قد عدتُ في سُفنِ الرّحيلِ وهكذا يرسو الرّحيلُ على خليجِ القهرِ مدفوعًا بأمواجِ المَحاجرْ وأرى بلادي في بِحارِ الحبرِ تطفو حينَ يطفو الحِبرُ في وجعِ المحابرْ وطنانِ يعتلجانِ في حدَقِي على كتِفي وفي ورقي وفي خَتْمِ المعابرْ وعلى جوازي لستُ أدري مَن أنا فأنا سوايَ إذا انتهيتُ لموطني وسوايَ أبدو إن بدأتُ بموطني وأنا المُقيمُ إذا لجأتُ أنا الغريبُ إذا أقمتُ أنا المسافرْ «عمَّانُ» تحتلُّ المَسافةَ والحواجزَ والمَقاعدْ قد كنتُ أحسُبها القصيدةَ غيرَ أنّي حينما ودّعتُها ودَّعتُ آلافَ القصائدْ قد كنتُ أحسُبها الوضوءَ لكلِّ جرحٍ نازفٍ والآنَ أكتشفُ الحقيقةَ حينما تبدو الطّهارةَ والقداسةَ والمعابدْ «عمَّانُ» تمشي في «الخليلِ» فهل لمحتِ بيوتَها؟ إنّي رأيتُ نساءَها يغزِلْنَ ثوبَ «حليمتي» ورأيتُ أمّي قد تسيَّدَت الكواعبْ ومخيّمي إنّي رأيتُ مُخيّمي اتَّخذَ الصّفيحَ غطاءَهُ ومِنَ الدّوالي مِن غصونِ التّينِ يتّخِذُ الوَسائدْ عمَّا يفتّشُ مَن يفتّشُ مِعطفي؟ إنّي حملتُ اللّاجئينَ جميعَهم إنّي حملتُ النّازحينَ جميعَهم إنّي حملتُ وجوهَ قومي في حقيبةِ أضلُعي وحملتُ رائحةَ التّرابِ ولمْ تَسعْ وطني الرّسائلُ والحقائبْ وفككتُ رأسي كي يطيرَ معَ الطّيورِ وكي يغيبَ معَ البحورِ وكي يكونَ رصاصةً أو زهرةً أو جدولًا يجري ليستبقَ السّحائبْ وفككتُ رأسي كانَ في رأسي الشّروقُ وكانَ في رأسي الغروبُ وألفُ نجّارٍ وحدَّادٍ وسبَّاكٍ وعطَّارٍ وما لحَّنتُ ما غنَّيتُ ما غنَّى «أبو عربٍ» وما أقسمتُ ما أضمرتُ كنتُ الكونَ كلَّ الكونِ في سفري وتصحبُني الكواكبْ قد عدتُ أينَ «حليمتي»؟ حافٍ وتدري قصّةَ الطّفلِ الّذي قد سارَ في ركبِ الحفاةْ حافٍ وطعمُ الشّاي قد غمسَ الرّغيفَ على الشفاه حافٍ ككلِّ الهاربينَ مِن الجحيمِ إلى الحياةْ فتناولي شايي رغيفي ناولي شفَتي رغيفي ثم قومي مثلما قد كنتِ في الوجهِ الصّبوحِ إلى الصّلاةْ حافٍ «وحيُّ الشّيخِ» مسرحُنا الأخيرْ إنّي أفتّشُ عن «حليمةَ» فوقَ مسرحِهِ وعنّي في الحضورْ أينَ المنازلُ؟ أين جَدّي؟ أين مِفتاحُ الحديدِ وبابُ مسجدهِ الصّغيرْ؟ أينَ الصّريرُ على لسانِ البابِ إن شَهَقَ الرّنينْ؟ إنّي أفتّشُ في الأزقّةِ عن أساتذتي وعن صفّي عن الطّفلِ ال تعدَّى الأربَعينْ إنّي أفتّشُ عن نشيدةِ موطني الكورالِ والتّصفيقِ عنّي في الحضورْ لو تعلمينَ صديقتي ما كانَ مِن وجعِ اليدين وشوقِهِا ما كانَ مِن وجعي لأٌمسِكَ أُصبَعَ الطّبشورْ إنّي أفتّشُ في الخريفِ عن الرّبيعِ وفي الصّدور القاحلاتِ عن الزّهورْ دعي الجدرانَ تسألُني دعي الأثوابَ تسألُني دعي الحاراتِ تُرشِدُني إلى بيتي أنا لا زلتُ أرقبُها تدكُّ «اسْتيمَ» بابورٍ ولا أدري إذا ما الضَّوءُ مِن وجهٍ ومِن أسنانِ والدتي وجبهتِها أمِ البابورْ!! أنا لا زلتُ أسمعُها وطعمُ الشّاي في شفتي فهذا البابُ يعرفُني وهذا الحَوْش هذا الشّيبُ هذا القهرُ هذا الشّعرُ بينِ النّثرِ والمنثورْ أمامَ البابِ يا وطني أنا الموجوعُ والمشقوقُ والمَجبورْ أنا مِن نسلِ ساحرةٍ ولكنّي أنا المَسحورْ أنا مَن حطَّم الأشياءَ مَن حطَمَتهُ غربتُهُ كهذا البابِ في شُبّاكِهِ المكسورْ أنا مَن أحزنَ البروازَ يومَ رميتُه حجرًا ويومَ وشمتُهُ كسرًا ويومَ تركتُ كوبَ الشّايِّ منتظرًا أمامَ الخبزِ والتّنورْ أنا مَن كسَّر الشُّباكَ لكنّي أنا المكسورْ.
" مظهر عاصف" أحمد علي عودة.
- شاعر أردني مِن أصول فلسطينية.
- من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980
- أعمال مطبوعة:
فلسفات جنازة (شعر)
هناك (شعر)
السّادسة صباحًا (شعر)
ما لم يقله أحمد عود