عدد الابيات : 41
قَـطَعْـتُمْ وريدَ الحُبِّ بعدَ وِصالِ
وأنتُمْ بما نَلْقاهُ مِلْءُ خيالي
تَبَدَّلَ حالٌ بعدَ طولِ تَجارِبٍ
فهلْ يَسْتوي حالُ الحبيبِ وحالـي؟
وأَقْـفَلتِ الأحْبابُ كُلَّ حُدُودِهـا
ونامَ خَفِيرُ الليلِ غيرَ مُبالِ
وهَزَّتْ حِبالَ الليلِ عَبْرَةُ جالسٍ
يَعُدُّ نجوماً من وراءِ حِبالِ
مَلَأْتُمْ دَمِي بالحُزْنِ مِثْلَ خريطةٍ
عليها جبالٌ في رُسُـومِ جبالِ
وَجُدْرانُ ما صَدَّتْ عَواصِفَ غُربَتي
ونُهْرانُ لا تَسْقِي دَمِي بزُلالِ
وأَوْطانُ تَنْسى مَنْ يَمُوتُ لِوَجْهِها
فما لَكَ لا تَنْسى العِراقَ ومَالي؟
وشَمْسٍ وقدْ أَخْفَى الغُبارُ رُسُومَنا
تَجَلَّتْ لنا مِنْ بَعْدِ طُولِ زَوالِ
وقالتْ وقدْ كِدْنا نَذُوبُ بِبَعْضِنا
حَلالٌ عَلَيْكَ اليومَ كُلُّ حَلالي
ولمّا انْتَهى وَهْـمٌ وجاءَتْ حقيقةٌ
تَعالَ هُنا واسْمَعْ جميعَ مَقالي
تَلاشَتْ صِفاتُ الوَرْدِ بَعْدَ أَناقَةٍ
وأَوْحَـشَتِ الأَشْكَالُ بَعْدَ جَمَالِ
وأَغْلَقَتِ الأَسْواقُ حَتى ظُهُورَها
فما عادَ قَوْمٌ يَفْرَحُونَ بِمَالِ
وأَخْرَجَتِ الأَفْنَانُ كلَّ ثِمارِها
فما فَرِحَتْ يوماً بِقُرْبِ غَزالِ
وصادَرَتِ الأَنْهارُ عَذْبَ مِياهِها
قدِ اسْتَبْدَلَتْ بالماءِ جَيْشَ رِمالِ
لقدْ أمِنَ البَحَّارُ مَوْجَ بِحارِها
وقدْ أمِنَ السُّمّارُ كيدَ ليالِ
تَوالَتْ لَنا الأَحْداثُ بَعْدَ تَعَـثُّرٍ
فهلْ تَعْرِفينَ الشَّوقَ بعدَ تَوالِ؟
وقد كانَ يَكْفِينا الهُمُومَ جُلُوسُنا
على الأرْضِ في بغدادَ تَحْتَ ظِلالِ
نُعالجُ بالألْحاظِ نِصْفَ عَذابِنا
ونَدْفِنُ بالأَنْقاضِ كلَّ مُحالِ
تَواضُعُنا قَدْ كانَ رأسَ ثَرائِنا
فَهَلْ تَعْرِفينَ الخَيْرَ بَعْدَ تَعـالِ؟
وهلْ تُدْرِكينَ الآنَ حَرَّ زَفِيرِنا
دَليلاً لِمَا ذُقْناهُ بَعْـدَ دَلالِ؟
ببغدادَ حتى الخُبْزُ كانَ مُمَيَّزاً
برائحةٍ مِنْ نَكْهَةٍ وجَلَالِ
ولِلْخُبْزِ في بغدادَ والشايِ قِصَّةٌ
وليسَ لها مِنْ حاجَةٍ لمِثالِ
كِرامٌ إذا ما مَرَّ شخصٌ تَعَلَّقوا
بهِ لِينالَ الزّادَ دونَ سُؤالِ
لقد كانَ للخُبْزِ العراقيِّ نكْهَةٌ
ورائحةٌ حتى أموتَ ببالي
شَواطِئُها تَغْفُو المَصَابيحُ فَوْقَها
إلى أنْ يَجيءَ الصُّبْحُ مِثْلَ خَيالِ
وأسْماكُ أَحْواضٍ كَأَنَّ بُطُونَها
تَقاسِيمُ ثَلْجٍ أَوْ بَرِيقُ لَآلِي
وأَشْرِعَةٌ حَيْرَى يَجُرُّ بها الهَوا
كَأَعلامِ قَوْمٍ بُرِّزَتْ لِقِتَالِ
وتَحْسَبُ أَسْرابَ النَّوَارسِ حَوْلَها
عِيَالاً صِغاراً حَوْلَ أُمِّ عِـيالِ
على سَعَفاتِ النّخْلِ يَرْقُدُ مالِكٌ
ويَغْفُو بها العُصفورُ ليسَ مُبالي
وأنتِ بهذا السِّحْرِ لَنْ تَتَصَوَّري
كآبَةَ مَنْفِيِّ وحَسْرَةَ خالِ
وأنتِ وفيكِ الكاظِمَانِ غَنِيّةٌ
بمَنْ فيكِ عَمَّنْ في المَهَاجِرِ بالِ
وأنتِ حوالَيْكِ الحُسَينُ أَمِينَةٌ
فَمَنْ هو لو ضاقَ الفَسِيحُ حَوالِي؟
وأنتِ التي لِلْمَوْتِ سِرُّ تَواضُعِي
وسِرُّ دَوامٍ لي وَرَمْزُ نِضَالي
وأنتِ وقَدْ لا نَلْتَقِي رُغْمَ أَنْفِنا
مَلَلْتِ جَفائي أمْ مَلَلْتِ وِصَالي؟
أَمِ اشْتَبَكَتْ مِنّا القُلوبُ وهاجَرَتْ
مُجَرَّدُ أَجْسَادٍ سَرَتْ بِجِمالِ؟
فيُسْعِدُني لَمّا أَدُورُ بِبالِها
ويُسْعِدُها لَمّا تدورُ ببالي
ومَقْبُولَةٌ مِنْكِ الرِّياحُ هَدِيَّةً
وحتى وإنْ كانتْ تُريدُ زَوالي
سُؤالي عَنِ الأَحْوالِ هَلْ لِمُجَرَّدٍ
مِنَ الأهلِ والأحْبابِ رَدُّ سُؤالِ؟
ويا أَقْرَبَ الأَحْبابِ مِنّي مَكَانَةً
تَحَبَّبْتُ حَتّى قدْ حُسِبْتُ مُغَالي
وأَحْرَقْتُ أَوْراقَ الشَّبابِ جَمِيعَها
وأهلي وأصحابي وكُلَّ رِجَـالي
وأَعْلَنْتُ بعْدَ الهَجْرِ أَنَّكِ أَنْتِ لِي
فإنْ لَمْ أَعُدْ بَغْدادُ أَنْتِ تَعَالِي
52
قصيدة