الديوان » باسل الحجاج » وحل العبرات

قلت للحسناء كوني رمزاً للغايات؛ كوني فردوسي المفقود وجنَّة الرغبات؛ كوني فكانت كما شاءت الكلمات! وقلت للحسناء هيا لنلتقي، من ثمر اليقطين أبني لك العربات، هيا لنمضي لأرجوحة من النجمات، الحبُّ في دمي كطوفانٍ آت، والحنين لعينيكِ أجراسُ النبضات! فتلاشت الحسناءُ... تلاشت زبداً، كعروس البحر في الحكايات… اختفت في سديم اللحظات؛ اختفت وأنا الغريق أبكيها في وحل العبرات! هيهات تكون لي هيهات!


***


يا لأفراحي زجاجٌ تهشم بلا بقايا، ضاعت للأبد منهُ الشظايا، الكأسُ أسقطتْها يداي، في عتمة الأمس الدفين، حيث لا تبزغ النجوم منذ سنين، ولو نوحا حزين، حيث لا تهمس للتائهين الأهِلَّة، أسقطتها يداي؛ أسقطتها في أزمنة الطفولة، فالويلُ مما اقترفتهُ يداي! يا لغمَّتي... يا لتعاستي، أتراني تخليتُ بلا إرادةٍ عن حياتي؟! النجوم منطفئةٌ في سماء رؤياي، وأحلامي أمست غنائم لسواي! لا أستطيع أن أستعيد الطفولة؛ حبَّ الاكتشاف والغموض الغريب في بريء الأسئلة، البريق الذي يجعلُ العوالم مذهلة، والسحر الذي يمنح الوجود القديم، حداثته المتأصلة!


لا أستطيع أن أستعيد زهر الطفولة، وكلُّ الأشياء التي كانت في الطفولة، مثلها مثل الطفولة، تنسل في بئر الغياب، لا تمسكها الأنامل أو الأنياب! كلُّ ذكرياتي سراب؛ كلُّ ذكرياتي أمست رماداً وأكاذيباً باطلة!


يا لأتراحي جبالٌ خالدة الحكايا، تاريخٌ ملطخٌ ببقع سوداء من نفط النوايا، تظلُّ شامخةً مهما أوهنت روحي الخطايا، مهما دفنت عنقاء الضمير في مقابر البرايا، كالعفريت المتعلق على ظهري، كالجاثوم من الجنّ على صدري، وتأبى الانفصال، أوَّاهِ ما أثقلها من أحمال، ينوء بحملها عتاة الرجال، ولكني أظلُّ أحملها في أنفاق الكهولة، أظلُّ أحملها حتى تحط رحال القافلة، وأطوى في قصة الإنسان على هامش المرحلة، إنها دم الماضي وأنفاس أيامي، فكيف أنكرها كما أنكرتني أحلامي؟ لست منحطا كأفئدة العهر السافلة، وليس الأمر بهذه السهولة، وإن كانت الدنيا زيف أوهام زائلة!


إنّ لمن الحزن هيبة كالتاج على رأس الرجولة، هو كلُّ ما امتلكتُ من ضيم الزمان، وكل ما أتمناه، أن أحملها معي إلى اللحد إذا حان الأوان؛ حين ينطفئ القلب والهفتاه، وتنامُ للأزل العينان! آهٍ واخيبتاه، كلُّ ما مضى للأزل مضى وضلت الأحزان! ضلت كسموم الثعبان، في تابوت القلب الأحزان.


منذ الطفولة، ذبحتُ أفراحي وعانقتُ أتراحي، منذ الطفولة! أتراني تخليتُ بلا إرادةٍ عن حياتي، أطفأت بلا دراية قناديل حكاياتي؟! كلُّ ما أمسُّه ينازع الممات! كأني شبحٌ ممسوس باللعنات! الورود في يدي تفارق الحياة، ولهذا تخلى الحبُّ عني، وتخلت عني تلك الفتاة…
تخلت عني تلك الفتاة...
تخلت عني تلك الفتاة...

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن باسل الحجاج

باسل الحجاج

62

قصيدة

شاعر من المملكة العربية السعودية. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "النهر والغريب ومرثية الأقمار المتساقطة"

المزيد عن باسل الحجاج

أضف شرح او معلومة