السّادسةُ صباحًا أبدو كجدِّي حينما أبدو جريحًا أو كسيرًا أو غريبًا أو حزينْ أبدو كئيبًا مثلَ وجهِ اللّاجئِ المغبّرِ مِن رملِ السّنينْ تتشابهُ الأحداقُ حتّى أنّها وَرثِتْ مع الجيناتِ بؤسَ البائسينْ أبدو كجدّي حينما يبدو وحيدًا في تعاريجِ الكهولةْ حينما كانت تعاويذُ الشّقاءِ به الرّجولةْ والحزنُ مَن منحَ النّزوحَ على الخرائطِ دورَه والحزنُ مَن رسمَ الخطوطَ ومَن أمالَ خيامَنا والحزنُ مَن كتبَ النّصوصَ ومَن أضافَ ومَن أرادَ لنا البطولةْ وأريدُ أن أحيا وحيدًا دونَ وجهي واشتعالِ الشّيبِ في شَعر القصيدةْ دون أن يأتي المساءُ كزائرٍ أو قاتلٍ من دونِ أن يسطو ويغنمَ _في منازلةٍ_ أمامي قبل أن يجثو فيلتهمَ العشاءَ على عظامي ثم يشربُ خمرَهُ ويقشّرُ اللبَّ المحمصَّ بينَ طيّاتِ الجريدةْ وأريدُ أن أحيا وحيدًا دونَ أن تأتي التّعاسةُ كلَّ يومٍ للفِراشْ تأتي بعاشقِها الكئيبِ أكولةً كالنّارِ أجنحةَ الفَراشْ وعلى فراشي يستحيلُ القهرُ عزفًا للبكاءْ وتريدُ منّي أن أكونَ عشيقَها وتريدُ أن تغدو الوحيدةَ في النّساءْ وأنا الّذي ما خنتُها ما خانَها جدّي ولا حتّى أبي أيخونُ عاشقةً _وقد وفَت_ الشّقاء؟! السّادسةُ صباحًا الشّامُ هنا فاخلع نعليكْ ستسيرُ على جثثِ الأحجارِ وقبرِ الأغصانِ المكسورةْ ستسيرُ على رممِ الأشعارِ ودمعِ الأبياتِ المهجورةْ ستمرُّ على أدمغةِ الشّعرِ وقد بنَت القَمحةَ فالقمحةْ قد غَنَّتْ... بُحتُها البُحّةْ ستمرّ فلن تسألَ طللًا إلّا وأشارَ إلى الأعلى الشّعرُ هنا ينزفُ ماغوطًا والفرَّا قد باعَ الدّنيا يومَ الأحزابْ لن تجدَ الخيلَ ولا ميسونَ ولن تجدَ بعينِ الشّاميَّات هنا الأهدابْ لن تجدَ الكأسَ ولا السّمَّارَ ولا الأكوابْ الهالُ تشرَّدَ والقهوةُ أهمَلت اللّحنَ الفيروزيّ ونزارٌ فارقَ بَلقيسَ ولم ينشرْ ديوانًا آخرْ يا وطنَ الشّعرِ ألا يوجدُ مَن يسمعُ شعري؟ الشّام هنا فاخلع نعليكْ الخبرُ الأوّلُ: عن مجزرةِ اللوزِ ووجهٍ قد شوّهه الصّبرْ الخبر الثّاني: عن قيسٍ قد حرّفَ آخرَ ما قالت ليلى والثّالثُ: عن جسدٍ يصرخُ: فليحيا وطني ويسودُ الصّمتْ والرّابعُ: أنَّ دمشقَ وحاراتٍ في قلبِ دمشقَ وناياتٍ في صوتٍ دمشقَ وليلاتٍ في ثوبِ دمشقَ رجالاتٍ في دمعِ دمشقَ تقولُ: دمشقْ الشّامُ هنا فاخلع نعليكْ الطّفلةُ صاحبةُ القُرطِ الأحمرِ سوريّةْ والقاتلُ يضعُ ببيتِ النّارِ وفي «باغةِ فردٍ» طَلْقةَ حريّةْ يضعُ القريةَ فالقريةْ يستخلصُ شِبرًا بعدَ الحرقِ ليحرقَ آخرْ يستخلصُ غصنًا بعد ذبولِ الغصنِ ليقطعَ آخرْ يستخلصُ قلبًا مِن مخلبِ مَن طعنوا النّاسَ ليطعنَ آخرْ ينتشلُ الغرقى ثمَّ الغرقى كي يُغرقَ في بَرَدى الماءْ كي يشطبَ شهرًا عاشوريَّا مِن روزناماتِ الإفتاءْ والنّاسُ مع الحقِّ وإن كانَ مع الحقِّ الباطلْ والباطلُ يستجدي الحقَّ بأن يبدو حقًا في الباطلِ والنّاسُ مع الذّاهبِ والقادمِ والعائدِ من صدرِ الإسلامْ ومَن كفرَ بكلِّ الأديانْ فقد تاهُ الإنسانُ وتاهت صاحبةُ القُرطِ وتاه النّهرُ وقد تاهتْ في دربِ العودةِ سوريّا فهل تنجبُ فُوهةُ المدفعِ للطّفلةِ يومًا حريّةْ؟ من جاءَ لينقذَها؟ قالَ الموتُ: الموتْ كُسِرَ مِن الإشفاقِ الصّمتْ البطلُ هو السّارقُ والحارقُ والمُحتلْ حريّةُ تلكَ الأقراطِ بدَت في القتلْ نحنحةُ الأصواتِ على الآذانِ كطلقةِ موتْ والقاتلُ مَن جاءَ ليمنحَ هذا القلبَ المنكسرَ جبيرةَ عدلْ الظّلمُ وعصرُ الأنفسِ في مِعصَرةِ الحربِ نجاةْ العودة للنّار وقاعِ جهنّمَ وطنٌ آمنْ الماضي يبعثُ شجنًا محترقَ الأنّاتْ والطفلةُ تحلُمُ في سجنٍ يَحميها مِن بطشِ الدّخلاءْ تطلبُ سجّانًا يحترمُ حقوقَ الدّميةِ في يدها يحترمُ نشيجَ النّدبةِ في قُرطٍ مزّقَ مَسمعَها الطّفلةُ تحلُمُ في سقفٍ يحجبُ ما شاءَ من الأشياءْ يحجبُ إن شاءَ الفجرَ ويحجبُ ما قد شاءَ البدرَ ويحجبُ إذ يحجبُ عالمَها لكنْ لا يحجبُ سوريّا. السّادسةُ صباحًا لم أنكسرْ كالغصنِ في انكسارهِ قد قاومَ العذابْ لم أنكسرْ والغصنُ كان يابسًا وطقطَقتْ ضلوعَه مخالبُ الغرابْ بل ريشةٌ تدورُ في الفراغِ قبلَ أن تدورَ في زوابعِ اليبابْ بل غُصّةٌ تجيءُ في مراكبٍ محطمّةْ وأشرعٍ ممزقّةْ كأنّها تضيقُ من لواعجي فتسكنُ الهِدابْ لم أنكسرْ لأنّني مكسّرٌ مفتفتٌ... مشقشقٌ كموطني والشّامُ يا صديقتي لم تمنحِ التّرابَ أيَّ زهرةٍ في ساحةِ الخرابْ لم تقنعِ الفراشَ أن يلملمَ البكاءَ ذاتَ دمعةٍ ويطرحَ العتابْ الشّامُ في سريرها تئِنُ إثرَ طعنةٍ وطعنةٍ وطعنةٍ وحولَها الذّئابْ قد قصقصوا ضفائرًا قد قصقصوا مِن شعرِها جدائلَ السّحابْ قد أتلفوا السّوادَ في خَصائلٍ يبُلُّها العُبابْ لأنّ في انسيابِ شعرها الثّوابَ والعقابْ لأنّ في انزياحِ شعرها الضّلالَ والصّوابْ لأنّ في امتدادِ شعرِها حكايةَ السّهولِ والكرومِ والبيوتِ والدّروبِ والهضابْ الشّامُ في الشّروقِ يا صديقتي كالشّام في الضّبابْ والشّامُ في حقيقةٍ كالشّام في السرابْ والياسمينُ... الياسمينُ... الياسمينُ صديقتي الياسمينُ... وألفُ سيفٍ في الرّقابْ والياسمينُ... الياسمينُ... الياسمينُ صديقتي الياسمينُ وكيفَ ضيَّعهُ الكلامُ؟ وكيف تاهَ مِنَ الخطابْ؟ والياسمين... الياسمين... الياسمين صديقتي الياسمين وليسَ في الذّكرى جوابْ الشّامُ يا صديقتي رسالةٌ مِن عاشقٍ لعاشقةْ تقابلا... تعانقا تشرَّبا نبيذَها فكانت الكؤوسُ والشّرابْ وكانت الأناملُ ال تدسُّ وردتينِ في كتابْ خجولةٌ... ومؤلمةْ ولحظةُ افتراقْ ومشهدٌ لا يصرُخُ الموجوعُ فيهِ: أن توقّفوا لا تصرُخُ الدّماءُ فيهِ: أن توقّفوا لا يصرُخُ الصّراخُ فيه: أن توقّفوا لا تصرخُ الدّروبُ فيه: أن توقّفوا وتصرُخُ الشّعابْ فكيف يا صديقتي نسيرُ في مدينةٍ تعجُّ بالغيابْ؟ وأينَ ناسكاتُها؟ وأينَ بيضاواتُها الحسانُ والكِعابْ؟ وهل لنا مِن حجرةٍ في بيتها العتيقِ ذاتَ آبْ؟ الشّامُ يا صديقتي لا تنتمي لنفسِها فكيفَ للتّرابِ أن يحاربَ التّرابْ؟ وكيفَ للشّفاه أن تخاصمَ الرّضابْ؟ وكيفَ للهدوءِ أن يقاتلَ الهدوءَ في ضجيجهِ؟ وكيفَ للقصيدِ أن يسيرَ في حروفهِ مُخلِّفًا ميسونَ مِن ورائهِ وتاركًا ربابْ؟ فالشّامُ في الشّروقِ يا صديقتي كالشام في الضّبابْ والشّامُ في حقيقةٍ... كالشّامِ في السّرابْ.
" مظهر عاصف" أحمد علي عودة.
- شاعر أردني مِن أصول فلسطينية.
- من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980
- أعمال مطبوعة:
فلسفات جنازة (شعر)
هناك (شعر)
السّادسة صباحًا (شعر)
ما لم يقله أحمد عود