ثمة عيب خِلقِّي في كل ما أصنعه،
وسمائي يا أماهُ ملبدةٌ بالغيوم
الدمى التي أصنعها بفؤادٍ مكلوم
تتهشم كشظايا الزجاج الجارحة
ويرفض فكرة اقتنائها
حتى الطفل المحروم!
أماه، أنا رجلُ غابةٍ بدائيٍّ مغموم
بأفكارٍ هشة كالفراشات السارحة،
حاصره الغزاةُ الحالمين بغزو النجوم،
القادمين من عَمُورة وسَدُوم،
ومصيره المحتوم
أن يسقط من أعالي أغصان الحياة،
كسقطةِ الطيور الجارحة،
بطلقةِ غدرٍ حقودة، أو بسهمٍ مسموم،
ليدرك أنه مجرد محارب مهزوم
بأحلامٍ لا تصلح للعصرِ الآلي المذموم
ذلك أن جدار الروح منذ سنينٍ عديدة،
منذ فجر بعيد، أصداؤه تحرق التنهيدة
أمسى مثل إناءٍ مثلوم!
***
آهِ إني في الوجودِ نغمةُ نَشَازٍ تثير اللوعة
حتى نصوصيَّ المسموعة،
بها تشويشٌ يفسدُ المتعة
فلا تستحقُ عناءَ الإنصاتِ أو ذرف الدمعة،
ومن يبحث في سرداب أشعاري
لن يعثر أبداً على ضوء شمعة!
إني أحتسي الشاي في كأس به ثُلمة
لأن الكأس مثلي
ولو أخفت شروخيَّ العتمة
وأقرأ كتباً أوراقها مصفرةٌ قديمة
يتناسل العثّ من رحمها
كأنها بوابة أبعادٍ جحيمية
لأني كائن ينتمي للعصور المظلمة
فأفكاري متوحشةٌ تخلو من الحكمة
وأزيز الرياح يتنمر على لساني؛
يلطخ بالضجيج كلَّ ما أنطقُ من كلمة!
ورغم حسن النوايا،
يلازمني النحس كظلال الخطايا
أقاسي من العالم العجوز
رجومًا من النقمة
حين أخطو في غابة المُظلِمين
تسحق أفئدتهم دوامسُ الظلمة
شيء جوهريٌّ ينقصني،
فلا أنيرُ كالنجمة.
خلل ما يلوّثُ ما تعجنهُ يداي فلا أبلغُ مصقول البناء
ووثائق العمل التي أصوغها بالروحِ والدماء،
تشكو كالمحارةِ من لؤلؤة الخطأ السوداء
لا شيء اقترفه سليم الهيئة كماسة ٍ تشع بالنقاء!
ذلك أمر يسقمني؛ أظلمُ ليلاً مريضاً بالسويداء
وحين تنقصنا الحيلة، نحسُّ أنَّا ملوثين بالخراء!
من قناعاتي أنَّ كلَّ إنسانٍ معطوب
بطريقةٍ ما أو بأخرى؛ كل شيء مقلوب
فمن لم تفسدهُ الولادة أفسدته الخطوب
والعمرُ مهدورٌ بمحادثة انسانٍ لغوب
وكلُّ العقول، ترزح وتنوء بضباب الغيوب!
بيد أن القناعة وجهٌ آخرٌ لعملة الرسوب
لا تشفي من كراهية النقصِ القلبَ المكروب
لا تنقذُ روحًا تحيا لكشفِ غطاء المحجوب!
إن اللعنة تتفشى لتصيب ما حولها من الأشياء
كلُّ ما ألمسهُ يا أماه، ينصهر كحمم اللافا،
أو ينفجر كالمقلِ كيساً من أدمع البكاء!
ليتلاشى كالموتى؛ للأبدِ في عوالم الهباء
خيرٌ لي أن أكفَّ عن تعاطي عقاقير الداء!
أُخمِدُ أنفاس القصيدة، واطفئ اسطوانة الغناء،
حتى لو ظل القلب الحالم بالأنواء
في صمتٍ يغني بلا رجاء:
اهطلي… اهطلي… يا نجوم السماء!
62
قصيدة