الديوان » مظهر عاصف » الرّيشة

عدد الابيات : 39

طباعة

حضورًا بدا عند الوداعِ غيابُهُ

إذن ماتَ! كلّا، كانَ ذاكَ سرابُهُ

لدى الموتِ واصطفَّت قبورٌ كثيرةٌ

لتلقاهُ لمَّا حانَ منها اقترابُهُ

ترجَّلت الأبعادُ عن ظهرِ مَلمحٍ

وأرخى ستارَ اللّيلِ قهرًا شِهابُهُ

وما زلتَ، ما زالت تخالُكَ عازفًا

فهل تقتلُ النّايَ الرّقيقَ عِذابُهُ؟

أغبتَ لأنَّا لم نكن مثلَ حنظلٍ

وطفلٍ لنخلاتِ المسيحِ انتسابُهُ؟

على الحائطِ المهدومِ يرسمُ شاهدًا

وقبرًا بدا حبرَ الدّواةِ ترابُهُ

فوشَّى بعظمٍ من دماهُ سلاسلًا

ووشّاهُ ما وشَّاهُ إلّا اختضابُهُ

وللقيدِ حولَ المعصمينِ وحوشُهُ

وللقيدِ إن ثارَ الخيالُ ذئابُهُ

ولكنَّ مَن ردَّ الضّباعَ تقزَّمَتْ

بعينيهِ خُوذاتٌ غَزتهُ وغابُهُ

إذا كُسِّرت أضلاعهُ مِن هراوةٍ

تصدَّى بمقلاعِ الحجارةِ نابُهُ

فلم يثنهِ عن عزمهِ حبُّ كاعبٍ

ولم تَبكِهِ عند الفراقِ كعابُهُ

تأذّت به الأحزانُ جرَّاء صبرها

وأعفاهُ منِ فيضِ الدّموعِ اكتئابُهُ

فيمضي بلا ظلٍّ ليقطفَ موجةً

ويُقصيهِ عن موجٍ أتاهُ عبُابُه

على أيّ بحرٍ قد يُغيرُ مسائلًا

وعكَّا ببحرٍ لا يؤوبُ إيابُهُ؟

أيُعفى مِنَ الجرحِ الأنينُ وجرحُنا

على منبرِ الكفينِ جَزْلٌ خطابُهُ؟

فمن أيِّ ذنبٍ قد تخافُ عقابَها

ذنوبٌ وفيها حين يشقى ثوابُهُ!

ومِن أين يستلُّ الكَيانُ حقيقةً

إذا كان مكرًا وافتراءً جِرابُهُ؟

ومِن أين؟ تدري أنَّ كأسًا مليئةً

بوهمٍ سيسقي الواهمينَ يبابُهُ

حضورًا ولا يدري بوجهةِ حنظلٍ

وفي أيِّ أرضٍ قد تكونُ ركابُهُ؟

ومِن أيِّ حربٍ قد يجيءُ مُهاجرًا

ومِن أيِّ صوبٍ قد يصيحُ غرابُهُ؟

فخنساؤهُ يدمي اللّجوءُ رضيعَها

وتُدمَى ولم تعتدْ عليهِ ربابُهُ

ولا طفلُها، لا الياسمينُ وقد غدتْ

تَضيقُ بأقدامِ الهروبِ شعابُهُ

فلمَّا تلاقى ذا بذاكَ عرفتُهم

ولا يعرفُ التَّرحالَ إلّا صحابُهُ

فهذا المُصفَّى مِن دماءِ عشيرةٍ

وهذا المُسجَّى مِن عدوٍّ يهابُهُ

وذاكَ المنافي قد أكلنَ سنينَهُ

وهُدَّت لتشْييدِ الكَنيسِ قبابُهُ

تشابهتِ القمصانُ حتّى ثقوبُها

وشكلُ النّعالِ الحافياتِ وآبُهُ

ليمضي بأسماءِ المدائنِ كلِّها

ويمضي بمفتاحِ الإنابةِ بابُهُ

فمَن أيِّ أرضٍ قد يسيرُ كعائدٍ

وأوَّلُ مَن وارى الرّجوعَ  ذهابُهُ؟

ومن أينَ أبوابُ الخيامِ؛ جهاتهُا

وكلُّ مصابِ الرّاحلين مصابُهُ؟

وآخرُ مَن يجني عليكَ هو الّذي

سيغدو بكاءً في العراءِ عتابُهُ

لذا تبصرُ الألوانُ وجهَ حبيبها

وإن كانَ معصوبَ الجهاتِ ضبابُهُ

تنادي ومَن نادتهُ يسألُ سائلًا

وألفُ جوابٍ ما بهنَّ جوابُهُ

على الفورِ تمضي كي يُقيمَ بسمعهِ

فمِن بعدها شقَّ السّكونَ اضطرابُهُ

تأنَّى قليلًا كي يُكفِّنَ وجهَهُ

فكفَّنَتِ الأقلامَ عنهُ ثيابُهُ

لمَن يشتري بنَّ الصّباحِ؟ جريدةً؟

وما ذاقَ دفءَ العاشقينَ كتابُهُ

وحيدٌ حزينٌ مثقلٌ بشواهدٍ

ففي قلبِها لو تعلمينَ سحابُهُ

ألَا إنَّ تاريخَ العروبةِ ما ترى

يثورُ جنونًا إن رفضنا صوابُهُ

يمدُّ الدّلاءَ السّاقياتِ لغيرنا

ببئرٍ ولم يُشفقْ علينا انسكابُهُ

لذا مات حيًّا مَن تخلَّدَ بعدها

وما ماتَ، كلّا، كانَ ذاكَ سرابُهُ...

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة