الديوان » السعودية » عبدالله الفيفي » جبر.. ومئة عام من المطر!

عدد الابيات : 61

طباعة

في داعِجاتِ اللَّياليْ اسْتَرْوَحَ العُمُرُ

وَجْهَ المَعانيْ فَغَامَ السَّمْعُ والبَصَرُ

يَرُبُّنِيْ في ابْتِداءاتِ الرُّؤى وَجَلٌ

ويَزْدَهِيْنِيَ في أُمِّ الدُّجَى سَمَرُ

يُعِيْدُنِيْ في دَمِ الأَيَّامِ آوِنَةً

ويَنْتَضِيْنِيْ أَوانًا حِيْنَ يَنْهَمِرُ

يَشُدُّ فِيَّ جَبِيْنَ الوقْتِ ، مِنْ يَدِهِ

أَعُبُّ ماءَ القَوافي ما بِهِ كَدَرُ

أَسْرَتْ خُطَاهُ بِطَرْفِيْ والدُّنَى لُجَجٌ

حَتَّى تَبَلَّجَ دَرْبِيْ والخُطَى شَرَرُ

ما كانَ مِنْهُ ومِنِّي غَيْر ُ رَاحِلَةٍ

مِنَ الخَيَالِ تخبُّ ثُمَّ تَنْكَدِرُ

مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ ، وفي صوتي انْحَنَتْ شَعَفٌ

مِنَ الجِبالِ تَحُثُّ الشوْقَ : ما الخَبَرُ؟!

ماذا هُنَاكَ ، لماذا الشَّمْسُ في خَفَرٍ

تُغَفْغِفُ اليومَ كالعذراءِ تَنْكَسِرُ؟

وكانتِ الأَمْسَ نِيْرانًا وغاشِيَةً

كمْ أَمْطَرَتْكَ رُعافَ الجَمْرِ يَنْثَجِرُ!

ولِمْ أَرَى، عَجَبًا، فيكَ الضُّحَى ولَهُ

مباسمٌ تَهَبُ التُّفَّاحَ .. تَعْتَصِرُ؟

إِنِّي عَرَفْتُكَ لا تَلْوِيْ على فَرَحٍ

إِلاَّ يُنَغِّصُهُ في وَجْهِكَ الكَدَرُ

إِنِّي عَرَفْتُكَ جَوَّابَ الفَضَاءِ على

ساقَيْنِ مِنْ تَعَبٍ أَزْرَى بها السَّفَرُ

إِنِّي عَرَفْتُكَ قَبْلَ اليَوْمِ تَعْرِفُنِي

فَتَنْثَنِي خَجَلاً أَنْ مَسَّكَ الضَّرَرُ

وتَبْتَغِيْ جَاهِدًا في السُّوْقِ مُدَّخَلاً

أَنْ لا تراكَ عُيُونُ السُّوقِ يا جُبَرُ

ما هذه النِّقْلَةُ النَّوْعِيَّةُ التَحَفَتْ

في شَمْلتَيْكَ ففيكَ البَدْوُ والحَضَرُ؟

يا أيُّها الشَّبَحُ الذِّكْرَى أَمَا خَبَرُ

عمّا بَراكَ جديداً حينَ تُدَّكَرُ؟

قُلْ غَنِّ إِنِّي وَهَبْتُ السَّمْعَ ضَوْءَ دَمِيْ ،

مَنْ ذا يَلُمُّ سرابَ القَفْرِ أَوْ يَذَرُ!

قُلْ: أين ثَوْبٌ على المَتْنَيْنِ مُهْتَرِئٌ

تَخِيْطُهُ مِنْ لَيَالِيْ قَهْرِكَ الإِبَرُ؟

قُلْ: أين ظِلْعَانِ، كانا شُهْرَتَيْكَ،وما

بَيْنَهُمَا جُرُفٌ ، إِنْ تُبْتَغَى الشُّهَرُ؟

ماذا فَعَلْتَ بِباقِيْ الحَبِّ يَوْمَ غَزَا

دَبَا الجَرَادِ وما في الجُرْنِ مُدَّخَرُ؟

كيف اسْتَطَعْتَ حياةً والمَدَى كَفَنٌ

كيف اسْتَعَادَتْ بَيَاضَ الدِّرَّةِ الدِّرَرُ؟

هل ما تَزَالُ بِحَبَّاتِ الفَنَا أُمَمٌ

هنا تَمُوتُ لِتَشْقَى بَعْدَها أُخَرُ؟

مَنْ غَيَّرَ الحَالَ حَالاً طَلْعُها أَلَقٌ

عِنْدَ اللِّقَاءِ فَتُطْرَى الحَالُ والغِيَرُ؟

قال: اتَّئِدْ!، فَلِسَانِيْ طائِرٌ حَصِرَتْ

دُوْنَ الذُّرَى جَانِحَاهُ والذُّرَى سِيَرُ

ماذا أَقُولُ، وإِذْ مِثْلُ اسْمِهِ جَبَلِيْ

فَيْفَاءَ لا مَطَرٌ تُرْجَى ولا ثَمَرُ

وإِذْ أَفاوِيْقُ ما يَجْنِيْهِ قاطِنُهُ

فِيْهِ المَجَاعَاتُ والأَمْراضُ والخَطَرُ

والمَوْتُ يَمْلأُ شِدْقَيْهِ وقَبْضَتَهُ

يَمْشِيْ الهُوَيْنَى وبالأشْلاءِ يَأْتَزِرُ!

يُعَابِثُ المَرْأَةَ الحُبْلَى يَقُوْلُ لَهَا:

المَوْتُ طِفْلِيْ ومَهْدُ الطِّفْلِ مُحْتَفَرُ!

ويَلْكُزُ الكَهْلَ في أَوْدَاجِهِ جَنَفًا:

كَمْ ذا يُعَاشُ! وكَمْ ذا يُشْتَكَى الكِبَرُ!

لَيْتَ الأُلَى أَكَلَ المَوْتُ الزُّؤَامُ قَضَوا

يَوْمَيْ حَيَاةٍ ، تُرَوَّى الأَعْظُمُ النُّخُرُ!

كَيْمَا يَرَوا غَرْسَهُمْ، أَحْفَادَ ما سَغِبُوا،

ماتُوا انْتِظَارًا عسى أنْ يُوْرِقَ الشَّجَرُ

يا قَوْم، ما جِئْتُ مَدَّاحًا، ولستُ أَنا

مَنْ يُحْسِنُ المَدْحَ إِمَّا المَدْحُ يُنْتَقَرُ

يا صاحِ، إنَّ اللَّيالي أَعْقَبَتْ قَمَراً

يَضُمُّ كُلَّ جِبَالِيْ ذلكَ القَمَرُ

يَلُمُّ فيها شَتِيْتَ المَهْدِ يُرْضِعُها

حَلِيْبَهُ فَيَرِفُّ الغُصْنُ والحَجَرُ!

إِنْ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ حَالِيْ وكَيْفَ غَدَا

فَلْتُسْأَلِ الأرضُ والأنسامُ والزَّهَرُ

يَوْمَ الْتَقَى سَحَرُ التَّارِيْخِ مِلْءَ يَدِيْ

صَفْوَ السُّيُوفِ، ألا يا نِعْمَ ذا السَّحَرُ!

يَوْمَ اسْتَفَاقَ بِأَعْرافِ الخُيُولِ ضُحًى

نَخْلُ السِّنِيْنِ الذي قد كادَ يَنْدَثِرُ

حَتَّى تَبَجَّسَ قَلْبُ الصَّخْرِ مُنْتَفِضًا

طَيْراً مِنَ الماءِ يُرْوِيْنَا ويَعْتَذِرُ

وسابقتْ مَوْجَةٌ تَحْتَثُّ جارتَها

تَسَامَقَتْ صُوُراً تَشْتَقُّها صُوَرُ

ذُؤَابَةُ المَجْدِ واختالَ النُّواسُ بِها

نَشْوَى الفَخَارِ وأَنْفُ الذُّلِّ مُنْعَفِرُ!

تَهُزُّ في مُهْجَةِ الصَّحْراءِ عَوْسَجَةَ (م)

الزَّمَانِ، ما غُرَرٌ جاشَتْ بها غُرَرُ!

وَتَفْغَمُ الجَوَّ في كُلِّ القُرَى عَبَقًا

أَرْدَانُهُ العِزُّ والتَّمْكِيْنُ والظَّفَرُ

كَأَنَّما قد وَعَتْ كُلُّ الجَزِيْرَةِ أَنْ

قَدْ احْتَوَتْ قَدَرًا أَحْشَاؤُها الصُّبُرُ

كَأَنَّما هِيَ زَرْقَاءُ اجْتَلَتْ غَدَهَا ،

وذِمَّةُ المُسْتَحِيْلِ البَيْرَقُ الخَضِرُ!

عبدُ العَزِيْزِ لَهُ في دِيْنِ كُلِّ فَتًى

دَيْنٌ فَتًى أَبَدًا ما إِنْ لَهُ عُمُرُ

مَنْ وَحَّدَ الأَرْضَ أَرْضَ اللهِ في جَسَدٍ

المَسْجِدانِ بِهِ العَيْنَانِ والحَوَرُ

ومَنْ أَحاطَ رِقَابَ الجِيْلِ مَأْثُرَةً

مِنْ بَعْدِهِ الجِيْلُ يَتْلُوْها ويَأْتَثِرُ

مَنْ قَبْلَهُ لَمَّ هذا الشَّعْثَ في رِئَةٍ

أَنْفاسُها الشِّيْحُ والكَاذِيُّ والمَطَرُ!

ومَنْ تُرَاهُ ابْتَنَى للعُرْبِ مَمْلَكَةً

في شَكْلِ قَلْبٍ بِنَبْضِ القَلْبِ يَعْتَمِرُ!

هَبَّتْ صَبًا حَمَلَتْ وَطْفَاءَ ما هَدَأَتْ

حَتَّى تَغَشَّتْ بِلادي وَهْيَ تَنْهَمِرُ

فَغَيَّرَ اللهُ حَالِيْ نَضْرَةً ورِضًى

وسَنْبَلَ الحَقْلَ صَخْرٌ يانِعٌ نَضِرُ

إِنِّي اسْتَفَقْتُ وفي كَفَّيَّ مَدْرَسَةٌ

مَبْنِيَّةٌ بِعُيُونِ النُّوْرِ تَنْتَظِرُ

إِنِّي اسْتَفَقْتُ وما أَلْقَى أَخِيْ وأَخِيْ

خَصْمَيْنِ في رَحِمٍ .. واللَّيْلُ مُعْتَكِرُ

إِنِّي رَأَيْتُ سَبِيْلِيْ لاحِبًا أَمَمًا

مُعَبَّدَ الخَطْوِ لا تَنْبُوْ بِهِ العثَرُ

وقَدْ تَسَدَّتْ جِبالِيْ الشُّمَّ فارِعَةٌ

مِنْ دَوْحَةِ النُّوْرِ أَفْنَانِيْ بهَا زُهُرُ

والدَّرْبُ أَعْمَى تَجَلَّى ناظِراهُ كما

جَلَّتْ مَحَاجِرَها بالأَنْجُمِ الدُّجُرُ

عَهْدٌ جَدِيْدٌ مُرِبٌّ كُلُّهُ لُغَةٌ

مِنَ التَّفَوُّقِ والإِقْدَامِ تَنْصَهِرُ

يَرْنُوْ إِلى أَسْطُرٍ أُخْرَى تُزَوْبِعُها

حُرِّيَّةٌ سَنَّها الإِسلامُ والنَّظَرُ

يَرْمِيْ فِجَاجَ الرُّؤَىعَنْ كُلِّ قافِيَةٍ

فَيَسْتَهِلُّ قَصِيْدٌ ثائِرٌ خَطِرُ!

فَقُلْتُ، إِذْ قَالَ، وارْتَفَّتْ على شَفَتِيْ

فَراشَةُ الشِّعْرِ، واسْتَشْرى بِها الوَتَرُ:

إِنَّ المَسَافَةَ عَجْزٌ حِيْنَ تَذْرَعُها

وهِمَّةُ الحُلْمِ تُدْنِيْهَا وتَخْتَصِرُ !

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبدالله الفيفي

avatar

عبدالله الفيفي حساب موثق

السعودية

poet-abdullah-alfaify@

8

قصيدة

110

متابعين

أ.د/ عبدالله بن أحمد الفيفي. ‏شاعر وروائي سعودي من مواليد عام 1963م بمحافظة فيفاء التي تقع بجنوب المملكة العربية السعودية. أستاذ بجامعة الملك سعود. عضو مجلس الشورى 12سنة. 5 دواوين شعرية، ...

المزيد عن عبدالله الفيفي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة