أحببتها من بعيدٍ
وأحبتني من بعيد
آلافاً من الثواني
كأنها سنينٌ
بل قرونٌ لمن يعاني
تضيءُ كأنفاسِ التنانين
تغزلُ في القلبِ
أجراسًا من الياسمين.
أحببتها من بعيدٍ
وأحبتني من بعيد
كنَّا عاشقين متيمين
من البعيد إلى البعيد
لاشيء يجمعنا
ونشهدُ موتنا
كلما تساقطت بيدّ المنيةِ
أوراقُ الآخرين
كأشجارٍ لا ترتوي
توجعُنا السنين!
لاشيء يجمعنا
هي الفراشةُ رفرفت
وحيدةً في حقلها؛
في أثيرها اللازورديّ البديع
وأنا مزيجٌ مظلمٌ؛
مكفهرٌ ومسمومُ الأريج
لربما لو أبصَرتْني
أحصيُ جدائلها
تخالُني مسخًا مريع!
وخيوطُ أقدارنا مسحورةٌ…
ملعونةٌ...
فمحالَ أن يجمعُها
قميصٌ من نسيج!
لاشيء يجمعُنا
سوى أحاديث عن مدى جهلنا
تحكي عن فيروس الكورونا
وكيف غزا ديار المسلمين
أين الحقيقة؟
وماذا سيحدثُ للمذنبين؟!
لم أشاركها الحديث
فمثلي لا يحدثُ إنسانةً رقيقة
كانت تُحدثُ صُحْبَتَها بخوفٍ وقلق
وكنت أسمعها تقول كورونا
وأنصتُ لكلِ ما تحكيهِ من أرق
رغم انغماسي في بحار الورق
فالكدحُ لعنةٌ
على كلّ حيّ يرزق!
أسمعها تحدثهم
ورجع الصدى ينادي "كورونا"؛
ذلك الموتُ القادمُ من الشرق،
من الأقصى البعيد
مثلما أحببتها من بعيدٍ
وأحبتني من بعيد!
لاشيء يجمعُنا
أنا فلورنتينو الحزين
وحبيبتي فيرمينا
من رأتني شبحًا شاحبًا
ووهمًا أو سرابًا مهين
بيد أني في خاتمةِ العمر
لا أملك خطفها
لنبحرَ في سفين؛
عجائز في عمر السبعين!
لاشيء يجمعُنا
لو اجتمعنا سننتهي جرمًا فظيع
حكاية ذئبٍ يعانقُ حملاً وديع
ثمة شرخٌ في الهوية
واختلافٌ في المذهبِ والقضية
ولكل منَّا فكرةُ الماضي
وظلامُ تاريخٍ عنيد
ولكل منَّا فكرهُ الموبوءُ بالآتي
وخوفٌ من شرّ الوعيد!
لاشيء يجمعُنا
لولا الكورونا؛ ذلك الوباء اللعين
هي السعيدةُ كالندى
في فجر صبحٍ روحاني الصدى
وأنا ظلُّ إنسانٍ حزين
يحلمُ بالسكينة بين الأوبئة والآثمين؛
بين غابات الصفصاف السومرية
وغاباتِ الشياطين!
لاشيء يجمعُنا هنا
لقد انقضت أزمنة العشقِ
وما تبقى لنا
غير تابوتٍ من السعال والأنين
لاشيء يجمعُنا هنا
غير الكورونا
وقلبٌ من زجاجٍ هشَّمهُ الحنين!
تمت
هوامش:
1. الإشارة إلى رواية "الحبّ في أزمنة الكوليرا" للروائي غابرييل غارسيا ماركيز
2. الشخصية الرئيسية في الرواية هي فلورنتينو اريثا؛ المخلص في انتظار فيرمينا مدة إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وأربعة أيام.