الديوان » مظهر عاصف » كوب شاي

أتعرفُ ما الّذي يُبكي
ويَمنعنُي عن الإفصاحِ في ألمي
فلا أحكي؟
:أنينُ الحزنِ
واستسلامُ أحداقي
بأن تستوردَ الأحزانُ
أصنافًا مِن الأحزانْ
وأشكالًا من الأشجانْ
ضُمورُ الشّوقِ للمجهولِ
مُصفرًّا ومُزدهرًا
وما تُغني عُطورُ الزّهرِ للأزهارِ
إذ قُطِفَتْ
ودبَّ العجزُ في كيْنونةِ الأغصانْ؟!
ضَياعُ الدّربِ
أشواقي لمن ضَاعوا
فما عَادوا لأوطاني
ولا شُغِلتْ مقاعدُهمْ
فظلَّ المَقعدُ الخاوي
وحيدًا
وجهُهُ ذاوٍ
تسمَّرَ في مهبِّ الرّيحِ
والإعصارُ يضرِبُهُ
فما أغْنتْ عزيمتُهُ
ولا ذكرى بطولاتٍ
أمامَ تذبذبِ الأركانْ
ركضتُ وراءَ مَن ذهبوا
أقيلوني مِن الأشواقِ
وانتظروا
أقيلوني مِن الأحزانِ
وانتظروا
ركضتُ ألملمُ الأيامْ
وظلَّ الرّكبُ مرتحلًا
زمانٌ ذابَ بالنّسيانْ
تَريَّثْ صاحبي.. هاجَرْ
توقَّفْ إنّما.. هاجَرْ
ولحنُ اليأسِ يعزفنُي على وترٍ
فلا صوتي غدا صوتي
ولا زمني غدا زمني
أنا الإنسانُ فارقني
وودَّعني هو الآخرْ
فلمَّا عدْتُ أدراجي
وشاءَ الله أنْ أحيا
وجدتُ الأرضَ مِن بعدي
قِفارًا أصبحتْ أرضي
وجدتُ العِشقَ في أرضي
من الإذلالِ قد سافرْ
حضنتُ الخوفَ
والأشواكُ تحضُنُني
نزَعْتُ ملابسَ الإحرامِ
عن جسدي
فأينَ الشّمسُ؟
أينَ البدرُ؟
أينَ العمرُ؟
أينَ الوقتُ؟
إنَّ الوقتَ قد غادرْ
لذا قدمايَ تُؤلمُني!
تُرى هل طالَ بي سفري؟
ألستُ وُلِدتُ في أمسي؟
أليس غدًا هو الذكرى لميلادي؟
لذا روحي تشكُّ بأنّني أحيا!
فهل أحيا.. ولا أحيا؟
أنا جسدٌ بلا روحٍ
أم الأرواحُ إن تعِبتْ
تضيعُ ويختفي المظهرْ؟
لقد ضيَّعتُ يا «فدوى»
صبيًّا كان يعرفُني
له وجهٌ.. أظنُّ بأنّه وجهي
له صوتٌ.. أظنُّ بأنّه صوتي
لهُ في الشِّعرِ تَجرِبَةٌ
وخربشَةُ على الحائطْ
تحاكي عمقَ تَجرِبتي
وأثوابٌ مُرقَّعةٌ
وأوراقٌ مبعثرةٌ
وأقلامٌ مكسّرةٌ
وآهاتٌ.. أظنُّ بأنّها ألمي
رآني فرَّ في عَجَلٍ
تلاشى أنْ أُحدِّثَهُ
أُنادي: يا رقيقَ الخدِّ
حدِّثني ولا تفْزَعْ
فجبنُ الأمسِ لا يَنْفَعْ
وهذي صفحتي السوداءُ
فامحُ ما روى قلمي
وعاتِبْني على زمَني
وَقَفْتُ
سألتُهُ
أنصَتْ
تجرَّأ واحمرارُ الوجهِ
يفضَحُ أنَّهُ منّي
بأنْ ينسابَ في وَجَلٍ
ويرفضَ أنْ يحاورني
كأنّ الأرضَ ترفُضُنا
وتمنعُنا ولو قَدَرًا
بأنْ ألقاهُ في صِغَري
وأنْ ألقاهُ في كِبَري
بعيدًا ذابَ فارقَني
قَصصْتُ خطاهُ ضيّعني
صرختُ بهِ:
أيا هذا توقَّفْ
تلك عَفْرَتتي
تريَّثْ يا فتى.. هاجَرْ
توقَّفْ
إنّما هاجَرْ
وكان الوحلُ يُبطئُ خُطوتي
قسرًا
ومِنْ مُستنقعٍ أنجو
لأغرقَ مرّةً أخرى
بواحاتٍ مِن الألمِ
لقد فتَّشْتُ عن قلمي
فضاعَ الحبرُ مِن قلمي
وسادَ الصّمتُ في صَفّي
فرحتُ أمازِحُ الأولادَ
لكن.. لم يعُدْ أولادْ
وهذا موعِدُ الطّابورِ
أين الجمعُ والأصحابْ؟
تبخَّر ذلك الماضي
وبعثَرَني مع الأوراقْ
شريتُ فلافلَ الإفطارِ
فلتصنعْ يداكِ الشّايْ
عسايَ نسيتُ أُخبرُكِ
بأنّ الشّوقَ نَهْنَهني
كآهاتٍ بثغرِ النّايْ
لذاك الشّايِ يا «فدوى»
لذاك الشّايْ
لقد ضيَّعتُ يا «فدوى»
بكاءَ الطّفلِ في عيني
لعُمقِ بُكايْ
نقاءَ الصّوتِ في شفتي
لقُبحِ غُنايْ
جمالَ الكونِ في بصري
لضيقِ رُؤايْ
سُكوني
طيبتي
أَلَقي
أكادُ بأنْ أكونَ أنا
لِلحْظاتٍ أكونُ أنا
فأَلقاني أكونُ سوايْ
أعِدْ لي يا زمانَ القهرِ
ما ضيَّعتَ مِن عمري
أعد لي قلبيَ الأبيضْ
وأحلامي وفجرَ صبايْ
أريدُ الطفلَ
ذاك الطفلَ لا أكثرْ
أريدُ تسلسُلَ الأيّامِ
والإبحارَ في جهلي
أريدُ الحزنَ
بادِلْني بأحزاني
أريد الحزنَ أنْ يبدو
كحزنٍ دونَ أن أُقْهَرْ
أريدُ تناوُلَ الإفطارِ مع «فدوى»
وكوبَ الشّايْ
عسايَ نسيتُ أخبرُكِ
بأنّ الشّوقَ نَهنهَني
كآهاتٍ بثغرِ النّايْ
لذاكَ الشّايِ يا «فدوى»
لذاكَ الشّاي.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة