الديوان » باسل الحجاج » ترانيم عن الوَتَر المبتور

تمضي وحيداً غريباً إلى السماوات
ويختلُ التوازنُ في حضرة الممات؛
أهرم فجأةً في مسرح الدمى
تغتالني النكبات
أين أنت الآن يا أبي…
أنا قبيلةٌ من اليتامى…
أنا مقبرةٌ من الذكريات
أحلم بملائكة مجنحة
وتراتيل من الصلوات
تحملني إليك من وحشة الظلمات
ما عدت أحلم بالسندريلا
ما عدت أحلم بيقطين العربات!
لقد تخلى الشعر عني وتخلت عني الأغنيات
القصائد التي كانت حياتي لم تجد بأعماقي حياة
كلها غادرت بلا أملٍ من سنيني اليابسات
كلها هاجرت كالسنونو
سافرت على جثث الحلمِ والآهات
أمست بلا نبض… بلا سمٍّ عقارب الساعات!
لا أبحثُ عن فرحٍ ولا أشعر بما هو آت
لا أحسُّ بشيء هاهنا؛ خاوٍّ كباقي الكائنات
خاوٍّ ولا تعرفُ عطشي وجوعي الملذات!
أين أنت الآن يا أبي…
يا بريق النور في أدمع النجمات!
*****
سلامٌ عليك أيها البعيد الذي كان يوماً قريبا
سلامٌ عليك أيها الحقُّ الذي أمسى سراباً غريبا
كتب الله أنَّ تفارقني؛ ويسرقك الموتُ مني
ما بيدي! وأحملُّ ذكراك على ظهري صليبا
سلامٌ عليك أيها البعيد الذي كان يوماً قريبا
*****
أين أنتَ الآن يا أبي؛ أيها الوَتَرُ المَبتور
يا قيثارةً ألحانها كانت من النور
ألن تعود لي؟ أنا الشاعر المغمور
أنا المسافر في الديجور
سرقتكَ القبور فسرقتني الدهور
كيف أحيَّاك وأحكي عما جرى لي؟!
غدر المكان بي وبالحشا حزنٌ دفين
لاشيء يشفي هذا القلب الحزين
*****
أين أنت الآن يا أبي، يا جنَّةً من الأمان
يا ملجأي من مجهولٍ يتربص بالإنسان
يا سيرة ماضٍ ما عاد لي في وحشة المكان
رحلت عني فانمحت حدودي وأبعادي
خانتني يا أبتي كاهنة دلفي وكذبني الزمان!
أين أنتَ الآن يا أبي… أيها الأمسُ الوفي
غدر الزمان بي وأنا في غيبوبةٍ عن غدي
فمتى توقظني؛ توقد النور في ظلمةِ الأجفان
متى تجتثني من شرانق غفلتي… يا ويلتي!
متى تعود بطفولتي؛ تنقذني من المجهول الخفي
متى تعود إلى أمسياتٍ قديمة الزمان
ورقعة شطرنج تحطمت من صراع الأذهان!
متى تعود بطفولتي؛ وأنسى أنها "كان يا ما كان"!
كمثل طفلٍ صغيرٍ تمسكني من يدي… آهِ يا أبتي
أنا صغيرك مهما شابت حكاياتي؛
مهما تساقطت أوراقي في خريف النهايات
متى تأخذني… تمسكني من يد غزتها التجعدات…
تمسكني كما في عواصف الذكريات!
أنا طفلك العجوز، إنَّ هجرك لي جورٌ لا يجوز
آهِ يا أبتي، أنا عاجزٌ بلا حيلةٍ أمام هذه السدود
فمتى تقودني من يدي… تنقذني من دهاليز الوجود!
أين أنتَ الآن يا أبي؛ أيُّ خطب حلَّ بي؟!
متى ستعود لي، أنا طفلك الأحمق الغبي؟!
كما كنت تقول لي؛ مقهقهاً مني ومن شر فعلتي
كلما تأبطت شراً وأشرعتُ سفينتي
قرصاناً مجرماً في أساطير رحلتي!
متى ستعود لي، متى ستعود يا أبتي
تعود إلى طفلك الأحمق الغبي؟!
تعود إلى طفلك الأحمق الغبي؟!
… الأحمقِ الغبي...

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن باسل الحجاج

باسل الحجاج

62

قصيدة

شاعر من المملكة العربية السعودية. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "النهر والغريب ومرثية الأقمار المتساقطة"

المزيد عن باسل الحجاج

أضف شرح او معلومة