تنكّرَ دهري واستباح مطالبي

وأبحرتُ عكسَ الريحِ من دون قاربِ

تحيط بيَ الأمواجُ من كلِّ وجهةٍ

وأنى إلى بَرِّ الأمانِ بِآيِبِ

رَمَتني صروف الدهرِ من دونِ رَحمةٍ

وباتَت جِراحي بينَ دامٍ وجالِبِ 

تعاقبت الأيّامُ حتى كأنّها

وُحوشٌ بِأنيابٍ عدَت ومَخالِبِ

إذا راشتِ الأرزاءُ سهماً مسدّداً 

إلى هدفٍ أمنى برميةِ صائبِ

تلوحُ بشرق الأرض بعضُ مطالبي

فإن رمتها أمست بأقصى المغاربِ

تناساني الأصحابُ وانفَضَّ جَمعُهُمْ

فبتنا كما الضدِّين كُلًّ بجانب 

وأكثرُ ما لاقيتُ منهم عَداوةً

خلاصةُ خلّاني وبعضُ الأقاربِ 

فكم نالني في السرّ وقعُ حِرابهم

ولم أغلهم في الهجر فيض الحرائبِ

أمرُّ بمن عني أشاح بوجهِهِ

وأسألُ في سرّي ألست بصاحبِ

وكم من مكانٍ ذاتَ يومٍ ملأتُهُ

فصار بعيني مظلماً كالخرائبِ 

تقوّسَ ظهري من همومٍ حملتُها

وهل استطيع الحمل من دون غاربِ

رعى الشيبُ من هول المواجعِ مفرقي

وأوهنَ عزمي سوء وقعِ النوائبِ 

فأبدت ليَ الغيدُ الحسان صدودَه

وقد أنكرتني آنفات الصواحب 

سقى الله ريعانَ الشباب فكم له

بميعته بين الحسان الكواعبِ 

حسبنا بأنَّ الدهرَ قد كان غافلاً

فأبدلَنا بالعذبِ مُرَّ المشاربِ

وما كانَ للأحلامِ ردُّ بَوارحٍ 

فأوقاتنا تمضي مرور السحائبِ

أُعيبُ على هذا الزمان اختلالَهُ

أليس بقدرِ الفهمِ نَيْلُ المطالبِ

يُحقّقُ مَنْ لا يستحقُّ مُرادَهُ

ويرفلُ مَزهوّاً بأعلى المراتبِ 

ويمضغُ ذو سَعيٍ مرارةَ سَعيِهِ

ويخفقُ في تحقيقِ أدنى الرغائبِ

فيا دهرُ أمعن في عدائِكَ إنّني

حَزمتُ وما آنَ الرحيلُ حَقائبي 

خيولُكَ لا ترضى بغيرِ هزيمتي

تحاصرُني من كلّ فَجٍّ وجانبِ 

تَنامُ فنلقى فيكَ بعضَ سعادةٍ

وتصحو فتأتينا بشتّى المصائبِ 

أراكَ تَغضُّ الطرفَ عن كلّ فاسدٍ

كأنّكَ قد حالفتَ أهلَ المَثالبِ 

وترمي بعينِ الغدرِ مَنْ كانَ صالحاً

كأنّكَ قد عادَيتَ أهلَ المناقبِ 

فأحكامُكَ الشعواءُ فيها تناقضٌ

وتنفيذها في الناسِ شبهُ تجاربِ

وتنجزُ إيعاداً كومضة بارقٍ

ووعدك اخلافٌ وتسويف كاذب

ألا أيُّها النحس المقيم بساحتي

أما لكَ في حَربي مَقيلُ مُحاربِ؟

لقد عيلَ صبري في انتظارِكَ شارباً

سمومَ همومٍ من كؤوسِ العقارب

فلا خيرَ في عيشٍ تولّى نعيمُهُ

ولا يُرتَجى فيهِ بلوغُ المآربِ