الديوان » مظهر عاصف » الدّاية

صوتي ليسَ جميلًا
ليسَ رشيقًا في نبرتِهِ
صوتي لا يَصلحُ إلّا للشِّعرْ
كنتُ صغيرًا
أصغرَ مِن أنْ أفهمَ شعرَ الملكِ الضّلِّيلْ
لكنّي ردَّدتُ «ككورالٍ»
ما كان يُذوِّبُ في دنياي إذا أغربْ
كنتُ صغيرًا
لا أعرفُ شكلَ الضّمة مِن نهدِ الأنثى
لا أعرفُ إن كان الموجُ على الأوراقِ
حقيقيًّا في الوهمْ
إن كانَ سيغرقُها يومًا
في قِممِ اليَمْ
لا يتقنُ صوتي إلّا الشِّعرَ
لا يتقنُ إلّا الشِّعرْ
أمّي تعلمُ ذلكْ
أستاذُ اللّغةِ العربيّةِ يعلمُ ذلكْ
وفتاةُ الحارةِ حينَ عَشِقتُ ضَفائرَها
وسرقتُ القبلةَ مِن فمِها
وهربتُ بعيدًا
تعلمُ ذلكْ
وأبو حسن اللّدّاوي يعلمُ ذلكْ
"و أبو حسن اللّدّاوي هذا يعملُ حمّالًا
أحيانًا يَعملُ ماسحَ أحذيةٍ
عاملَ مقهى
أحيانًا يتجوّل بينَ الأحياءِ
يبيعُ التّرمسَ للأولادِ
ويمتلكُ صندوقَ عَجَبْ"
لا يتقنُ صوتي إلّا الشّعرَ
ولم يَلحقْ حُلمًا إلّاهْ
تخبرنُي أمّي كيف بكيتُ بكاءً موزونًا
حين أتيتُ إلى الدّنيا
تخبرُني كيفَ حبوتُ إلى ديوانِ جريرٍ
وكيفَ أكلتُ الورقَ تِباعًا
والجارةُ تخبرُني عن طفلٍ غنَّى بنشازٍ في اللّيلِ
رباعيّاتِ الخيّامْ
الدّايةُ تكذبُ
إذ تَنفي فلسفةَ الحبرِ على جسدي
والحبرُ
وأمّي
وأنا
نعلمُ أنَّ الحبرَ على ثوبِ الدّايةِ مِنّي.. مِنّي
كان صديقي
سرتُ وسارَ فلا يعلمُ أحدٌ منَّا
عن سرِّ العشقِ الأزليّ
أرسمُه كيف أشاءُ
ويرسُمُني إن شاءَ بلا قيدٍ أو شرطْ
ما زال يُحرّضُني أن أهربَ كي يَبحثَ عنّي
ما زال يُكسِّرُ أصفادَ الوزنِ على شفتيّ
ويعارضُ ترميمَ قوافينا
بدواعي الموروثِ القبليّ
قد كان صديقي
أو أنّي القابعُ فيهِ بهذا الجسدِ
وهذي الرّوحْ
هل أجهلُ كيف يجيءُ الشِّعرُ؟
أم يجهلُ شِعري
كيف أجيءُ إليهِ قبيلَ نداءِ الحرفِ عليّ؟
لا أتقنُ أن أتنفّسَ
إلّا أن يستنشقَ مِن رئتيَّ هواهْ
لا أتقنُ أن أتكلّمَ
إلّا في حضرةِ عينيهْ
ليكونَ السّامعَ والمسموعْ
ويكونَ الظالمَ والمَقموعْ
ويكونَ مداي الرّحبُ مداهْ
في هذا العقلِ صناديقٌ مُقفلةٌ مُنذُ قرونْ
يختِمُها خوفُ الأيّامِ بشمعٍ أحمرْ
أكياسٌ مِن جُثثِ الأفكارِ
وبعضِ الأمثالِ الممنُوعةِ أن تتكرَّرْ
أنا لا أتذكّرُ أينَ وضعتُ الخيلَ العربيَّ بورقي
أنا لا أتذكّرُ شكلَ «الحارثِ» رغمَ ملامحهِ المعروفةِ
«وابنِ سِنان»
لكنّي أتذكّرُ شَطَحاتِ وصَولاتِ «الجاحظِ»
«فالجاحظُ» كانَ كريمًا في كُتبِ البُخلاءْ
وأردِّدُ ما قالَ «النّابغةُ» بفيءِ القُبَّاتِ الحمراءْ
وأردِّدُ ما قالَ الشّعراءُ بسوقِ عكاظْ
كنتُ أبيعُ الخمرَ هناكْ
كنتُ أبيعُ الكحلَ هناكْ
كنتُ هناكَ الرّاوي أيضًا
وهناكَ مررتُ بأوّلِ حبٍّ
وآخرِ حبٍّ كانَ هناكْ
وبتلكَ السّمراءِ ال تفترسُ تفاصيلي
ومررتُ بدكّان القِرطاسيّةِ
ومَن باعَ ليَ القلمَ الأوّلْ
ومَن كسرَ ليَ القلمَ الأوّلْ
ومَن سَرقَ مُرادَ الكَلماتْ
أعوامي جرفَت في سيلِ السّنواتِ طريقي
مخمورٌ هذا القلقُ الجاثمُ فوق خيالي
محمومٌ هذا التّعبُ ال يشكوهُ مجازي
وسعيدٌ هذا الحزنُ بقافيةٍ
تَرسُمهُ بطلًا في نحسِ
ويــأسِ الحالاتْ
التّيهُ الكونيُّ يقشِّرُ ذاكرةَ الإنسانِ
ليبدو شبحًا
الحزنُ المفروضُ علينا يَخلعُ مِسمارَ مبادئِنا
كي نتخلخلْ
البنجُ الفكريُّ
يساعدُ في تحويل الذّاكرة لسلّةِ كعكٍ
ومفارشِ خُبزٍ
ولبسطةِ ممنوعاتٍ تَعرِضُ أفلامَ البورنو
وأغاني الحاراتِ الضّائعةِ عنِ الأفيونْ
والقيدُ الأحمرُ مولودٌ شرعيٌّ للخطِّ الأحمرْ
إنّي أتذكّرُ ما أسلفَهُ الشّعراءُ
 ولستُ أمارسُ ما أتذكّرْ....
«علامات التّنصيص احتوت على نصٍّ قصير من قصيدةٍ للشّاعر الرّاحل: محمد القيسي».

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة