رأيتُ رفاقي متعبين يمشون كأبطأ السواقي يستعيرون قصباً نحيلاً ويغنُّون لإلهاء خيباتهم يصرخون أحياناً لإعادة دمهم الذي يتنزَّه في الشوارع ويحفرون ثقوباً لنوم المتأخرين من عروقهم. رأيت رفاقي يجلسون أياماً على الكراسي ليسلُّوا أرواحهم الضجرة على الطاولات يوصلون بصعوبةٍ تنفُّسَهم بسلك الهواء ويرسلون شيفرةَ حياةٍ غير مسموعة المتجوِّلون مع الفجر قطعةً قطعة مغسولين كيفما كان بأيدي السجناء الذين ضربوا حارس المحطَّة وسافروا بلا حقيبة استلقوا صامتين في ارتعاشات منحرفة نخزوا شرايينهم وفرشوا السجائر في طريقهم من الباب إلى الدرَج ومن الدرج إلى الباب غير واجدين ما يبرِّر خطوة إضافية. عرفتُهم من عيونهم من وقوفها الطويل في الشتاء البطيء رأيتُ خصلات شعرهم حمائم وجبينهم كزقاق جانبيّ هادىْ. سمعتهم ينادون أصواتهم لتعود من الهواء ورأيت ظلالهم تغفو على حائط بسيط. مخنَّثون قدّيسون غرقى وسكارى جاؤوا من السهول والغابات لنسف القطار التقوا حكماء وأحجارأً ونبتات مضحكة تحسَّسوا لحم بعضهم بعضاً ارتطموا بأضلاعهم وتفكَّكوا.
وديع سعادة.. شاعر من لبنان، مواليد ١٩٤٨.في قرية شبطين شمال لبنان. عمل في الصحافة العربية في بيروت ولندن وباريس، وهاجر إلى استراليا أواخر ١٩٨٨.ويعد سعادة من جيل شعراء قصيدة النثر ...