لماذا تغيبينَ مثلَ النجومْ؟
وراءَ المحيطاتِ تنأيْنَ عني
وراءَ الغيومْ
وأبقى إلى الصبحِ أرنو اليكِ
أهذا الذي أشكوهُ دوماً إليكِ
طويلاً يدومْ؟
حرامٌ عليكِ
لماذا تطيرينَ بي عالياً في الفضاءْ؟
و تُلقينني مثلَ حبّاتِ ماءْ
بوجهِ الرياحِ ووجهِ السماءْ
فتَحْمِلُني الرِّيحُ حدَّ المحيطاتِ إذْ لا قرارْ
فياربِّ هَبْ لي قراراً وزدْني ثباتْ
وإذْ لا شعورْ
مِنَ النَّجْمَةِ الضَّوءُ يَنْهالُ حَوْلي
فأمْتَدُّ مِنْ قَطْرَةٍ فرَّقَـتْها الرِّياحْ
ومنْ ذرّةٍ في ثلاثينَ لوناً تَدُورْ
إلى عالمٍ مِنْ بِحارْ
أبَعْدَ انْهيارِ القِوى في السنينَ القِصارْ؟
وبعد انعِكاساتِ روحي على حالِها
توقَّعْتُ مِنْ مَوْعِدي لا يفوتْ
ومِن حُبِّنا لا يَمُوتْ
ولكنْ قَطَعْتِ الرَّجَاءَ الذي كانَ لي بعضَ قوتْ
وقد كِدْتُ مِنْ بَعْدِ عيْنيكِ أمضي لِحَتْفي
وحزناً أمُوتْ
على قِبْلةٍ مِنْ حنيني إليكِ
على لَمْسَةٍ مِنْ يَدَيْكِ
حرامٌ عَلَيْكِ
تَحُومينَ حَوْلي إلى حدِّ أني
تَفَرَّقْتُ حَوْلِي
تَحُومينَ حتى على كِلْمَةٍ قُلْتُها
إلى حدِّ أني
توقَّعْتُ أنْ تخرُجي في كلامي
إذا قلتُ قَوْلي
تحومينَ في عالمِ النَّومِ حَوْلي
وَلَنْ نلتقي
ويَشْتَدُّ خَوْفي ويَزْدادُ هَوْلـي
إذا قلتُ أهواكِ
تمضينَ عني بَعِيداً لِكَي لا أَراكِ
لكي تَدْفَعيني إلى الإنحِدارْ
فلا ضوءَ لا صوتَ إلا مَتى؟
أجيبي ولو باخْتِصارْ
فأما نردُّ النجومَ وأما نَرُدُّ النَّهارْ
شرِبْنا كثيراً مِنَ الضوءِ حتى رأيْنا
منَ الشَّمْسِ عشرينَ شَكْلا
بدأنا نرى الظِلَّ سَبْعِينَ ظِلّا
فضاعتْ علينا الحقيقةْ
وما عادَ يعرِفُ شخصٌ عدُوّاً
ولا عادَ يعرِفُ شخصٌ صديقَهْ
طفِقْـنا على الغيمِ نبني القُصُورَ
ونَهْدِمُ كلَّ البيوتِ العريقةْ
طفِقْـنا نُقَسِّمُ أجْسادَنا
فريقاً فريقاً ويعبدُ كلٌّ فريقَهْ
ذهَبْنا بعيداً إلى حدِّ أنّا
فَقَدْنا الحقيقةْ
لماذا؟ وقدْ كُنْتِ أنْتِ الحقيقةْ
لماذا تَحُلُّ الأباطيلُ تركيبتي؟
فلم تعرِفي مَنْ أنا
لماذا تُريدينَ أنْ تَرْحَلي مِنْ هنا؟
لماذا تجُرّينَ خَيْطي الرَّقِيقْ؟
كأنِّي ولا كنتُ يوماً حبيباً
ولا كنتُ يوماً صديقْ
متى طارَ ذاكَ الهوى مِنْ يَدَيْكِ؟
متى هجرُنا صارَ سَهْـلاً عليكِ؟
فأَخْرَجْتِ من ناظري ناظِريْكِ
أنا كلَّ يومٍ أُقابِلُ وَهْماً وأشكو إليهْ
أنا لم أقلْ كذبةً في حياتي
أنا مَنْ جنى صِدقُهُ ثلاثينَ عاماً عليهْ
أنا كلَّ يومٍ أرى نجمةً عاريةْ
تُحاولُ حَرْقَ المَداراتِ كي تُصبـِحَ العاليةْ
أحاطَ بها الثلجُ حتّى بدتْ خاليةْ
أنا أكثرُ الناسِ حزناً لأني
وبعدَ انتظارٍ طويلْ
وبعدَ المنى الماضيةْ
وجدتُ الجنائنَ لا شئَ إلا حِجاراتِ قارٍ
وأكوامَ رَمْلٍ ومزرعَةً خاويةْ
أنا أتعسُ الناسِ حيثُ الحياةُ بما تحتوي
غرفةٌ خاليةْ
فهلْ تَسْتَحِقُّ التَنافُرَ فيها؟
وهل تَسْتَحِقُّ افتراءً ولَوْناً كريها؟
وهل تستحقُّ النِّفاقْ؟
وهل تستحقُّ التولِّي بعيداً إلى حدِّ ننسى العراقْ؟
وهلْ مُسْـتَحِقٌّ أنا منكِ هذا الفراقْ؟
وهل يَسْتَحِقُّ الحبيبُ الذي ماتَ حُبّاً
وماتَ احتراساً وماتَ اشْـتياقْ
لهذا الفراقْ؟
نعمْ تستحِقينَ مني دموعي
وتستأهلينَ ارتِجافاتِ قلبي التي كَسَّرَتْ لي ضلوعي
وتستأهِلينَ أهواكِ حتى مماتي وحتى رجوعي
نعم تستحقينَ أنْ أسهرَ الليلَ إياكِ مثلَ القمرْ
نعم تستحقينَ مني دموعي
إلى حدِّ فَقْدِ البَصَرْ
ألستِ الحبيبةْ؟
نعم تستحقّينَ أنْ أُشْعِلَ الليلَ كي تَهْتَدِي
فلا تَحْمِلِينَ حِسابَ الدَّهَرْ
نَعَمْ تَسْتَحِقِّينَ مني الكثيرْ
وتستأهلينَ الكثيرَ الكثيرْ
تقولينَ لي قد تسَرّعتَ جدّاً
كأنكِ لا تعرفينَ المصيرْ
تقولينَ لي قد تسرّعتَ جدّاً
كأنكِ لا تعرفينَ الليالي
ولا تعرفينَ التحدّي الكبيرْ
كأنكِ لا تعرفينَ الحياةَ التي كالقطارْ
ومشوارُهُ ما طالَ جدّاً قصيرْ
أنا لستُ أحتاجُ منكِ الكثيرْ
فلا تغضبي
أُريدُكِ شمساً تظلِّينَ فوقي ولن تَغْرُبي
وعصفورةً أزرعُ الأرضَ قمحاً وزهراً
لكي تأكُلِيها وكي تَلْعَبي
ومِصْباحَ زيْتٍ تُضيئينَ ليلي ولنْ تَتْعَبِي
أنا لم أقلْ كِذبةً في حياتي
فلا تكْذِبي
لأني أرى مَرْكَباً جاءَ يُقصيكِ مِنْ مَرْكَبي
وقافلةُ العمْرِ دارَتْ كثيراً على مُحوَرَيْكِ
حرامٌ علَيْكِ
52
قصيدة