صاعداً سلالمَ المستشفى إلى حيث البحر يطلُّ من الشرفةِ أبيضَ ووحيداً بلونِ الشراشفِ، بعينين دامعتين ترنوان إلى المصلِ الذي يقطرُ بالذكرياتِ، قطرةً قطرةً... أو خطوةً خطوةً... يصعدُ الألمُ سلالمَ نبضي بهدوءٍ أسود، يفتحُ البابَ المؤدي إلى قلبي، يجلس هناك صالب تفتحين عينيكِ الناعستين بتثاقلٍ لذيذٍ فلا تجدين أحداً.. ... الساعةُ الثالثة فجراً، غادرتِ الممرضةُ الخافرةُ إلى سريرها. قرصُ الأسبرين يغطُّ في شخيرهِ، والشوارع أيضاً، وحدهُ الشاعرُ هائماً وراء زجاجِ نافذتكِ يمشّطُ بأنفاسهِ غاباتِ شعركِ المتناثرةِ على الوسادةِ، ململماً عن شرشفِ البحرِ أزهارَ الزبدِ التي تركها ج في الصباحِ، سترتبكُ الممرضةُ وهي ترى إلى دمِ الشاعرِ يتسلقُ أنبوبَ المصلِ إلى جسدكِ يستوقفني المصعدُ المكتظُ بالزائرين لاهثاً (مَنْ أنتَ؟) يستوقفني موظفُ الاستعلاماتِ أيضاً (مَنْ أنتَ؟) وكذلك قرصُ الأسبرين (مَنْ أنتَ؟) من أنتَ…؟.. أشيرُ إلى أنبوبِ المصلِ فيضحكون أشيرُ إلى البحرِ فيتَّهمونني بالجنونِ أشيُر إلى عبقِ جسدكِ وهو يفضحكِ في الردهاتِ، فلا يشمّون سوى رائحةِ الأدويةِ أشيُر إلى..! إلى ماذا؟ وأسألُ البحرَ: المباضعُ التي تؤلمك أم أظافرُ الآخرين وهي تنهش أمواجك (قلبك المائي)، فيشيرُ إليهم من وراء الصخورِ بأصابع مبتورةٍ.. أرجوكم اتركوا البحرَ في عزلتهِ. البحر الذي يتبدّدُ على الرملِ كلَّ يومٍ وعلى قمصانكم، وطاولاتِ الوظيفةِ، وعقاربِ الوقتِ، والشوارع، ومقاعد الباصات... لا تتهموه بالابتذال افهموا براءةَ الموجِ، افهموا حزنَهُ المائي، أمواجه التي غسلتْ ملوحةَ المدينة وبدّلتها بالأشجارِ والريحانِ وأنتِ أيتها المدينةُ يا قلباً من الخلِ والصحراءِ واللافتاتِ ودخانِ المصانعِ لا تتآمري على البحر. ولأقلْ بوضوحٍ أكثرَ: لا تتآمري على الشعرِ ينفتحُ البحر على المرايا حيثُ الشاعرُ يجلسُ مخذولاً على الرمل وقد طردتهُ المدينةُ. ينفتحُ البحرُ على الموسيقى حيثُ الطبالون بالملابسِ المزركشةِ يعزفون "بحيرة البجع" بالطبولِ المثقوبةِ، وحيثُ يقفُ رجلٌ رثٌّ أمامَ بابِ الصالةِ المحتشدةِ يدعى جايكوفسكي لا يملكُ تذكرةَ دخول. ينفتحُ البحرُ على الفتياتِ وهن يخبّئن العشاقَ الجددَ تحت أسرةِ النومِ ويذهبن إلى الدوامِ الصباحيِّ دون أن يختلجَ لهن جفنٌ. ينفتحُ البحرُ على صالةِ العملياتِ حيثُ عيناكِ تحدقان في المروحةِ السقفيةِ العاطلةِ وعشِّ العنكبوتِ وتنعسان بفعلِ المخدّرِ شيئاً فشيئاً. ينفتحُ البحرُ عليهم وهم يتبادلون الصفقاتِ والنكاتِ أمام سريركِ الشاحبِ. ينفتحُ البحرُ على قلبي وهو يذوبُ في الأنبوبةِ قطرةً قطرةً.... ........ ***********
ولد عدنان الصايغ في الكوفة (العراق) عام 1955 ، وهو من أكثر الأصوات الأصلية من جيل الشعراء العراقيين المعروفين باسم حركة الثمانينيات. شعره ، المصنوع بأناقة ، وحاد كرأس سهم ...