ليلانِ
في هذي المدينة للفتى
يتكاثران عليه
حين يحلُّ في الأفقِ الظلام:
ليلٌ
يسوق الذكرياتِ الشاردات
ودونه ليلٌ
تضيقُ به النجوم الساهراتُ
على متاهات المدىْ
*****
يا ليلُ خذني
للذين مضوا على كتِف
المساء وغادروا قبل اقتراب
الفجر من شفة الغريبْ
يا ليلُ لا تحمل إليّ
سوى النجومِ
فإنني أخشى الظلامَ
لأتقي من عَتمةِ
الحزن الرهيبْ
يا ليلُ خذ مني الدموعَ
وأعطني سنّ الغزالةِ
وابتساماتِ الصغار
العائدين من الحقول
مع المغيبْ
ليلان
لم يدر كيف تقاسماه
وألقياه
على شفير الخوفِ
حتى ظن أنّه غيرُ ناجٍ منهما
فمضى وحيدًا ليس
يدرك ما تخبّئه
الصباحات الجديدةُ
للمقيم على تخوم الشوق
يبحث عن بقايا صخرةٍ
يأوي إليها
قبل أن يجتاحه
موجٌ جديدْ.
في هذي المدينةِ
لا يلام الذئبُ
حين عوى على صدر الغريب
فليس ثمة من يلوذ به
إذا استعر الظلامُ
وأرهقته يدُ الردى.
وجهانِ
في هذي المدينة للفتىْ:
وجهٌ لأحلام الغريب يقيتُه
كي يستعدّ لقابل الأيام
زاداً للمساءات الحزينةِ،
فوقه وجهٌ يغطي
ما تيسّر من دموعٍ
بلّلت عمرا مضى.
في هذي المدينة للفتى:
ليلٌ قديمٌ
لم يزل يغتاله
عند المساءِ
بنصلِ ذكرى الحاضرين الغائبينَ،
وليلُه المعتادُ
يأتي فارغا من كلّ شيء
ليس يشبهه سوى السفرِ الذي
ألقى عباءته عليه
فضاق ذرعا بالتجلّدِ
واستعدّ لليلةٍ أخرى
تؤرق ما تبقّى فيه من رمقٍ
فتُسلمه لليلٍ
دونهُ ليلٌ
تمكّن منه حتى ضج
بالأمل البعيد
وعاد يحتضنُ الدجى.
184
قصيدة