الديوان » باسل الحجاج » ابتسامة الموناليزا

في خريف من هواها
لا أرى إلا الغروب
قمر ينشق من صدري؛
شعاعاً من فضةٍ تذوب
كإغماضة تاريخٍ
تلاشى في أضابير الغيوب
هو آخرُ رمقٍ من بقاياها
شبحٌ لأنوارٍ لن تؤوب!


إنها الماضي المضمخ بالشذى
وزماني بعدها مثل الردى؛
جيفةٌ من عمر ضاع سدى
وجثمانُ أفكارٍ مسمومة الصدى
لا تخفي عفونتها بحار العطور!


منذ غابت شمسها… شمس الهدى
وأنا في تابوت الغيّ أشتهي قتلها
وما بين طيات جلدي وفي الغور
يربض وحش غادرٌ مسعور؛
بعض الحرمان يقدح جمر الخطايا
ويبذر الظلمة في قلب النور!


آه يا فجراً أثمله الندى
فأبحر في أفلاكها أنجماً تتردى
أسقطني على وجنتيها دمعةً
أو قطرةً من دمٍ جريحة الصدى
لعلي في خلاياها أختفي وأغور!


مازلت في نرجسيةٍ تعاند القدر
كشيطانٍ أناني محتقر
أبحثُ عن خيالاتها الشاحبة الصفراء
في مرايا انعكاسي
وبحيرات قهوتي السوداء
لعلها تطفو على السطح كقطعة سكر!
آهِ لو أراها وأغرقُ في قيعانها
أزول في حسنها المرمر
أسطورةً إغريقيةً أو قصيدةً من سومر
لعلي في أحداقها أبزغ نجمةً دامية الشرر
وتغسلني جنحان أهدابها برشاشٍ من المطر؛
براحةٍ تمحو آثامي وظلمتي وزيف السفر
كمثل جنينٍ أعود…
أنسلخُ من جرائمي… أتطهر
أنجو من لعنة الويل والثبور؛
أنا إنسان كباقي الخلقِ
لو أعلمتموها بلسانِ الصدقِ
دون الحبّ تسكنني الشرور!


لو أني غامرت في الحبّ أكثر
لربما ما أمطرت بالفراق غيوم القدر
لو أني ما ساومت بالأحلامِ
ظنَّاً أنها مثل أوراق الشجر
لربما نجوتُ بالطفل القديم؛
من كنت ألقاه في مرايا الصغر!


ليس ثمة من مفر
لقد أسدل الستار وانتهيت
دميةً في مسرح الديجور
من المحتم في خاتمة الدهر
أن أبحر في جحيم الضغينة
لعلي أبلغ ضفاف المطهر
ألتمس سراب جنَّةٍ من العبور!


آه ذابت شمعتي وانتحر الوتر
ما من سبيل إلى فردوسها المفقود
قابيل في الأعماقِ
يرزحُ تحت أثقال القيود
وكل ثانيةٍ ترابٌ مخنوق
ينسلُّ هباءً مثل أنفاس الوعود
ما من خريطةٍ لجزيرة الكنزِ
ولكنّا فُقِدنا من أجل صندوق!
ما من وسيلةٍ تنبضُ في أزقة العروق
كي تحمل ركبنا إلى صفصافة السلوى
لعلنا نُسالم انكسارنا المرصود
في المشهد الأخير من مسرح الوجود!


لابد أن أنهض كملاكٍ ساقطٍ
بروحٍ مريضةٍ بالكبرياء والضرر
مضمداً جراحي بالذبيح من بتلات الورود
متجرعاً المرارة والحسرة والضجر
ما تبقى من كأس الزمان العجوز!
لابد أن أنهض؛ ممزقاً خيوط الأراجوز
خيوط أناملها الرشيقة كأسراب الإوز
تلك التي كانت يوماً ما في قديم السفر
تدوزنُ رقصاتي على قيثارة المطر
لابد أن أنهض بقلبٍ من حجر؛
رغم الحنين الخاثر
المنسكب على وجنتيَّ كالدرر
لا بد أن أنساها
وعلى ذكراها أثور؛
أنتهي ظلاً شاحباً كباقي البشر!
أهدهد جنين العاصفة في رحم الكلام؛
أحيا سيرة الممات في هدوءٍ وابتسام؛
مثل ابتسامة الموناليزا في باهت الصور!


تمت

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن باسل الحجاج

باسل الحجاج

62

قصيدة

شاعر من المملكة العربية السعودية. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "النهر والغريب ومرثية الأقمار المتساقطة"

المزيد عن باسل الحجاج

أضف شرح او معلومة