آه يا حبيبتي الأميرة، لو كنتُ ساعيًا للبريد
بحقيبةٍ جلدية صغيرة، ودراجة صدئة الحديد
يجوب القرى الفقيرة، ويعبر الغابة المسحورة
بقلب يحرسه الحب، فلا يهاب وحوش العبيد
وهو مخلوق وحيد… آه لو كنت ساعيًا للبريد
لحملت إليك كلّ أخبار الحياة؛ كلّ نبأ سعيد!
آه يا عصفورتي المأسورة، لو كنت ساعيًا للبريد،
بزيّ مزركش بالطوابع كأنها باقات زهر
أخاطب من أشاء بما أشاء، بكل دهاءٍ ومكر
من يجرؤ ساعتئذ أن يلومني
على قرع باب القصر
وأنت ِ نائمةٌ كالعرائس بين أحضان السرير؟!
أنا في أعين الخلق المسعورة،
مجرد ساعي بريدٍ فقير!
يحمل في جعبته بعض الطرود والمكاتيب
عامةً كحالة الطقس، وليس فيها ما يريب!
ومثلي لا يمثل لأهل ِ النبل أية تهديد،
مهما تراقص تحت شرفتكِ كالدمى
وغرد مترنما بألف نشيد!
سأكتب لك كلّ فجر؛ كلّ ليلٍ ماسيٍّ منير
على ورق معطر؛ ملمسهُ مثل الحرير!
عن مدارات النجوم في الفضاء الكبير
وهي تملي على المنجمين والغجر
أكاذيب عن القدر، باسم أبراج البشر!
أو لعلي سأحكي لك في ساعة السحر
عن مزاج القمر الكسول المعكر
وكيف يعاكسني طيلة أيام الشهر!
لربما حدثتك حينا عن غرابة أطوار البحر
عن الأفراح والأتراح، ما بين مدّ وجزر
أو ربما رويت لك بشيء من الحذر
عن غرابة أطواري في السفر
ما أخفيهِ في السر،
من هياكل مقبورةٍ في الحفر
وما أكنزهُ في دهاليز الفِكر،
من الخير والشرّ
منذئذ كنت طفلاً صغير
يتعلق على أغصان الشجر
ليفكر في الله ومرايا الضمير
مثل شبح الشيخ الفيلسوف الحرّ
رابضا فوق الأسوار مثل الهِرر
يموء بالحكمة أبياتا من الشعر
عميقة الحقيقة ومخيفة الصور
فهو الضرير؛ المبصر بلا بصر!
أوّاه يا فأرتي الصغيرة،
ذات الحسن البديع
أرجوكِ ألا تخافي من ظلامي الشديد
لو كنت ساعيًا للبريد،
فأنا بأعماقي حملٌ وديع
وفي ظلمتي شموع تضوع بعطر الربيع
أنا حقيقة لست شيطانيّا كما أدعي
ما ذلك إلا لأجل أن أخيف العبيد
إن حياتي حزمة من الهرطقات،
قابلة للتحطمِ تحت مطارق التفنيد
لكن حجتي الوحيدة في الوجود،
أن عشقكِ جوهري في الذات؛
أنكِ كلّ ما أشتهي بلا حدود…
أنكِ كلُّ ما أتنفسُ… كلّ ما أريد!
أحرقُ ما تخطهُ لكِ قريحة الشعراء الميتين
وأدخن التبغ بما تدوّنه ريشة المعجبين
فلا يراسلك أحدٌ سواي من جحيم العالمين
أكتب لك رسائل لا تنتهي في كل يوم جديد
أحدثك بها عن كل شيء ولاشيء بالتحديد
لكنها في غابة الوجود، مثل الدرب الوحيد
تقود خطاي إلى دارك كلّ صباح مجيد
لأطرقَ بابك الموصود، مثل عاشق موعود
يسرق نظرةً تجعله أيقونة الرجل السعيد!
وعندما ينقضي شهر الصيام الكريم
على اختلاف مواقيت الأمة!
أو تحجُ قوافل الحجيج،
إلى بقاع مكة المكرمة
وباسم كل يوم مقدس أو ربما رجيم
يحتفى بهِ في أيّ بلدٍ غريبٍ بعيد
سأرسل لك رسالة حبٍّ من مجهولٍ
تسلمها لك أناملي صبيحة كل عيد!
أبوح ُ بين طياتها بالغرام الدفين
وأذيّلها بإمضاء حزين
أنا العاشق المخلص المتيم،
خادمكِ الوحيد،
القاطن في كهولة السنين
آهِ كم تمنيت لأجل عينيكِ يا حبيبتي،
لو كنت ساعيًا للبريد...
62
قصيدة