الديوان » مظهر عاصف » الأدغال

كن الإنسانَ أو قلقي
كن الإنسانَ أو آخر
ومارس دورةَ الأفلاكِ
كالأفلاكِ في جسدي
وفي صحراءِ هذا الفكرِ كن بئرًا
لعلي أستقي وهمًا
يَبُلُّ عروقَ أوراقي
أحمِّلُ قاطراتِ العمرِ أقنعةً
وأصباغًا
وشيئًا منكَ ..مِن آخر
وفي دربي إلى المقهى
أرى نفسي تَساقطُ مِن ذُرى نفسي
وتصدأُ سكّةُ التّاريخِ
تنهشُها مسافاتي
ووحدي في احتسابِ الوقتِ
أن تدنو دقائقُه ..وأخشى أن يمزّقَني
ووحدي إن رحلتَ الآن
أبقى دون مرآتي
فيعكسُ ظِلُّ إنساني
ظلالَ أنوثتي العطشى
وأصحو مِن معاقرتي
لوجهٍ شاءَ أن يمضي
لأرضٍ لم يعد فيها
طيورٌ تسكنُ الأشجارَ
أمكنةٌ تضمُّ نوارسًا تعشقْ
زوارقُ شلَّها الإبحارُ
أجبرها بأنْ تغرقْ
لأرضٍ ماؤها قاسٍ
تلينُ صُخورُها للغيرِ
كيفَ وأينَ لا أعرف؟!
ويمضي وجهُكَ السكِّيرُ
هذا الوجهُ يشبهُني
ويشبهُنا إذا غبنا عن الأدغالِ
إن صاحت
 ذئابٌ تسكنُ الإنسانَ في شرهٍ
وتعوي دون أن نهربْ
لعلَّك إن رجعتَ الآنَ
تلقى فوق مكتبنا
قصائدَنا وقد طُرقَت
دفاترَنا وقد ولدَت
وأقلامًا تضاجعُ عَتمَةَ المنفى
وساعةَ حائطٍ قفزت
عن الأيّامِ أيّامًا
وضَوءًا خافتًا كَسِلًا
وتَلقى رُزمةَ الأوراقِ قد أكلَت رسائلَها
غبارًا نهنهَ الأشخاصَ فيها
في غياهبها
وخوفي أن تلاحقنَا إذا عدنا محابرُنا
فهل نهربْ؟
وهل مِن ذاتهِ الإنسانُ
مِن قارورة الأجسادِ
مِن قضبانِها يهربْ؟!
وفي دربي إلى المقهى
أرى نفسي تَساقطُ مِن ذُرى نفسي
كما تتحرَّرُ الأوراقُ من أغصانها غصْبًا
ولا أهربْ
وأشعر أنّكَ القادمْ
وأنت لديَّ مع أخرى
ولا أهربْ
ووحدكَ مَن تحرِّفُني
وتنسِجُ مِن عباراتي
رداءً لا يناسبُني
يقمِّصُ قدُّهُ الأخرى
وبعد تثاؤبِ الإحساسِ تَأخُذني
تعلّقُني على نفسي
على جدران ذكرانا
وألبَسُ وجهنَا الآخرْ
وشالاً لا يَقي بردًا
ولكنْ.. أنتَ تعشقهُ
وأجلسُ مرّةً أخرى
ليسألَ نادلُ المقهى:
شرابٌ؟
قهوةٌ؟
ألمٌ؟
وأقبلُ مرّةً أخرى
وأنتَ لديَّ مع أخرى
بأن تتهشَّمَ الأشياءُ في قيعان أسئلتي
وأن تتلعثمَ الأكوابُ إن مرّت على شفتي
وتنحازُ ابتساماتي إلى ركنٍ
لزاويةٍ
يراودُني بها آخرْ
وأقبلُ أن تراقصَني
لعلّي أستقي وهمًا
يَبُلُّ عروقَ أوراقي
وتصدأ سكّةُ التّاريخِ
تنهشُها مسافاتي
وذاك العازفُ المجنونُ
شيءٌ فيه يعجبُني
يحاصرنُي
يَدكُّ حصونَ أوردتي
يمارس لُعبَة الإخفاءِ حين أراهُ منحنيًا
ليُمسكَني
وحين أراهُ محترقًا
ليُحرَقَني
ولا أهربْ
وأهربُ مِن هروبِ الخوفِ كي أبقى
ولا أهربْ
وألفُ عبارةٍ خجلى
على شفتيهِ أقرؤُها
تنهنِهُني
أفسّرُها تفسّرُنِي
تضجُّ أساوري بالحبِّ
تُعلِنُ ساعتي فصلًا
جديدا تائهًا
لكنْ.. تذكّرني بكَ الأقراطُ.. بالآخرْ
تذكّرني
وأنهرُها
وتلعنُني
أحاربُها
وتهزمُني
تذكّرُني
تقضُّ مضاجعَ الذّكرى
ولا أهربْ
وألمَسُ وجهكَ السّكِّيرَ
هذا الوجهُ يشبهُني
ويشبهُنا إذا غبنا عن الأدغالِ
إن صاحتْ
ذئابٌ تسكنُ الإنسانَ في شَرَهٍ
وتعوي دون أن نهربْ
وهل مِن ذاتهِ الإنسانُ
مِن قارورةِ الأجسادِ
مِن قُضبانِها يهربْ؟!
ويمضي اللّيلُ
ثمَّ اللّيلُ
ثمَّ اللّيلُ
ثمَّ أنا
رفاقًا دونَ أن ندركْ
ونسمعُ قارئًا يتلو كلامَ الله تحبيرًا
فهل مرّت جنازتُنا  لنبكي روحَ قصّتِنا؟
ولم نعرفْ؟
وفي الأخرى
يموتُ النّادلُ المسكينُ
مثلَ كؤوسهِ كَمدًا
يموتُ العازفُ
القيثارُ
والرّوادُ
والمقهى
يموت الفصلُ مِن كَمدي
فمارسْ دورةَ الأفلاكِ كالأفلاكِ في جسدي
وفي صحراءِ هذا الفكرِ كن بئرًا
كن الإنسانَ أو قلقي
فهذا البردُ أورثني
صقيعًا جمَّدَ الشّكوى
وشالاً لا يَقي بردًا
ولكنْ أنتَ تعشقُهُ
وقد خبّأتُ في الإنسانِ
في الأنثى
وأنت لديَّ مع أخرى
كمانًا لم يَرُمْ عزفًا
لأنّي لحنُك الأوّلْ
وأجلسُ مرّةً أخرى
ليسألَ نادلُ المقهى:
شرابٌ؟
قهوةٌ؟
ألمٌ؟
فأطلبُ عازفًا لدمي
ليخرجَ مِن دواليبي
يلاحقُني
وفي أثناءِ رقصتِنا
يلاحقُني
وفي أثناءِ مَن مرَّت
ومَن ذهبتْ
يلاحقُني
وفي دربي إلى المقهى
وفي قيعانِ أسئلتي
يلاحقُني
ولا أهرب
لأنّي كنتُ مع قلقي
مع الإنسانِ
مع آخر
وأنتَ لديَّ مع أخرى.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة