الديوان » سوريا » أنور العطار » أحبابي الموتى

عدد الابيات : 52

طباعة

أحنُّ إليكم كلّما ذرَّ شارقٌ

وأبكيكمُ ما عشتُ في السرّ والجهرِ

أحبّايَ يا سؤلي ويا غاية المنى

طويتمْ ضلوعَ القلبِ مني على الجمرِ

وبتُّ أناجيكمْ وأهفو إليكمُ

وأصبو إلى لقياكمُ آخرَ الدهر

كأنّيَ لحنُ الحب قيثارة الهوى

أنوحُ على الأحبابِ بالأدمع الحمر

أصوغهم شعراً يفيضُ مواجعاً

وأنظمهمْ عقداً يتيه على الدرِّ

وأودعهمُ قلباً تقطّع حسرةً

عليهمْ، وعيناً دمعها أبداً يجري

فيا عهدهمْ لا زلتَ نضراً على البلى

ترفُّ رفيفَ النورِ في أضلع الزهر

ويا طيفهم زدني اشتياقاً ولوعةً

يزدكَ الهوى ما شئتَ من دامعِ الشعر

فيا أيُّها الغادون لا البينُ صدَّهمْ

ولا حجبتْ أنوارهمْ ظلمةُ القبر

جفونيَ مأواهمْ، ضلوعي قبورهم،

فيالقبورٍ خطَّها الحبُّ في صدري

سَلوا الجفنَ هل طافتْ به سنةُ الكرى

سلوا الليلَ هل دارتْ به مقلةُ الفجر

إلى اللهِ أشكو ما أقاسي من النَّوى

وما يتنزّى في الخواطر من ذكر

بروحيَ أنتم من محبينَ ودَّعوا

فودَّعتُ أفراحي وفارقني صبري

ولم تؤوني الأرضُ الفضاءُ كأنني

سجينٌ أقضّي العمرَ في النفي والأسر

بعيدٌ عن السلوانِ، صفرٌ من الألى

أشاعَ هواهم لذّةَ الشعر في ثغري

فهل علمَ الأحبابُ أنّ خيالهمْ

سميريَ في حُلوِ الحياةِ وفي المرِّ

إذا نسيَ الإنسانُ في اليسرِ صحبه

فلا خيرَ في التذكارِ في ساعة العُسر

أأيامنا لا زلتِ معسولةَ الجنى

كروضٍ شذيٍّ رفَّ في حللٍ خضر

أناجيكِ بالقلبِ اللهيفِ من الجوى

وأرعاكِ بالودِّ البريءِ من الغدر

وأسقيكِ دمعَ العينِ سقيا كريمةً

إذا ضنَّ جَفْنُ السحب بالساكب القطر

سلامٌ على تلك العهودِ فإنها

أمدَّتْ خريفَ العمر بالوارف النضر

وزانت أناشيدي ووشّتْ مدامعي

فمنْ لؤلؤٍ نظمٍ إلى لؤلؤٍ نثر

وما شئتَ من ظلٍّ رخيٍ ومن شذاً

وما شئتَ من طيرٍ يغنّي ومن نهر

أمانيُّ في زهو الحياةِ وفجرها

مرصعة الأفياءِ بالممتع المغري

أراكِ بعينٍ قد تنكّر دهرها

وما ألفتْ إلا الوفاءَ على النُّكر

وأصبو إلى ذكراكِ والذكر راحةٌ

لمنْ عاشَ في الهمّ المبرحِ والخسر

وأشتاق أُلافاً سقاني ودادهمْ

كؤوس الهوى حتى انتشيتُ من السكر

وحتى كأنَّ الدهرَ طوعُ أناملي

ينوّلني قصدي ويُبلغني أمري

إذا زرتني يا طيفهمُ في حمى الكرى

فقد زارني سعدي وعاودني بشري

وأشرقتِ الدنيا بعينيَّ وازدهتْ

لياليَّ بالأنوار والأنجم الزُّهر

وهوّن ما ألقاهُ من لاعج الضنى

وخفّف ما أشكوهُ من ثائرِ الفكر

مررتُ على الدارِ التي غالها البلى

وقوّضها حتى استحالتْ إلى قفر

فنازعني قلبٌ يذوبُ صبابةً

إليها، ودمعٌ لا ينهنهُ بالزَّجر

أطوفُ بها والروحُ يعصرها الشجا

ويغمرها بالبشرِ حيناً وبالذُّعر

هنا الأهلُ والأحبابُ والقصدُ والمنى

هنا الملتقى بعد القطيعةِ والهجر

هنا تجثمُ الذكرى، هنا ترقدُ الرُّؤى

هنا الموتُ يبدو في غلائله الصُّفر

هنا يقرأ الإنسانُ سفرَ حياتهِ

ويا هولَ ما يلقاهُ في ذلك السفر

صحائفُ إن قلّبتها ازددت حسرةً

على ما بها من غائل ِ الغدرِ والشر

هنا العبرةُ الكبرى التي دقَّ شأنها

وأعوزها سبْرٌ فأعيتْ على السّبر

هنا يخشعُ القلبُ الشجيُّ مردداً

كتابَ الرَّدى المحتوم سطراً إلى سطر

بنفسيَ أرواحٌ رقاقٌ حبيسةٌ

مضمّخةُ الأعطافِ مسكيةُ النشر

تأرَّجُ بالذكرى وتعبقُ بالهوى

كأنَّ بها عطراً أبرَّ على العطر

أعيشُ بها جذلانَ يسعدني الرضا

ويقنعني منها الخيالُ إذا يسري

سلامٌ على الأحبابِ إنّ طيوفهمْ

لتملأ هذا الفكرَ بالنائلِ الغمر

ولولاهمُ لم أجنِ ريحانةَ الهوى

ولولاهمُ ما شمتُ بارقةَ العمر

ولا صغتُ أنغاماً لطافاً شجيّةً

أرقَّ من النجوى وأصفى من الخمر

يرى المفردُ الحيرانُ فيها أليفهُ

وينسى بها دارَ الخديعةِ والمكر

عفاءٌ على الدنيا فما هي لذّةٌ

إذا كنتَ في شطرٍ وقلبكَ في شطر

ويا بؤسَ محيانا ويا طولَ غمّنا

ويا شدَّ ما نلقاهُ في الدهر من قسْر

ويا شوقنا للصحب في غمرةِ الرَّدى

وفي هدأة المثوى وفي رقدةِ العفر

نمرُّ خيالاتٍ يوشّحها الأسى

وننزع أثوابَ الحياةِ ولا ندري

ونطرحُ أياماً ثقالاً رهيبةً

براءً من الألوانِ خلواً من السحر

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أنور العطار

avatar

أنور العطار حساب موثق

سوريا

poet-anwar-al-attar@

14

قصيدة

65

متابعين

أنور سعيد أنيس العطّار،شاعر سوري ولد سنة 1913م, في دمشق من أسرة بعلبكية. وهو شاعر إسلامي ، نشأ في أسرة متدينة ، ورافق العلماء ، وتربي في مساجد دمشق نشأ يتيماً ...

المزيد عن أنور العطار

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة