ما حاجتي للسير في حر الهجير،
حافي القدمين مكبل الأحلام مثل الأسير
أنقب في رحم الأرض الثَّيّب
عن كنز قارون الزائف الحقير،
عن مدن الذهب المغمورة في بحر الأساطير
جائعاً لوحل التبر مثل غابةٍ من الخنازير
معبداً بإسفلت دمائي للسوى طريق الحرير؟!
أصارع من أجل لقمة العيش
ضباعاً من الإنس تحوطني كالجيش
وتغدر بي لو أسلمت لحظةً
هيكل العظام إلى نعمة النوم القرير!
ألا ليتني حارسُ ليلٍ فقير
في مبنى حكومي مهترئ وقديم
في قرية نائيةٍ عن ضجيج المعادن
لا تغري أيَّ شيطانٍ رجيم
أرضها خضراء الوجه
ودفئها دفءُ أمّ رحيم
ويشقـُّها كالعاشق نهرٌ صغير!
تسكنها قبيلة من النساء الأرامل
ضحايا حروبٍ بغير طائل
أهدابهن الحزينة النواعس
ريشة ألوان زيتية
ترسمني في مرايا أحداقهن السحرية
بصورة قرصانٍ مجنونٍ حيناً
وحيناً بصورةِ شيطانٍ فارس
يبحث عن فاكهةِ الصهيل
بين أروقة الكنائس!
قبيلةٌ من النساء الأرامل
كسراب بلسمٍ يطارده العليل
أو أثر حلمٍ شفيفٍ ذابل
ترسمني أرواحهن المتشحة بسواد الحداد؛
المشحونة بالرماد والوحدة
لوحة فنية سريالية
عن الحياة في تابوتِ جزيرةٍ شرقية
أكون فيها رجل الأرضِ الأخير!
أكون فيها ظمأ نهودهن المتمردة
إلى ضوءِ الفجر في ظلام الأوردة
إلى كلمة حبّ مفردة
تبزغ لأجلهن من عتمة القصيدة
مثل أقراط النجوم البعيدة؛
وحين ينسدل الستار عن أعين الأغراب
يأخذن بيدي هامساتٍ كهمس العصافير:
"أما زلت ذلك الفتى الغرير؟!"
فأذرف دمعةً ثم أبكي وأنساب؛
يحلقن بي إلى غمائم الغياب؛
أكون المجمرة التي تقدح جنَّ المودة
لتحرق أكبادهن بفردوس من سعير!
أكون لهن كل ما يشتهين أن أكون
الماء والنار والحياة والمنون
سحائب المطر الغزير
العاصفة الهوجاء وألم الأعاصير
تبغ الأماسي الروحانية
ونار الحنين المجوسية
خِدر الحشيش من قبلة عشق أفيونية
وسكينة الروح في مرقدها الأخير!
آهِ قبيلةٌ من النساء الأرامل
في وحشة الوجود الزائل
وفي جحيم الغواية أو ليالي الصقيع
يرقصن لي بالخلاخل
يحرسن بالقبلات روحي من ثلج السرير
ويمسحن أنجم الدموع من مقلتيَّ
بأناملَ ناعمةً من غزل الحرير
لأغفو… أنام؛ لا يمسني الزمهرير
محصناً من كل كابوس مريع
ما بين مهد القباب ولحد الأحضان
أغفو… أنام؛ مثل طفل رضيع
في بوح بسمته عطر الربيع!