الديوان » مظهر عاصف » في الباب سيدتي أنا

السّادسةُ صباحًا
في البابِ سيِّدتِي أنا
حَمَّلتُ ما استَصْلَحْتُ مِنِّي
ما تبقَّى مِن سِنينِي
مِن كَثيري... فوقَ ظهرِي
ثُمَّ رافقتُ الرَّحيلَ
وأينمَا ذهَبَتْ مشيئتُهُ ذَهَبتْ
أُفضِي إليكِ
ولستُ أعرفُ ما حَطَمْتُ بِكِ
وما أبقَيتُ فيكِ... أو أمَتْ
تَتكسَّرُ الأشياءُ أحيانًا
لتُشبِهَنا فَمَا
كنتُ الّذي بجميعِهِ جَمعًا ولمْ
تَتشَابهُ الأشياءُ مَعْ مَنْ قدْ كَسَرتْ
في البابِ سيِّدتِي أنا
أطلالُهُمْ لاحَتْ أمامي في شُقوقِ البابِ فازدادوا
غيابًا في الغِيابْ
مَرُّوا بِنَا
كانوا يَبيعُونَ التَّعاسةَ في حقائبِهِمْ
ويقتلعُونَ شَوكَ اللَّائذِين بِهِمْ
ويُحنِّطُونَ هَزيمَةَ التَّرحالِ فِيهمْ بالتُّرابْ
مَرُّوا بِنَا
خَيماتُهُمْ قُربَ الصَّفيحِ
عَدوَّةٌ للرِّيحِ
والمَطرِ الغَزِيرِ
ومُتعَبَاتُ جباهِهِمْ يَروي حكاياها السَّفَرْ
لمْ يترُكِ الجاني دَليلًا خَلفَهُ
قَدْ حَرَّقَ الأثوابَ
والمِحرَابَ
والأنعامَ والأسوارَ والإنسانَ فيها
والشَّجَرْ
لمْ يَترُكِ الجاني «برملَتِهِمْ» أَثَرْ
كانوا على ذاتِ الطَّريقِ ولا تَرى
أبوابُنا ما كانَ يَحدُثُ في الطَّريقْ
حَملُوا بِنزفِ وريدِهِمْ قَمحاتِهِمْ
مِحراثَهُمْ
آبارَهُمْ
حملُوا بِنزفِ وريدِهم أملًا وضَيقْ
المُتعبونَ... نعمْ... يَذرُّونَ المَواجعَ بالغِنَاءْ
 
قدْ شجَّرُوا جُدرانَهم
لاكوا التَّصَحُّرَ في أُويقَاتِ الصَّفاءْ
هُمْ لاجئونَ إلى دِيارٍ
مِنْ دِيارٍ
كانَ شَخصُ المَوتِ فيها
يَطرُقُ الأبوابَ ليلًا
مُرهِقًا للأصفِيَاءْ
كانَ شَخصُ المَوتِ فيها
يَطرُقُ الأبوابَ فَجرًا
باحِثًا عَن أنقِيَاءْ
مَرُّوا بِنَا كانتْ أصالتُهُمْ
بِوقتِ الزَّيفِ تَعْصِفُ كالحَقيقةِ
في مَحطَّاتِ الهُراءْ
 
جَلَسَتْ مَقاعِدُهُمْ على ظهري
وأَرخَتْ نفسَها
جَسَّتْ عِظامي جيِّدًا
جَسَّتْ ذبولي جيِّدًا
أمَّتْ عذابي بعدَمَا خَشَعَ العَذَابْ
يَجثو عليَّ العَتمُ
يحدُثُ داخلي سَطوٌ وقَمعٌ واستِلابٌ وانتِهابْ
الضَّوءُ يسكُنُ في المكانْ
والنُّورُ أيضًا
أمْ تُرى لا يَسكُنَانْ؟
صوتُ مَنْ هذا ال يَجيءُ وكلُّ ما يَجري أمامَكَ
كانَ في ماضِيكَ مَسكونًا
وليسَ الآنْ!
 
في البابِ سيِّدتِي أنا
والبَابُ أنساهُ الزَّمانُ اللَّاجِئينَ
ومَنْ أرادوا هجرَهُ
واللَّاجِئاتْ
يومًا أمامي كانَ يجلسُ مَنْ عَرفتُ إذا اجتمعنَا
ما على هذا اجتمعنَا
ذِكرياتٌ قدْ أماتَتْ ذِكرياتْ
لا تُغنِّ
قُلتُ للمَكلومِ منِّي... لا تُغنِّ
قلتُ لو يبكي ستبكِي
ثُمَّ غنَّى
كنتُ مَعنَاهُمْ تَمامًا
كنتُ إيَّاهم وكانوا _حينَ أفقِدُ كلَّ ما أَعنيهِ_ معنى
 
فَلتَنُحْ يا أنتَ ما زالتْ
يَدِي الشَّولاءُ عاجزةً
عِنِ الإتيانِ باليُمنَى
في البابِ سيِّدتِي أنا
اجلسْ بَعيدًا
أعطِني بعضَ الدَّقائقِ كي أودِّعَ مَنْ أحبُّوني هنا
تلكَ الزَّوايا الدَّائريةُ تَأكُلُ الأحجارَ في صمتِ اللُّحونْ
تلكَ النَّوافذُ تَسعُلُ الآلامَ في خجلِ العَذَارى
ثُمَّ تُغلِقُ نفسَها
لا شيءَ في هذا المكانِ
ولا أنا
 
هي غربةُ الدُّولابِ
جَفْوَاتُ الأثَاثِ
الهاتِفِ
البِروازِ
أشلاءُ المَلاعقِ والصُّحونْ
في البابِ سيِّدتِي أنا
سيَّارةُ الإسعافِ مرَّتْ مِن أمامي
أو أمامَكِ
كنتُ أو كنَّا قديمًا مُشفقِينَ على العِبارَةْ
كانَ الطَّبيبُ هُوَ السَّريرُ
هُوَ الدَّواءُ
هُوَ الوَبَاءُ
هُوَ المُغسِّلُ والمُكفِّنُ
والإمامُ على الجَنازةِ
والمُشيِّعُ والخَطيبُ
ومَنْ تحدَّثَ عنْ ذبولِ الحَرفِ فيها
بعدَ أنْ شَهِدَ اصفِرَارَهْ
سيَّارةُ الإسعافِ لمْ تَتركْ قديمًا ها هنا
شيئًا جَديدًا ها هنا
كانتْ تَعُدُّ الذَّاهبينَ
العائدينَ لموتِهِمْ
كانتْ تَفيضُ أُمومةً في موتِنَا
وتَفيضُ مَهدَا
كانتَ كذلك.. إنَّما
ذهبَ الجَميعُ وغادروا
"وبَقيتُ مِثلَ السَّيفِ فردَا".

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مظهر عاصف

مظهر عاصف

101

قصيدة

" مظهر عاصف" أحمد علي عودة. - شاعر أردني مِن أصول فلسطينية. - من مواليد مدينة (عمان) 31/10/1980 - أعمال مطبوعة: فلسفات جنازة (شعر) هناك (شعر) السّادسة صباحًا (شعر) ما لم يقله أحمد عود

المزيد عن مظهر عاصف

أضف شرح او معلومة