السّادسةُ صباحًا
أعترفُ أمامَ المَلأِ بأنِّي شِرِّيرْ
رجلٌ شِرِّيرْ
فجوازي يحمِلُ خَتمًا
خُطَّتْ تحتَ الخَتمِ
وفي أدنى الصُّورةِ تَحديدًا
إذْ أبدو فيها مُبتسِمًا
كَلِمَةُ شِرِّيرْ
مَكتوبٌ في هُويِّتي
وفي شهادةِ الميلادِ بأنَّنِي شِرِّيرْ
سَيكُولوجيَّةُ النَّزعةِ الأولى كما يقولُ طبيبي
استساغَتْ السَّيرَ عكسَ التَّيارْ
أحدُ أجدادي على ما يبدو كانَ قاتِلًا مُحترِفًا
ورغمَ قِصَرِي
وسُمنتِي
وصَلعتِي الّتي ألمِّعُها كلَّ يومٍ بطريقةِ البُسطاءِ
إلّا أنَّنِي شِرّْيرْ
أحدُ السَّحرةِ قالَ: يَسكنُ فيهِ جِنيٌّ آبقْ
وإحدى المَبرُوكاتِ بَعدَ أنْ مسَّتْ جبهَتي انتفضَتْ
وتثاءَبتْ بغزارةٍ
وقالتْ لأبي: اسقِهِ مِنْ زيتِ الخِروَعِ هذا
وادهنْهُ بزيتِ الزَّيتونِ
وبخِّرْهُ بِدخُانِ الأعشابِ السَّهليَّةِ إنِ احمرَّتْ عيناهُ
وقيِّدهُ إذا رفسَتْ قدماهُ مُقاوِلَ قَريتِنَا
فابنكَ هذا يا ولدي ولدٌ شِرِّيرْ
كلُّ ما أقولُهُ مُذْ ولَدتنِي أُمِّي
أقولُهُ لأنَّنِي شِرِّيرْ
لمْ أستطعْ أنْ أحفظَ مُعلَّقةَ ابنِ كُلثومٍ..
في الصَّفِّ الخامسْ
لمْ أحفظْ في الصَّفِّ السَّابعِ الإلياذَةْ
لمْ أقرأْ حتّى الآنَ ملحمَةَ جِلجَامشْ
أستاذُ التَّاريخِ أصرَّ بأنْ أفهمَ..
كيفَيةَ تَقطيعِ الجسدِ الواحدِ..
في دُكَّانِ القصَّابِ لقطعٍ حيَّةْ
لكنِّي لم أفهمْ هذا الدَّرسْ
شرحَ مِرارًا مُبرِّراتِ الحربِ العالميَّةِ..
الأولى والثّانيةِ... كأنْ حدثَتْ في الأمسْ
مبرّراتِ نَكبةِ البرامكةِ لانتفاءِ الوطنيَّةْ
الحُكمِ بالأشغالِ الشَّاقَّةِ على عبدِ الحَميدِ الكاتبِ
لكنِّي لمْ أفهمْ مُسوِّغاتِ هذهِ الطِّيبةِ الهَمجَيَّةْ
أو ما يربطُ بينَ التّاريخِ الكاذبِ والحرِّيَّةْ
أعترفُ أمامَ الملأِ بأنِّي أنتمِي للجموعِ
لقريتي.. لحارتي
لمدرِّسِ التّاريخِ
لكلِّ مَنْ يَمرُّ في حياتي
ومَن يَفِرُّ إنْ رآني
فدائِمًا أبادلُ ابتسامتي الصَّغيرَ والكبيرْ
لكنَّنِي شِرِّيرْ
مُلتزمٌ بالنَّجيباتِ الخمسِ خلفَ الإمام
مُتَناهٍ بالتَّأمينِ خلفَ الإمامْ
أصومُ كلَّ نافلةْ
أعتمرُ مرَّتينِ في السَّنةْ.. وأبكي على ضَياعِ الثالثةْ
أُمِيطُ عنْ سوابلِ الأنامِ كلَّ حَصوةٍ
ومُعثِرةْ
لكنَّنِي شِرِّيرْ
أتصدَّقُ بربعِ راتبي لليتامى..
كلَّ شهرٍ والأراملْ
أتطوَّعُ لزيارةِ دارِ المُسنِّينَ دونَ أن أَعُدَّ ذا مِنَ الفَضائلْ
أوَّلُ مَنْ يَحضُرُ كلَّ سنةٍ لتنظيفِ الغاباتِ
وآخرُ مَنْ يُغادرْ
لكنَّنِي شِرِّيرْ
أعترفُ بأنّي لم أدعُ يومًا امرأةً للعشاءْ
وما عرفتُ غيرَ زوجتي
ومُذْ زفَّت إليَّ أعيشُ في زِنزانتِي
فلا لثمتُ جيدَها
وما مسَسْتُ نهدَها
لكنًّها تقولُ أنَّ نهدَها البريءَ والجميلَ مُستدِيرْ
سيرتي الذَّاتيَّةُ
كسيرةِ الأشرارِ في بلادِنا فَضِحيةٌ مُدَوِّيَةْ
أصحو تمامَ السَّادسةْ
أصطفُّ كالنَّعامِ في انتظارِ الحافلةْ
يَسبُّنِي السَّائقُ
والرَّاكبُ
والمديرُ في العملْ
يَسبُّنِي المُراجعُ الأوَّلُ
والعاشرُ
وعامِلُ المَصعدِ
وتاجرُ الخُضارِ
والطَّبيبُ الّذي يتاجرُ كالجزَّارِ في العظِامِ
لأنَّنِي شِرِّيرْ
والطَّيِّبونَ لا أحِبُّهمْ
والطَّيِّبونَ ينبُذُون عادةً يا سادتي الشِّرِّيرْ
والطَّيِّبونَ في أروقةِ الأممِ المُتَّحدَةِ يرفُضونَ..
أن يجالسوا شِرِّيرًا
لا يقبلونَ الجلوسَ على طاولةِ الشَّطْرَنْجِ مع شِرِّيرْ
إقامةَ المبارياتِ الودِّيةِ معْ شِرِّيرْ
الطَّيِّبونَ كمهندسي بِلفورْ
كمُطلِقي عياراتِ الفيتو على أملِ الضُّعفاءْ
كزارعي الألغامِ في المَديحِ والثَّناءْ
يرفضونَ أن يعيشَ بينَهمْ شِرِّيرْ
أنْ يتركوهُ وشأنَهُ
أنْ يدعوهُ مُتجذِّرًا في موطنِهِ
أنْ ينزلِوا_وقد تسلّقوهُ كالطفيليّاتِ_ عَنْ أكتافِهِ
أنْ يسمحوا لهُ بانتقاءِ موتِهِ
وقبرهِ كما يَشاءْ
لذا اتَّخذْتُ مَوقِفًا مِنْ كلِّ هؤلاءِ سادتي
لأنَّنِي شِرِّيرْ.

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة