً

فاسْمَعْ وَأَنْصِفْنا مِنَ التُّجارِ

نرْجوك إِمَّا سَاتِراً لِرُؤوسِنا

أَوْ كَاشِفاً لِمَظَالِمِ الفُجَّارِ

وَلأَنْتَ أَسْمَحُ مَنْ يُؤَمُّ جَنَابُهُ

فَيُعيدُ إِعْسَاراً إِلى الإِيسارِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن جبران خليل جبران

avatar

جبران خليل جبران حساب موثق

لبنان

poet-khalil-gibran@

1075

قصيدة

829

متابعين

جبران خليل جبران فيلسوف وشاعر وكاتب ورسام لبناني أمريكي، ولد في 6 يناير 1883 في بلدة بشري شمال لبنان حين كانت تابعة لمتصرفية جبل لبنان العثمانية. توفي في نيويورك 10 ...

المزيد عن جبران خليل جبران

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة