آهِ كنتِ دوماً تلك الأنوثةَ المرمرية؛
ناعمةً كتماثيلِ الرخام؛ كندف الثلج القطنية
كانتفاشِ العِهنِ في قماش الغيمات
قمريةً حيناً بغوايةِ الضياعِ في تيهِ المجرات
ونهريةً حيناً كرقرقة الذكريات
تشعينَ حباتٍ من اللآلئ الفضية
ولا تعرفين الانطفاء؛ ولو رأفةً بأرواحنا الظامئات
كأنكِ من نسلِ الخلودِ ونحنُ من نسلِ الممات!
النهاراتُ والليالي شاحبةً تموتُ... تزولُ من رحمِ السنوات
تتساقطُ مثل شرفِ البغايا وكتبِ التاريخِ في جحيمِ الخيانات
مثل الجنودِ الصبية؛ في رحى الحروب الشيطانية
يُمسخونَ بيادقاً على رقعةِ الشطرنجِ الخشبية،
ويراقصون بلا إرادةٍ مطر البنادق والطائرات،
تقودهم الأيدي الخفية، قطعاناً إلى مسلخِ المنية،
فالعالم مسرحٌ حزينٌ مكتظٌ بضجيجِ الترهات
تتساقطُ النهاراتُ والليالي،
والصمتُ شرنقةٌ تكتمُ نبضَ الزفرات
والعمرُ يمضي فراغاً في القلبِ لا تقرأهُ ذاكرةُ الخفقات
وما يتبقى لنا نحن الحيارى سوى السيرّ في طريقِ الظلمات!
كنا نموتُ أمامكِ؛ نجفُّ كالصحارى، وتزدادين حياةً على حياةَ!
الأقمار تتدلى من على وجهكِ الناضرِ وتضيئهُ كأسراب اليراعات
تمر الدهورُ وتظلُّ الأقمارُ معلقةً مثل قصائدٍ ماسيةِ الأبيات؛
مثل قافية دوزنت أحرفها المضيئة بنسيج النجمات!
نحلم أن نقطفها قمراً... قمراً بإسراف الجورِ في دم الطغاة؛
من يقطفها ألا يبصر النور مرآةً تسبر أغوار الماهيات؟!
نحلم أن نستقرأها في ضرب الودع ِ
ورمل الغدِّ والماضي؛ وكلَّ ما مضى وما هو آت
نقتفي خطاها؛ رغم العتمةِ وإسفلتِ الطرقات،
رغم سوءِ الطالعِ المهشَّمِ كزجاجِ القناني في الحانات
نستقرأها كما يستقرئ العرافُ الأعمى ذيلَ المذنبات
لعلنا نهتدي إلى سعادةِ المنتهى
أو نجدُ خلاصاً من أصفادِ الذات
أنوارٌ من حقيقةٍ منسيةٍ وقديمةٍ قِدمَ الزمانِ والحكايات
كأنَّها البراءةُ قبل تفاحِ الخطيئةِ الأولى
والعفَّةُ قبل خلقِ الأنذالِ والعاهرات
أقماركِ الداليةُ أعجوبةٌ تنبئُ أهل اليأسِ باقترابِ النجاة
بأنَّ ثمَّةَ ما يستحقُ الحنينَ وراء أنَّة النايات!
***
ولو لم أكن في قرطاس حياتها قصيدةَ حبٍّ ولو لم أكن يوماً أحد
مجردَ حكايةَ صمتٍ يكتمها البحرُ عن حوريةٍ تلاشت إلى زبد
أيتها الأقمار الدالية، أضيئي لها… أضيئي لها إلى الأبد.
