هذا ما بدأتُ بهِ: قلبي يموتْ لم يكترثْ أحدٌ طرَقوا على الأبوابِ ثم تزاحموا للنّيل منّي :لا يملِكُ السّيافُ سيفًا كي يجابهَكم بهِ وبها اتُّهِمتْ داسوا على الأوراقِ داسوني فقلتْ: لا ذنبَ للأوراقِ مُذ ضاجعتُها ما أنجَبتْ أملًا لا ذنبَ للمسجونِ بعد تأقلمِ الجسدِ المُقلَّمِ مع جدار السّجنِ يخبرُ ساجنيهِ عن الشّموسِ ولا يصيحُ مِن الألمْ وعنِ المشاعلِ إذ تضيءُ على النّوافذِ والأزقّةِ رغمَ أوجاعِ الحديثِ ولا يصيحُ مِن الألمْ لا ذنبَ للضّجر الّذي تختارهُ القضبانُ أو يُملى عليها كي تعاندَ نفسَها ونفوسَ مَن تُمنى بهم حتّى تصيحَ مِن الألمْ شَدُّوا وثاقي ألقموني حصوةً فلثغتُ في الآهاتِ أصدرُها مِن الحلقِ المُشقّقِ بالعَجَبْ يستجوبونَ غدًا ولا يُدلي بشيءٍ في البدايةِ والعِنادْ ثمَّ يُدلي قال: أمسي وجبتانِ مِن الطّعامِ ووجبتانِ مِن الضّياعِ ووجبتانِ مِن العَوزْ والعجزُ يسترُ ما تبقّى مِن مشاعرَ للغرامْ حضرَ الأخيرُ وكلُّهم خلفَ الأخيرْ لم يبتسمْ لم يقرأ الخوفَ المُخطّطَ في عيونٍ لا ترى إلّا انعكاسَ وجودِهم هذا لأنّي قد أردتُ وما أرادْ هذا وحرَّرَ خافقي حتّى يفكّرَ بالجحيمِ أو الخلاصِ مِن الجحيمْ رغم القذارةِ والقساوةِ كان أكبرُهم صغيرًا يأخذُ الدّنيا طقوسًا للجريمةِ والعقابِ ودون ذنبٍ كان يجترعُ النّفوسَ بقلبهِ الصّلبِ الزّنيمْ هي بَصمةٌ وامضِ إليها عبر سجنِكَ إن أردتْ هي بَصمةٌ لكنَّ إبهامي ال تعوَّدَ أن يُطيعَ الأمرَ أمري لا يُطيعْ قبضوا عليه وأودعوني حارةً لا زرعَ فيها رغمَ حاجاتِ القطيعْ هذا ما بدأتُ بهِ: لحني يموتْ نظرَ الّذي خلفَ المعازفِ للحضورْ عيني تراقبُ ذلكَ البوقَ المُكرَّرَ في العصورْ راوغتُهُ حاولتُ أن أمضي.. رآني مدَّ كفّيهِ الخبيثةَ كي يشقّقَ طاقتي سرقَ انتمائي للثّيابِ وقد تشابكت الخيوطْ وشجاعتي رتَّقتُها لكنْ.. بآلافِ الثّقوبْ وقفوا أمامي والأخيرُ وقدْ تبسَّمَ لم يقلْ إلّا: اتركوهُ فصفّفوني والتّرابْ لو أنّهم تركوا العبارةَ في فمي لأعدتُ نسجَ ربيعِ حرفي مِن سراباتِ السّراب العازفونَ تشرّدوا وأخذتُ مِن آلاتهم حطبًا أدفِّئُ زائري فوجدتُ نفسي نارَه ورمادَهُ ووجدتُ أحفادي امتدادًا للعذابْ هذا ما بدأتُ به: صوتي يموتْ صنمٌ أمامي يكسِرُ الأحياءَ يلتهمُ القرابينَ الكواعبَ إن رماها الخوفُ في أحضانهِ صنمٌ يُقدِّمهُ الجبانُ لمن يرونَ الجبنَ دربًا للكِياسةْ ذئبُ الدّماء كما ضباعُ العينِ يجترعُ الصّدى هذا الشّعورُ مِن الضّمائر لا يعودُ بقاربٍ كانوا عليه هذا الشّعورُ هو الأخيرُ من البَلادةْ إنّي صرختُ بمن يشابهُني: أنا كفّي أحرّكُ ليس يفهمُني أحدْ وأشيرُ للقومِ الجِسام وليسَ يفهمُني أحدْ صنمٌ أمامي يُنجِبُ الموتى وأعداءَ الحياةِ وبعضَ أكفانٍ تغطّيها الدّماءُ وليس يفهمُني أحدْ كم مِن مكانٍ كان يلفظُ ساكنيهِ وإنَّما ما كانَ يسكنُهُ أحد! هذا ما بدأتُ بهِ: يومي يموتْ لم نَلتقِ في الحُلمِ جاءتني بلادٌ تحملُ الزّيتونَ في أثدائِها في الحُلمِ سارت ليلتي فوق النّهارْ في الحُلمِ حادَثني الكمانُ بألفِ لحنٍ شَيّقٍ وصحوتُ لم أجد البلادَ ولا الكمانَ ولا اللّيالي السّائرةْ وغفوتُ فوقَ الحُلمِ أيضًا :كنْ جبالًا :كنْ بحورًا :للقصيدةِ ألفَ معنى ثم لا تُبقِ المَجازَ مُهدهِدًا للأعينِ اللّا تلتقي بعشيقها «مختارُ» مَن تلكَ الّتي بكت البلادُ رحيلَها؟ عيناكَ أم عيني بكت؟ شفتاكَ أم شفتي بكت؟ كان الكلامُ دموعَها أنَّاتُ بُحَّتِكَ الضّحوكةِ قد بكت والشّعرُ فيكَ الملمحُ اللّا ينثني ويداكَ يومَ ذهبتَ في الجَوقاتِ ترفعُ من وتيرةِ نبضِنا وتحرّكُ الأشياءَ والأسماءَ والأنفاسَ إذ تُبكي القصيدةَ واللّيالي السّابقةْ يا عازفًا جمهورُهُ الغيماتُ والظّبياتُ واللّحنُ الحجازيُّ القديمْ مَن ذا يحرّكُ مَن؟ هل لوَّحَت كفَّاكَ للجوقاتِ.. موسيقا أم الشّعرِ الحزينْ؟! هل ردَّدت عيناكَ مِن نُوتَاتِها؟ أم ما اختتمتَ بها مقامَ الرَسْتِ في ذيلِ اللّحونْ؟! لا زلتَ منّي حيث نبدأ مِن نهايتنا ونمضي ثم نَقفُلُ راجعينَ إلى المعاني الصّادقةْ لا زلتَ منّي حيث منّي أنتَ قافيةً تلملِمُ وهجَنا في عتمتينا والشّرودْ لا زلتَ منّي أنتَ داليةً تظلِّلُنا معًا فإذا تعرَّت كنتَ داليةً لها وغمَرتني قد نمتُ أطولَ مِن حكايا الأمسِ أقصرَ مِن مزاورةِ الشّموسِ على الكهوفِ النّائمةْ لكنّني أسكنتُ روحي في الحقيقةِ بعدما كنتَ الوحيدَ ال لم تثبطْهُ المواعيدُ الأخيرةْ هذا ما بدأت بهِ: كلِّي يموتْ.
" مظهر عاصف" أحمد علي عودة.
- شاعر أردني مِن أصول فلسطينية.
- من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980
- أعمال مطبوعة:
فلسفات جنازة (شعر)
هناك (شعر)
السّادسة صباحًا (شعر)
ما لم يقله أحمد عود