الديوان » الإمارات » إبراهيم محمد إبراهيم » رحيل في تضاريس الغربة والعشق

راحلٌ
حبلُهُ في يديه ِ
وقبضةُ تمرٍ وماءْ .
كالنسيم ِ إذا مرّ في الليل ِ ،
سرّحَ سعفَ النخيل ِ
وألهبَهُ صبوةً ..
مرّ بالشّرُفاتِ التي لا تَفَتَّحُ
إلا إذا طلعَ الفجْرُ ،
ألقى التّحيّةَ
قالَ : سلامٌ على أهل ِ هذا المساءْ .
راحلٌ
زادُهُ الدّربُ
قِبلتُهُ ، الريحُ
نجمتُهُ قلبُهُ
نعلُهُ الأرضُ
هامتُهُ في السماءْ .
قال يوماً : وما سمِعَ الميّتونَ
بأن السواحلَ قد تُنكِرُ الماءَ ..
فاتّخِذوا غيرَ هذي القبور ِمَواطنَ للزّهْو ِ..
هُبّوا بأكفانِكُمْ نحو ما تدّعونَ
وما لا تُطيقونَ
عَضّوا على لُجُم ِالمَوتِ ،
كُرّوا إلى حتفِكُم .
وانهلوا الصُّبحَ صِرفاً
من البحر ِللنهر ِ
واستقبلوا قِبلتي ..
راحلٌ
ليس إلاّ
بسقطِ المتاع ِ
وما شذّ من لُغةِ القوم ِ
حينَ يزيدُ الكلامُ على حدّهِ أو يقِلُّ
راحلٌ
ليس كالراحلينَ ،
من الحُزن ِ كان انبعاثُكَ
للحُزن ِتصبو ..
ومنهُ ، إليهِ ، تُسطَّرُ أفراحَ روحِكَ
تلهوا بكلّ الجِنان ِ ،
وتنفُذُ من كلّ نارٍ ،
حُداؤُكَ ،
في كلّ خيلٍ تصولُ
وبأسُكَ
في كلّ سيفٍ يُسَلُّ .
قبِلتَ الرّهانَ ،
ولمّا استويتَ على شفْرةِ الرّأي ِ
لِنْتَ لهُمْ ..
باسِطاً راحتيكَ لِمن خالفوكَ الطريقةَ
فانْتشروا كالجرادِ سُدىً ،
وانْكفَأْتَ على وتَدٍ ،
لم يكُن لسِواكَ من الطّير ..
لِنْتَ لهُم ما استطَعْتَ
وما لان قلْبُ البلادِ عليكَ
ليُخرِجَ منها الأعَزَّ الأذَلُّ .
(( من المُؤمنينَ رِجالٌ ))
وحسْبُكَ أنّكَ أنتَ الأقَلُّ .
من المؤمنينَ ..
وما جنحوا لرحيلكَ ،
فارتحلوا خارجَ الحُزن ِ
يلتمسونَ الرُّؤى
في عروق ِ الظلام ِعلى جذوةٍ تضمحِلُّ .
عفَوتَ ،
ومثْلُكَ يرأفُ
حينَ تدورُ الشِّمالُ برأس ِ الخليج ِ
ويصفحُ عن كلّ طيرٍ يزِلُّ .
وثُرْتَ ،
ومثلُكُ يعتَبُ في الصّحْوِ
كيما تعودَ السفينةُ أدراجها ،
قبل أن تستفِزَّ الشِّمالُ شياطينَها
في المياهِ الغريبةِ .
آهٍ من البحر ِ والرّيح ِ والفُلْكِ
فيما تَهيمُ
وممّا تُقِلُّ .
رأوكَ انْحنيتَ على زهرةٍ
لم ينَلْها الذّبولُ
وقد ذبُلَ الجلّنارُ .
رأوها تخضّبُ بالطّيبِ في مِفرقيكَ البياضَ ،
وتطبعُ عِشقَ الرُّبى ، قُبْلَةً بينَ عينيكَ ،
حانَ البِذارُ .
وقُمتَ ،
وقد ربَتِ الأرضُ ،
واهتَزَّ يابِسُها نشوةً
في الحِصار ِ،
لقد نِلتَ ما لم ينلْهُ الحِصارُ .
فُراتُ ارْتعِشْ ..
شِئتَ ألاّ تكُفَّ عن العِشْق ِ ،
والنّخلُ غيدٌ ،
تمايلْنَ تيهاً ، على جانبيكَ .
أبا الخِصْبِ ،
لن يحجِبَنَّكَ عما يفيضُ بهِ القَلبُ
ما ردّدَ العاذلونَ ،
ولن يمحُوَنَّ الذي بيننا ،
ما يُحيكُ الغُبارُ .
تهُزُّ الأعاصيرُ ،
ما زاد عن حاجةِ الأرض ِ
كَرهاً ..
ويمكُثُ مهما تأجّجَ في جوفِها ،
ما يشاءُ الأُورارُ .
وأنتَ السّعيرُ الذي يُثلِجُ الصّدْرَ ..
أنتَ الطّريقُ إلى سُرّةِ الكون ِ ،
أنتَ المزارُ .
تطاولَ نخلُكَ ،
حينَ تطاولتِ الرّومُ في الخائفينَ ،
وخرّوا لها سُجّداً، دون ما يعبدونَ
بجُنح ِ الظّلام ِ
فأشرقَ في حُزنِكَ البابِليِّ النهارُ .
أبا الخِصبِ ،
ما زِلتُ أقدحُ جِذعاً
أصابتْهُ قبلَ الشّتاءِ السّماءُ ،
وأخشى إذا احتكمَ البَردُ ،
أن يستبِدَّ بأفراخ ِ طيرٍ تعهّدْتها بدم ِ القلبِ .
مازلتُ أقدحُ في الماءِ جَهدي ..
وأنّى لها أن تفيقَ من الوَهْم ِ
في مكْمَن ِ الماءِ نارُ .
غثاءٌ تقاذفهُ السّيلُ ،
دونَ حياءٍ
يُباهي بوجهين ِ :
في الشرق ِ وجهٌ ،
وفي الغربِ وجهٌ ،
تحيّرتُ أيّهُما المستعارُ ؟
وأسندتُ رأسي على كتِفِ الحُزن ِ
أغمضْتُ عينَيَّ ،
والوقتُ منتبِهٌ
يتوغّلُ في النسبِ العربيّ برِفقٍ ..
(( هنا القُدس ))
قال المُذيعّ ، وماتْ .
على إثر ِ طلقةِ بارودةٍ ،
كان يحملُها ثائرٌ في الخليج ِ
يبيعُ نضالاتهِ دبكةً في الشتاتْ .
(( هنا القدسُ ))
أعربتِ النُّخَبُ الوطنيّةُ عن حُزنها
لانهيار السلام ِ ،
وتمثال ِ بوذا ،
وأعصابِ مستوطناتِ الخليل ِ ، وغزّةَ .
أعلنَ مُفتي الدّيارِ :
بأن الذي يتزنّرُ قُنبُلةً ،
ويموتُ دفاعاً عن الأرض ِ والعِرض ِ
.. في النارْ .
(( هنا صوتُ تلِّ أبيبْ..))
صحوْتُ ،
((هنا القدس))
ينقطِعُ الصّوتُ ،
ثمّةَ شيءٌ يدورُ هنالكَ ..
همهمةٌ ،
صوتُ أحذيةٍ ، تتسلّلُ بينَ المزارع ِ ،
في حذرٍ ..
زنانيرُ تُربطُ ،
أُخرى تُحلُّ .
(( هنا القدسُ ثانية ))
وملهىً تَطايرُ أشلاؤهُ
في الهواءِ المُعشّق ِ بالنارِ
رغمَ السلام ِ
وبوذا
ومُفتي الديارِ
وأعصابِ مستوطناتِ الخليل ِ
وما أعربتْ نُخبُ الوطنيّةِ ..
يا أيّها النسبُ العربيّ
صباحُكَ فُلُّ ..
وزغرودةٌ تملأُ الأُفْقَ
من بيتِ كُلِّ شهيدٍ تزنّرَ بالمُعجزاتِ تُطِلُّ .
راحِلٌ فيكِ
عنكِ
إليكِ
أجُسُّ المنافِذَ ،
والحبلُ مُتّصلٌ بيننا في الورى نسبا .
إنما ،
ما على ذاك عهْدُ الأجاويدِ ..
عِشقُ الأجاويدِ ،
لا يبتغي الموتُ من أجلِهِ سببا .
رحَلْتُ ،
وقلبي فنارُ العماليق ِ ، في حبكةِ الليل ِ
يستطلِعُ الدُّورَ ..
ماذا تُخَبّىءُ
من عُبُواتٍ وزيتٍ ..؟
يُضَمّدُ جوعَ الشوارِع ِ
مُسْتَعْتَباً تَعِبا .
وماذا يُعِدُّ الفُراتُ لِشُحِّ المواسِم ِ ..؟
ماذا يُرَدُّدُ قلبُ الجزيرةِ
تحتَ لُهاثِ القوافِل ِ ؟
لمّا تضاءلَ بينَ قِطافِ القُرى – تينُهُ عِنبا ..
وماذا يُخَبّرُ نيلُ الصّعيدِ عن الثأرِ ..؟
هل قطّعتْ مِصْرُ للثائرين ِ ضفائِرَها ..؟!
أم تخلّيتَ يانيلُ عن ضفّتيكَ ،
وأنت الذي أجّجَ الفَقْرَ من جودِهِ – فيهِما لَهَبا ..
كُنتُ
إذا كُنتَ تُودِعُ جَمْرَكَ في رَحِمِ الأرض ِ
لا أعرِفُ الشِّعْرَ ..
حتى اكْتَوَيْتُ بنارَيْكُما ،
وانْثَنَيتَ ...
فهلْ يتحاشى الذي وهَبَ الشَّيْءَ ، ما وَهَبا ..
راحِلٌ
قد دعاني المَقامُ إلى فتح ِ قلبي ..
وما يومُ قلبي بِسِرٍّ
على ملأٍ في عُكاظ ..
وما كان لي يومَها ، خيمةٌ من أدَمْ .
بَدَأْتُ من الصّفْرِ ،
أُنشِدُ جُرحي على صخْرَةِ البَوْح ِ
ألقيتُ جُلّ دمي ..
....................
لاشيءَ يوحي بشيْءٍ ..
...................
...................
سلامٌ على أهلِ هذا المساءْ .

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن إبراهيم محمد إبراهيم

avatar

إبراهيم محمد إبراهيم حساب موثق

الإمارات

poet-ibrahim-mohammad-ibrahim@

73

قصيدة

72

متابعين

إبراهيم محمد إبراهيم من مواليد،عام 1961 في دبي دولة الإمارات العربية المتحدة . خريج كلية الآداب – قسم اللغة العربية – جامعة بيروت العربية. بدأ بنشر قصائده في الصحف والمجلات الإماراتية في ...

المزيد عن إبراهيم محمد إبراهيم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة