والتقينا على مفترق الطريق، على ذلك الدرب العتيق، وكنتِ حمامةً زرقاء، حدثتكِ عن النجوم القديمة، في تلك اللحظة الحميمة، وأغفلت البوح عن حنيني لكِ ويهطل الشتاء، كنت رهينة الوقت فودعتكِ بلا رجاء، عبثاً أحلم بأمطار تروي ظمأ الرمضاء!
والتقينا على مفترق الطريق، على ذلك الدرب العتيق، وكنت حمامةً زرقاء، جميلةً كما كنت دوماً يا سليلة العنقاء! ما لمحتني في بدء الخليقة أو في أساطير الشعراء، لربما أردت المرور من أمامي كباقي الغرباء، لربما أردت الهروب لولا النداء… لولا النداء!
حدثتكِ عن قمر السماء، عن حاجتي إلى البكاء، وتمنيتُ الصلاة تحت قبابٍ بيضاء، لمحت شيئاً من طينها اللألاء، يسطعُ كالتبر المتناثر من سعال الأنواء، ساءلتني عن الجراح في يدي وتجاهلت جراح روحي لأنها بكماء، آه يا حبيبتي هل رقَّ قلبكِ أم حديثٌ من حياء؟!
لا تكترثي بآلامي ولو نزفت أنهار الدماء، لا تكترثي بأحزاني الخرقاء، إني مجرد سيرةٍ من غباء، وأنتِ الرمزُ الذي تجسدت بهِ ملاحم الظلمة والضياء، معارك البحث عن الخلاص في مقابرٍ من الشهداء، ليس لمأساةِ الهوى في الوجود من دواء، هو الحرمان السرمدي لبلوغ الحقيقة من الماوراء؛ الحاجة الماسة والحنين المسموم لمعرفة أسرار الخفاء!
من يقرأ التاريخ القديم لا يرى سيرتنا، وكثير من حكايا الحبّ هباءٌ في رحم الهباء! تولعت بكِ أكثر مما ينبغي، وأحببتكِ حدَّ البكاء، فانطفأ في القلب الضياء، أيتها الأنوثة الشفيفة، يا حمامتي الزرقاء، ألا طيري بعيداً كيفما شئتِ؛ هكذا شاء القضاء... هكذا شاء القضاء.
****
والتقينا على مفترق الطريق، على ذلك الدرب العتيق، وكانت حمامةً زرقاء، ساءلتني الرحيل بلا وعود، وارتحلت بعيداً كبراءة لن تعود، ولها في مقلة العين بحيراتٌ غرقى من ملح البكاء!