تمشي على ضوءٍ من البلورِ يتبعها الندى

والذكرياتُ تحدّها

فأمامها ووراءها

جينا تعانقُ في الكلامِ إذا أدارتْ

في الكلامِ كلامَها شجنَ الصدى

وتقولُ لي بعيونها كم عمرها

جينا لها سبعون عاماً لا تزالُ كما هيا

جينا لها سبعون جيلاً في جمالٍ

لا يزالُ يضخُّها في العالمينَ أغانيا

وأنا أسيرُ أمامها طفلاً يخافُ من المدينةِ

والحقيقةِ والثيابِ الزاهيا

جينا ترتّبُ ظلَّها فوق الرصيفِ

لكي تظلَّ كما هيا

بجمالها متناهية

 

لا يستطيعُ بهاؤها أن ينكفئ

فالنارُ في أعماقها لا تنطفئ

 

جينا تكلّمني بألفِ وألفِ أسلوبٍ

وألفِ وألفِ منطوقٍ ولهجةْ

جينا كماءِ الصيفِ ساخنةٌ وباردةٌ

وتملأها الحياةُ

فتارةً حزناً تفيضُ

وتارةً بهجةْ

 

وتمدُّ أغنيةً إلى جذعِ الصنوبرِ

تخدشُ الأسماءَ، لا تحكي الحقيقةْ

جينا أحارُ بها ولا أدري على التحديدِ

إن كانتْ عدوّا عندما تختارُ

إيقاعَ الكمنجةِ أم صديقةْ!

 

وأنا ومنذُ عرفتها

وشوارعُ اسطنبولَ واسعةٌ وضيقةٌ عَلَي

وحدائقُ التوليبِ ضاحكةٌ وعابسةٌ

فلا عطرٌ يداعبُ معصَمَي

والبحرُ مرتفعٌ ومنخفضٌ

وأشواقي تموتُ على يَدَي

 

جينا تصفّقُ للأغاني

وتحبُّ درويشاً ونيرودا،

وشاعرُها الأحبُّ نزار قباني

وتحبُّ تمثيلَ الكثيرِ من المعاني

ولها اشتهاءُ البرقِ في أسمائها الحسنى

فواضحةٌ وغامضةٌ

كما يبدو النبيذُ الأرجواني

 

جينا تعيشُ بداخلي من يومِ أن وُجِدَ الوجودْ

وتسيرُ فوقَ أصابعي

وتنطُّ حافيةً على كرمِ الورودْ

وتنامُ بين فواصلِ الشعرِ الحديثِ

فما كَتبتُ قصيدةً

إلا وأغراني ارتعاشُ وجودها في كلِّ عودْ

 

جينا إذا غازلتُها تجتاحُ وجداني برعشةْ

جينا إذا كلمتُها أنسابُ في القاموسِ دهشةْ

 

جينا تغني كلما شعرتْ بنزلةِ حزنْ

وتدخنُ السيجارةَ الأولى بما فيها

من النزقِ النسائيِّ الرقيقِ

وتعشقُ الحلوى وكعكَ الفرنْ

وتفيقُ مثلَ حمامةٍ

تصحو على مهلٍ

تصبُّ نعاسها في صدرها

فتصيرُ وارفةً كظل غمامةٍ

وتضوعُ في كلِّ البيوتِ كما يضوعُ البُنْ

 

وتقولُ لي بعيونها كم عمرها

كم عمرها؟

يومانِ لا ..

عامانِ لا ..

عشرونَ لا ..

فهي التي اخترعتْ غناءَ "الميجنا"

والليلَ والإصباحَ والنهرَ الوفيرَ السنبلةْ

وهي انتباهُ اللَّهِ في صوتِ انهيارِ المقصلةْ

وهي النداءُ على الشتاءِ وكلُّ ما أهوى أنا

 

جينا تشعُّ أنوثةً وطفولةً

وحداثةً وصبابةً ونعومةً ونقاءْ

وتعيشُ في كل القصائدِ فالقصيدِ بدونها

شبحٌ ضبابيٌّ من الصحراءْ

جينا تناجي الليلَ مثل الأنبياءْ

وتجيءُ من كل الجهاتِ، أميرةً محبوبةً

فالشعبُ من كل الفئاتِ يحبها

من دونما قهرٍ ولا حرمانِ ماءْ

ملتْ رخاءَ العيشِ ما بين الملوكِ

فقررتْ ألا تكونَ مليكةً بل نجمةً

لتضيء في وجدانِ من نظروا

إلى الإنسان مهما كان

من دون ازدراءْ

 

جينا رفيقةُ دربِ من لا دربَ أو عنوانَ لَهْ

جينا سؤالٌ لستُ أعرفُ كيف أعرفُ حلَّهْ

جينا أرقُّ من الحريرِ .. ونسمةٌ سوريةٌ

عصفتْ بإيماني

جينا هلاكٌ .. قاتلٌ متسلسلٌ

لم أستطعْ قتلَهْ

جينا تعيدُ طفولتي وتزيدُ أحزاني

 

وأنا كعصفورٍ يطاردُ حلمهُ في كلِّ دربْ

لو لا بذورُ الحبِّ ما آمنتُ يا جينا بربْ

لو لا خلودُ الحزنِ في أعماقي قلبي

لم أجد طعماً ولا لوناً لجينا

لم تكن وطني ومنفايَ الأحبْ

 

جينا هي الإنسانُ والأحزانُ

والنعناعُ والرمانُ والتفاحُ

والزمنُ الجميلُ وكلُّ أبعادِ المكانْ

جينا سماءٌ والسماءُ هي الأمانْ

جينا تشعُّ أنوثةً وأنا أشعُّ

كما يشعُّ الخوفُ في جسدي

ويطفئني الحنانْ

 

جينا تقولُ ولا تقولُ الصدقَ دوماً

جينا تعلّقُ شالها فوق الرخامْ

وتعدُّ قهوتها مساءً ثُمَّ تنضو عروةً

أو عروتينِ من القميصِ الليلكيِّ

وتحتسي فنجانها مثل الحمامْ

وتلفُّ ساقاً فوق ساقٍ، تنتشي

بجميعِ أخبارِ الفنونِ أو الغرامْ

 

 

جينا تغني

جينا تدخّنُ كلَّ يومٍ مرتينِ

جينا تسرّحُ شعرها

جينا تجدّدُ روجها

تختارُ عطراً لا يثيرُ حماسَ من يشتمهُ

جينا تنسّقُ طوقَ فستانِ العشاءْ

جينا تغادرُ نفسها

وتسيرُ حافيةً على خشبِ المساءْ

جينا تحبُّ الشعرْ

جينا تنامُ مبكراً وتفيقُ قبلَ الفجرْ

جينا ترقّعُ لي ثقوبَ قصائدي

وتضيفُ حرفاً كلَّ سطرْ

جينا تصفّقُ للأغاني

وتحبُّ درويشاً ونيرودا،

وشاعرُها المفضّلُ

لا تزالُ تحارُ ما بيني وبين نزار قباني

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بشر شبيب

بشر شبيب

19

قصيدة

شاعر وكاتب صدر له ديوان "نصفها في الشام ونصفها معي". ولد في دمشق عام 1998، وعمل صحفيا في العديد من المؤسسات الإعلامية.

المزيد عن بشر شبيب

أضف شرح او معلومة