... ( كتبتُ هذه النجوى منذ سنة ، ليلة إجراء الجراحة الأخيرة .. كنت أشعر حينها ، أني كطالب مقصر ( لم يلحق ) منهاجه ، ولم يبق لامتحانه إلا ساعات ، لا تكفي لتبييض مسوّدة عمره الغارق بالتقصير والذنوب .. ثم تذكرت أني أتاجر مع الله الكريم .. وأن البضاعة منه ، ومنه الثمن .. فما ثمّ غير الربح المبارك الكريم .. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بشرنا بأن الله قد ضمن التبعات عن أهل عرفات .. وتذكرت أن ساعة باقية من العمر ، هي للمؤمن عمر طويل كي يصطلح مع الله تعالى .. وأني تركت رغم كل ذنوبي ، خيوطا كثيرة للصلح مع الله الودود .. وحسبي منها : الحب الأشدّ ، للرب جلّ وعلا .. ( والَّذينَ آمنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه ) .. وحسبي حبل التوحيد الوثيق . فما نسيت قط ، ميثاق الفطرة ؛ ميثاق الشهادة ، حين أشهدنا ربنا جلّ وعلا ، على أنفسنا : ( ألستُ بربّكمْ ) ؟ فأجبنا كلنا : ( بلى شهِدْنا ) .. وما نسيت بفضل الله ، هذا العهد ، ولو للحظة واحدة تعكر صفاء جوهرة التوحيد ، بذرّة غبار من شرك بالله ، أو كبر على عباد الله .. كنت أشعر أني على سباق مع الزمن للتوبة في محراب العبودية ، ومجلى الاضطرار .. والإنسان عندما يحترق بيته ، ويبدأ بإنقاذ المتاع الثمين ، يحمل أثقل مما يحمل عادة ! فلم أجد بدا من التسربل بلبوس العبودية الضارعة إلى الله تعالى . وإن أعلى مرتبة يرقى إليها الإنسان ، هي العبودية لله ، لأنها أعلى مراتب الحرية عمن سواه . والحق أقول : لما سمعت منادي الرحيل ، أمسكت بالروح القلم ، وغمسته بدموع العبودية ، لأجدد عهد الميثاق الأول ، شهادة فطرة التوحيد .. ولأخبر نفسي ، ومن يقرأ هذه القصيدة ، بأن خوفي العظيم من الله تعالى ، قد انتهى بي إلى الرجاء الكبير به .. وبأن ظني صار يقينا بالصفح الكريم ، وبرحمة الله الرحمن الرحيم .. فقد عذت بوجهه الكريم من النار .. تبارك وجهه ذو الجلال والإكرام .. تبارك اسمه ذو الجلال والإكرام ) .. ... ( رجعت إليك ) .. .. أنا راضٍ بما قدّرْتَ في الأزلِ أنا راضٍ متى ما جاءني أجلي ولم أرضَ بما قدّمتُ من عملِ أنا الخطّاء يا ربِّ أنا المغمور بالذنْبِ أنا المشهور بالعيبِ شردتُ .. شردتُ عن دربي ولكني أيا ربّاه ، لم أشردْ عن الحبِّ فكُنهُ كيانيَ التوحيدُ و الإيمانُ و الإسلامُ للربِّ وما ذنبي سوى قشرٍ على القلبِ ويبقى النور والتوحيد في اللبِّ ويا نفسي : برغم الخوف من ربي فأُنسي إذ أناجيه : أتيتُ لغافر الذنبِ أتيتُ لقابل التوبِ رجعتُ إليك ياربِّ فما لي من أناديه سوى ربي .. سوى ربي ...
د.عبد المعطي الدالاتي،شاعر و كاتب وطبيب مخبري حاز درع الطبيب العربي من نقابة أطباء سورية
ولد في مدينة حمص السورية عام 1961م.
المؤهلات :
- نال شهادة دكتور في ((الطب البشري)) من جامعة ...