أعياك رسمٌ للديار عفا
لمّا تولَّى الصيفُ وانصرفا
ورمى الخريفُ بِساطَه وطوى
كشْحاً على غصن الهوى فغفا
أيلولُ عاد الغيم في خجلٍ
ليبوحَ للدنيا بما عرفا
ويزيدَني ولَهاً على وَلَهٍ
يُبدي من الأضلاعِ ما نَزَفَا
فأصوغُه في دنِّ قافيَتِي
خمراً بكاسات الهوى ارْتشفا
أيلولُ ما بالُ الخريفِ إذَا
ذُكِرَ الأحبّةُ ضاق وارتجفا؟
واصفرَّ ماءُ العيش أرَّقَهُ
دمعٌ وأرهقه الجوى أسَفَا
كانوا لهُدْبِ العمر مُقْلَتَهُ
فتساقطت أوراقهم كِسَفا
وحملتُهم شوقاً يؤرّقُني
ليزيدَني في غربتي شظفَا
أيلولُ أعْيَتْنِي الحروفُ فهلْ
للبوحِ متّسعٌ لكي أصِفا
وأقولَ للأشعار كيف مضى
عنها الربيعُ وكان مؤتلِفا
والصيفُ لم يطرقْ لقافيتي
حرفاً ولا في بابها وقَفَا
أيلولُ أخبرها إذا طَرَقَتْ
بابَ الحنين وقُل لها اختلفَا
ما عاد يُشْفَى من هواكِ فقَدْ
صار الغيابُ لمثلهِ تَرَفَا
ومضى يُطوِّف في البلاد فلم
يتركْ له نخلُ النّوى سَعَفَا
أيلولُ أخبرها بأنّ لها
في القلب شوقاً بان وانكشفا
لكنّها لم تُبدِ من طرَبٍ
لحناً على وتَرِ الهوى عَزَفَا
يا بنتُ "خافي الله" في رجلٍ
لم يُفشِ من سرٍّ ولا اعترفا
لمْ يُخبِرِ الأصحاب أنكما
تتبادلان من الهوى طَرَفَا
تتجاذبان الشوق في شغَفٍ
وتراودان عن الندى الشّغَفَا
فلِمَ الصدودُ ولا يزال على
عهدِ المودّة ماكِثاً كَلِفَا
ما كان ذنبُ الصيف حين مضى
وطويتِ عن أشواقهِ الصُّحُفا
أيلولُ لم يتركْ لقافيتي
هذا الخريفُ سواكَ لي فَكفَى
184
قصيدة