نَيسَانُ هذا العامِ يبدو صارمًا وأنا أراقبُ جوقةً بعثَتْ تواشيحَ التّرابْ هو شهرُ وَشوشةِ الرّياحِ تدورُ عاريةً يُحمِّمُها العُبابْ هو حينَ حجَّتْ كي تعمِّدَ حزنَها نحو المآذنِ والقِباب هو شهرُ مِشنَقةِ الأماني إذ تدلَّت مِن تلابيبِ العذابْ يأتي ويذهبُ والزّمانُ زمانُهُ يأتي ويذهبُ والمكانُ تصدَّعتْ بعد الرّدى أركانُهُ يأتي على مهْلٍ ليظفَرَ بالذهابْ نَيسانُ يا «فدوى» أرادَ وقد تغنَّمَ ما أرادْ قد جاءَ بالوجعِ النّبيلِ كصهلةٍ عصماءَ في غضبِ الجيادْ قد جاءَ يرتشفُ الدّقائقَ مِن كؤوسِ الوقتِ يملؤُها الحدادْ وهو الّذي قد قالَ: مَن في البابِ؟ يبدو عاتِبًا ويداه مَن خلعَت عظامَ البابِ مِن قبلِ العتابْ والسّائلُ المسؤولُ عن ألمِ الفراقِ ومَن أجابْ وهو الّذي عرَّى الرّبيعَ مِن القصيدةِ بعدما عرَّى القصيدَ مِن الرّشادْ وأرادني حيًّا وموتي عالقٌ ما بين معرَكةِ الوجودِ أو الحِيادْ أيني وقد ركِبَ الجنونُ الرّيحَ نحوَ اللّا صوابْ؟ إنّي أفتّشُ بعدَ أن ضيّعتُني عن كلِّ نَيسانٍ يجيءُ بلا عذابْ ما كان ذنبي أن تجيءَ مُقلَّدًا قلقي وفي نفسي تُعادْ؟ ما ذنبُ طيني كلَّما شكَّلتُ مِن طيني بقاءً عبرَ صَلصَالي تكسَّر بالغيابْ أيني وقد بعثَ الوداعُ الموتَ في رسلِ السّحابْ؟ والنّاس حولي والجنائزُ والأماكنُ والعناقاتُ الّتي تأتي وتغدو للسّرابْ؟ الموتُ يا أبتي وهذا اللّيلُ يا أبتي كما عمري كئيبْ الموتُ يا أبتي اصطفاكَ الموتُ والقلبُ الوجيعْ الآن أدركُ ما جهلتُ مِن الحياةِ مِن المَماتِ الآن أفقِدُني ومِن منِّي أضيعْ الآن يخبرُني رحيلُكَ أنّه رحلَ الجميعْ اللّيلُ شاهدُنا الوحيدْ فهنا الفناءُ وقد تشبَّعَ بالخلودْ وهنا ولكنِّي وقفتُ وكم توقَّفَ ها هنا الرّجلُ الوحيدْ؟ الآنَ نبدو في المرايا الجائعاتِ لوجههِ طيفًا وظلًّا الآنَ يفترسُ الخيالُ حقيقتي تتفرّسُ الأحداقُ تنظرُ جيّدًا تتلمّسُ الوجهَ الشّبيهَ الصّوتَ قائمةَ الهمومِ الشّيبَ تسألني أنا وأنا الذي كفكفتُ وحدتَهَا أفجَّرُ بالنّحيبْ نيسانُ يا «فدوى» أرادَ ولا مَرَدَّ لما يُريدْ لكنّه وجعُ المقاعدِ والمحابرِ والقصيدْ وجعُ الفراغِ بأنْ يذيبَك ما احتواهْ وجعُ الملامحِ إذ بحثتَ عن الّذي قد كانَ رؤياكَ البعيدةَ في الرّؤى والآنَ حتمًا لن تراهْ وجعُ الصّباحِ وقد ذوى فيهِ الألمْ نوحُ الدّفاترِ والقلمْ ياءاتُنا ويجيبُ مَن نادى بحرقتِه العَدمْ تلك الخُطى وقعُ الخطى فوقَ السّلالمِ حين يأكلُها البعيدْ صمتُ النّعالِ الواقفاتِ ببابِ مَن رَحَلت خطاهُ ولن يعودْ موتُ السّجائرِ في صناديقٍ يحنّطُها الغبارُ مِن الجمودْ نَيسانُ يا «فدوى» يحطِّمُ طيننَا باسمِ التّحرُّرِ بعدَ تحطيمِ القيودْ ويكونُ نَطْعًا إن أرادَ يكونُ سيفًا إن أرادَ يكونُ حقلًا إن أرادَ.. مِن الورودْ يا رحلةَ العمر القصيرِ مِن البطونِ إلى اللّحودْ الموتُ يا أبتي وهذا اللّيلُ يا أبتي كئيبْ اللّيلُ إذ يُخفي المواجعَ بعد ذكركَ بابتسامةْ إنَّا وقوفًا للصّلاةِ وما تقدَّمَ منذُ أن فارقتنَا أحدٌ وكبَّر بالإمامَةْ أمورُنا مخلوجةٌ وجومُنا يفسِّخُ الكلامَ والحديثْ ليجمعَ الهدوءُ ما أفتيتَ مِن حديثْ ويشرُدُ الحوارُ مِن شِرودِنا ويشرُدُ الحديثْ وحينما نعودُ من خيالنا تقومُ للدّموعِ في عيوننا القيامةْ أبي أبي وكلُّ ما ارتأيتهُ في والدي غريب مسيرهُ غريبْ وقوفهُ غريبْ عاديُّهُ غريبْ غريبُهُ غريبْ شرودُه.. انتباههُ.. انشراحهُ.. انقباضهُ.. اصطباره.. انفعالهُ.. غريبْ حتّى ارتقاءُ روحِهِ من مَدرجِ الحياةِ للسّماءِ موقفٌ غَريبْ أبي الرّقيقُ واللّطيفُ والحييُّ في حضورِه حضورُه مُهيبْ وهجرُهُ مهيبْ أبي أبي وفي سكوتِهِ خشوعُ مَن تحصَّنوا بسورة الفلقْ في صوتِهِ قصيدةٌ أحالها الوقارُ للغرقْ في كلِّ ما يقولُهُ إن قال أو كتَبْ في كلِّ ما يبثهُ إن ردَّ أو شجبْ حكايةُ الصّفيحِ والخيامِ مُذْ لجَأ وكان رغَمَ شَقوَةِ السّنينِ في رحيلِها يفيضُ بالألقْ أبي أبي ولو رأيتَه لعدتَ من شرودهِ لوجهِ مَن ترفّعوا عن لوثةِ البقاءْ ووجهِ مَن تشرَّبوا اللّجوءَ والنّزوحَ والعناءْ وكفِّ مَن تسلّقوا شواهقَ البكاءْ وثغرِ مَن تبسَّموا لأنّهم تشجَّروا في مشتلِ النّقاءْ وحينما يعيدني الوجودُ في ملامحٍ لملمحِ الفناءْ وعينِه ال تضجُّ في بريقِها لأعينٍ تجمَّدتْ من وحشةِ المساءْ أكادُ إذ تُعيدني ألَّا يكونَ بين رعشةِ الرّقود والحياةِ مِن دماءْ ألَّا يكونَ بين لحظةِ الجنونِ والأناةِ مِن رجاءْ أكاد إذ تُعيدني أن أُمسِكَ الفنجانَ مثلَما مَسَكْ وأتركَ الفِراشَ ضمنَ طقسِه الغريبِ مثلما ترَكْ أن تهلكَ الطريقُ في دواخلي لقادِمٍ هلَكْ أبي أبي ولو رأيتَهُ لقلتَ هل يعيشُ بيننا في الأرضِ من رَسولْ؟ ولو رأيتَ خُلْقَهُ لمستَ باحمرارهِ تنسُّكَ البتولْ ولو شممتَ تبغَه لراقكَ الدّخانُ من مباسمِ الدّخانِ كالبَخُور وفي شموخِ والدي شموخُ مَن تشرّدوا وأُسكِنوا الخيامْ وفي حديث والدي تَشْتَمُّ عطرَ «رملةٍ» لتسمعَ الرّياحَ في سهولها وتلمسَ التّرابَ في الكلامْ وطالما عرفتُ أنَّ والدي عرفتهُ من طينةِ العظِام.
" مظهر عاصف" أحمد علي عودة.
- شاعر أردني مِن أصول فلسطينية.
- من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980
- أعمال مطبوعة:
فلسفات جنازة (شعر)
هناك (شعر)
السّادسة صباحًا (شعر)
ما لم يقله أحمد عود