... في طفولتنا كان والدنا ، رحمَه الله ، يعلّمنا محبّة الأنبياء الكرام ، عليهم الصلاة والسلام .. كان يعلّمنا إياها بدموعه التي كانت تعطر قصصَ المساء .. ولقد حملتُ عنه الوديعة العُليا ، فغرستُ محبّة السيّد الأمين في قلوب صغاري ، أعمق مِن جذور النخيل .. حتى إذا ما مرّ علينا يومٌ لمْ نخصَّ فيه الحبيب بذِكرٍ يطيب ، ما حَسِبْنا أن في بيتنا حياة .. كنت أتلو عليهم بعضاً من شمائل المصطفى ، عليه الصلاة والسلام . وأحدّثهم عن لُطفه ، وعن ذوْقه ، وعن خُلُقه ، وعن رحمته بالأطفال والضعفاء والفقراء .. وكلما وافقْنا في حياتنا منظراً جميلًا ، أو معنىً كريماً ، كنتُ أؤصّله لهم .. وأردّه إلى جذوره في حياة الصادق الأمين ، صلاةُ ربّي وسلامُه عليه .. عند السفر .. وعند استهلال المطَر .. وفي تباشير الثّمَر .. وعند غروب ( حاجب الشمس ) ، وعند إهلال القمَر .. وبفضل الله تعالى ، وبكرَمه و منّته ، فقد فقِهَ صغاري عني درسَ المحبّة ، وتذوقوا جمال الإسلام .. وكانت باكورةُ التعبير عن هذا الحبّ المحمديّ ، في قلم صغيري أحمد ، فمما كتب في طفولته : ( لما وُلدَ رسولُ الله ، وُلدَ العلمُ و القلم ) .. ( لقد باركَ اللهُ في رسول الله أكثرَ من أي إنسان ) .. ولقد أفلح في عبارته الأخيرة ، إذ اختصرَ سر ( النبوّة الخاتمة ) بلفظ البرَكة الإلهية العُظمى .. ومن شعره في طفولته : أقولُ أقولُ يا صحْبي عرفـتُ مسيـرةَ الــدربِ وذقــتُ حــلاوةَ الـحـبِّ لأحمـد طـاهـرِ القـلـبِ ولقد شاركني أحمد في نقل أمانة الحب إلى أخيه أسامة ، الذي يصغره بثلاث سنوات . وابتدأ أسامة يُلهمني القصيدةَ تلوَ القصيدة .. بل كان يطلبها أحياناً تصريحاً لا تلميحاً .. فقد كنا يوماً نتجوّل في بساتين حمص ، وإذ به يبادرني : ( كم أحبُّ رسولَ الله ! ألا تكتبُ فيه قصيدة يا أبي ؟! ) وجاء الجواب بقصيدة مطلعها : أحسنتَ ، أيا ولدي ، نُصحا ومسحتَ على كبدي مَسحا فالشّعرُ شفاءٌ ، يا ولدي إنْ أضحى للهادي مَدحا ولقد كتبَ قلمُه الغضُّ هذه المحاولة التي سمّاها ( الروح الطيبة ) : روحي تنادي ... محمّدُ الهادي نبيُّنا المصطفى ... رحيقُ الفؤادِ رسولُنا الأمينْ ... نورُ العالمينْ رسولنا الكريمْ ... هو أحمدُ الهادي وأما خاتمة العنقود ، ابنتي رؤى ، فقد كانت في الثالثة من عمرها ، حين كان شعارُها الذي لا تمل منه ، هو الشطرَ الثاني من ميثاق التوحيد : ( محمدٌ رسول الله ) . كانت تردّده على الدوام .. وفي تلك الأيام ، زارني صديق من إخوتنا المسيحيين يحمل الدكتوراة ، فدخلت الصغيرة إلينا ، ووقفت تنظر إلى الضيف ، ثم قالت له : ( محمدٌ رسول الله ) . فتبسم ضاحكا ، وأجابها : ( إي والله ، محمد رسول الله ) .. وكم كانت تحاججُني بوصايا النبيّ الأمين ! وبدفاعه عن الأطفال .. وهكذا فلْيَكن الحبّ .. عقيدة .. عقيدة صحيحة السند .. فسندُ الحبّ لا يشكو من ضعفٍ أو انقطاع .. بل هو متّصِل من قلبٍ إلى قلب إلى قلب إلى جمال سيدنا .. جيلٌ يتعلّمُ من جيلِ و يعلّم بالحبّ بنيهِ حبّ الله وحبّ نبيهِ صلاة ربي وسلامه عليه .. ...
د.عبد المعطي الدالاتي،شاعر و كاتب وطبيب مخبري حاز درع الطبيب العربي من نقابة أطباء سورية
ولد في مدينة حمص السورية عام 1961م.
المؤهلات :
- نال شهادة دكتور في ((الطب البشري)) من جامعة ...