الديوان » حسن جلنبو » عاد النهارْ

عاد النهارْ

البحر يحلمُ بالمراكبِ أن تعودْ

ما زال ينتظر النوافذ أن تبثّ النور

في الصبح الكئيبْ

والريح تَصْفِرُ فوق ميناء الخليجِ

تزُفُّ للموج النوارس

والغريبُ يُعيد تغليف الرسائل

في انتظار القادمين

لعلّ طيفاً قد يجيء من البعيدْ

 

شَقّتْ جدارَ الصمتِ صرخةُ موجةٍ

فوق الرصيف تَحطّمتْ

قبل ارتطام الفجر بالأفقِ المسافر في المدى

والريحُ ما زالت تئنُّ على الشواطئ

في وجومٍ

والغريبُ يُعيد تنسيق الكلام لكي يليقَ

بوهج عينِكِ

حينما يلقاكِ في شغف الطفولة

مِن جديدْ

عاد النهار وما التقيْنا

من سيأتي بالصباحِ؟

ومن يراود عنك نور الشمسِ؟

كي تُلقي التحية قبل أن تصحو الطيورُ

وقبل أن تتداخل الألوان في

جدليّة الإيحاءِ

هل للبحر لونٌ غيرُ لون الماء؟

أم أن السماءَ تُعيد توزيع البياض كما تشاءُ؟

وكيف يحتلّ السوادُ مساحةً في الأمسيَاتِ؟

فلم تكن عيناكِ صاحبةَ القرارِ

بأن يكون البحرُ أزرقَ في النهارِ

ويكتسي بالليل حين يلفُّه ثوبُ المساءْ

 

يا لَلمساءِ

يُعيدني في كل ليلٍ للجنوب

كأنّ باقي العمر رهنٌ بالصَّبا

لمّا تهبُّ نسائم الشوقِ

المُخمّرِ بالحنين إلى الجنوبْ

يا آخرَ النَّبَضَاتِ في قلب الغريب

وأول الشّهَقَاتِ

حين تثاءبتْ شمسُ الظهيرة وَهْيَ تنتظرُ المغيبْ

والبحرُ

يا لَلبحرِ

كيف يلفّهُ الموجُ المسافرُ بالظلامِ

كأنّ أغنيتيْن ردّدَتا الْـ"عَتابا"

في طريق العائدين إلى الموانئ

قبل أن تضعَ المراكب حمْلَها

فوقَ الرصيف

"يا موج خذني معك"

 

خذني إلى ماضيَّ

حيث تركْتَني يوماً على شفةِ الرحيلْ

الماء يكتبني سطوراً تائهاتٍ

بعثرَتْها الذكرياتُ

"كأنّ كلّ دمي اشتهاءْ"

 

وأنا المكبّلُ بالكناية والجناس

أنا استعاراتُ المجازِ

وأحرُفي ضلّت طريق البوحِ

لستُ أنا الذي ألِفَ الكتابةَ وامتطى

ظَهرَ الكلام

أعودُ وحدي مُثقلاً بالأمنياتِ

أرى المسافة بين بيني والقصائد

في اتساعٍ

كيف تهجُرني القوافي..؟!

والدروبُ إلى النهار

تباعدتْ

فمتى يعود الفجرُ للكلماتِ؟

هذا الصبحُ لي

قالت لِيَ النجماتُ

حاول أن تُراودُ موجةً

عن نفسها..

فالبحرُ يعلم كل أسرار الغريب

ويعلم اسم الواقفين

على تخوم الشوق

يعلم ما يدور بخَلْدِهمْ

من حاجةٍ للانعتاق من القيود

وفكِّ أغلال البيان

وكسر أوزان العَروض

والاستقالةِ من عذابات الحياة

لعلّ موتاً

هيِّنَ السكرات

سوف يُريحهمْ

من كلّ ألوان الشقاءْ

 

عاد النهارُ

وما يزال البحرُ يرنو للمراكبِ

في انتظارٍ

أن تخبّره النوارسُ

عن حكايات الغروب

وأمنيات الريحِ

وَهْي تدافعُ الموجَ العصيّ على المراسي

والغريبْ

ما زال يحلمُ بالرجوع

لكي يفضّ بكارة الشوق

الذي قد كان يوماً في الجنوبْ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن حسن جلنبو

حسن جلنبو

184

قصيدة

• مواليد الأردن - عمَّان. • بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، جامعة مؤتة 1994. • ماجستير في النقد والأدب، جامعة مؤتة 1998. • محرر إعلامي لدى شركة مياه وكهرباء الإمارات- أبوظبي. • عضو ر

المزيد عن حسن جلنبو

أضف شرح او معلومة