عدد الابيات : 50
اسْتَأْنِفِ الحَرْبَ هَيّا أَيُّها البَطَلُ
ولا تُفَكِّرْ بِمَنْ ماتُوا ومَنْ قُتِلوا
لا وَقْتَ أَكْثَرُ مِنْ هذا مَرَارَتُهُ
حُلْوٌ بهِ المَوْتُ أو مُرٌّ بهِ العسَلُ
قد نابَ عنهمْ صَمِيمُ الدَّاءِ لا رَجَعُوا
ولا رأيتُ لهمْ وجْهاً ولا وَصَلوا
ياليتَهُ المَوْتُ يُنْسيني مَواجِعَهمْ
أو لَيْتَني بِدَمِ النِّسْيانِ أَغْتَسِلُ
أرجُو لَكَ المَوْتَ يا قَلْبي ويا أَمَلي
كما يَموتُ أمامي ذلك الأمَلُ
ليَ المَطَبّاتُ سَلْوَى أَسْتَريحُ بها
وإنْ تبَّدَلتِ الأجواءُ والسُّبُلُ
الأُمْنياتُ أمامي كلُّها نَطَقَتْ
يا ليتني كنتُ مِمَّنْ قبلَنا رَحَلُوا
هانَتْ علينا كما هانَتْ مَصَارِعُهُمْ
حَياتُنا وتَساوى الموتُ والمَلَلُ
مِنْ كلِّ ناحيَةٍ في القلبِ عاصِفةٌ
وشَمْعَةٌ بصميمِ القلبِ تشْتَعِلُ
مُقَرَّبونَ ولكِنْ مُبْعَدونَ كما
يجْري النَّشاطُ بِمَنْ يجري بِهِ الكَسَلُ
يَمشونَ نحوي بطيئاً حيثُ لنْ يَصِلوا
لكنَّهُمْ نَحْوَ غيري مَشْيُهُمْ عَجَلُ
ماذا فعلتُ فَجازَوْني بما فَعَلوا
وكيفَ أفهَمُ هذي النّاسَ يا رَجُلُ؟
تُريدُ مِنِّي دليلاً عنْ صنائِعِهِمْ؟
أنا المُبَلَّلُ والنّاسُونَ هُمْ بَلَلُ
لِمَنْ حياتي لِمَنْ عَيْشِي لِمَنْ سَهَري
لِمَنْ بُكائي لِمَنْ دَمْعي لِمَ العِلَلُ؟
لِمَنْ قصائِدُ شِعْري الآنَ أكْتُبُها
لِمَنْ نَسِيبي لمَنْ يا قاتلي الغَزَلُ؟
تَمُرُّ أحزانُ قلبي غَيْرَ جامِدَةٍ
مرَّ السَّحابِ كما في داخِلي جَبَلُ
في داخِلي وطَنٌ أبناؤُهُ رَحَلُوا
في داخلي مُدُنٌ في داخِلي دُوَلُ
في داخِلي الحَرْبُ مِنْ قَلْبي إلى بَدَني
وليس في داخِلي للسِّلْمِ مُدَّخَلُ
في داخِلي حَطَبٌ أرْميهِ مُنْفَعِلاً
في داخِلي وبيَ النّيرانُ تشْتَعِلُ
في داخِلي شاحِناتُ العُمْرِ جاثِمَةٌ
بَعْضٌ لِشُغْلٍ وبعضٌ شُغْلُهُ العَطَلُ
تدورُ حَوْلي بناتُ الدَّهْرِ مُغْرَمَةً
سَلامُها القَهْرُ واسْتِسْلامُها القُبَلُ
فلا الدُّهورُ تَرى غَيْري لَها حِوَلاً
وليسَ غيْرَ قَبولِ الدَّهْرِ لي حِوَلُ
اسْتَأْنِفِ الحَرْبَ إنَّ الحَربَ واقِعَةٌ
حَتْماً وليسَ لأمْرٍ واقِعٍ بَدَلُ
اسْتَأْنِفِ الحَرْبَ إنَّ الحَرْبَ آتِيَةٌ
لو عِفْتَها وَصَلَتْ أو جِئْتَها تَصِلُ
في كلِّ حالٍ مِنَ الأَحْوالِ مَعْرَكَتِي
في داخِلي أَكْثَرُ الأيَّامِ تَقْتَتِلُ
لو كُنْتِ جَنْبي لَصَارَ الدَّهْرُ لي فَرَحاً
لا الخَيْرُ يَمْضِي ولا بِالشَّرِّ أتّصِلُ
لو كنتُ يا مُقْلَتِي مَنْ تَنْظُرينَ لهُ
كلُّ الكَواكبِ والأَجْرامِ لي مُقَلُ
الآنَ عَنْ كُلِّ شيءٍ عازِفٌ بصَري
كما فؤادي عنِ الأحْياءِ مُنْفَصِلُ
كأنَّني مُؤْمِنٌ فيما أُكابِدُهُ
أدْعُو الكثيرَ ومِنْ قلبي لَهُمْ رُسُلُ
آهٍ مِنَ الدَّرْبِ كَمْ طالتْ نياسِمُهُ
أيَنْتَهي الدَّربُ أم خُطْواتُهُ أزَلُ؟
أم أَنَّني قبلَ أنْ أُنْهي مَسالِكَهُ
يَنالُني الموتُ أو يَنْتابُني الأجَلُ؟
كانتْ لِمَنْ سَبَقوني مِثْلُ أسئِلَتي
فَحُصِّلُوا وعلى المَطْلُوبِ ما حَصَلُوا
أقولُها وأنا ماشٍ لآخِرَتي
وقدْ يُقالُ بِهِ مِنْ وَحْشَةٍ خَبَلُ
وصَلْتَ يا أيُّها الشَّخْصُ الجَبانُ إلى
أحلى أمانيكَ والشُّجْعانُ ما وَصَلوا
اسْتَأنِفِ الحرْبَ حالَتْ بيننا دُوَلُ
وصارَ كُلٌّ إلى لَيْلاهُ يَرْتَحِلُ
وصارَ كُلٌّ يُداري جَمْرَ قُرْصَتِهِ
فالعبدُ منشَغِلٌ والحُرُّ مُنْشَغِلُ
فضَعْ ببالِكَ أنَّ النَّصْرَ مُحْتَمَلٌ
كما وأنَّ وقوعَ المَوْتِ مُحْتَمَلُ
لقدْ بحَثْتَ طويلاً كي تَرى خَلَلاً
في الآخَرينَ وفي أوضاعِكَ الخلَلُ
علائِمُ النَّقصِ في الإنسانِ أوّلُها
الكِبْرِياءُ وسوءُ الظَنِّ والجَدَلُ
لا يُغْرِيَنَّكَ لا مالٌ ولا عَضَلُ
كُلٌّ يزولُ كما كُلٌّ لهُ أجَلُ
لا شيءَ في الكونِ يبقى فوقَ مُدَّتِهِ
يَدُ الزَّمانِ سيسري فوقَها الشَلَلُ
كفاكَ أنَّ عيوناً قد حَلُمْتَ بها
ظلَّتْ بشِعْركَ طولَ الدَّهْرِ تَكْتَحِلُ
وأنَّ وجْهَكَ طَلْقٌ والزّمانُ بهِ
جُلُّ الكِرامِ تلاشَوْا والوَرَى سَفَلُوا
لمْ تَدْرِ تَحْتَكَ أنَّ الأرضَ قدْ طُوِيَتْ
وأنتَ في كوكَبِ المِحْرابِ تبتَهِلُ
نَجَوتَ مِنْ بينِهِمْ وارْتَحْتَ مِنْ نَكَدٍ
وارتَحْتَ مِنْ وَجَعٍ في الجِسْمِ ينتَقِلُ
وارْتَحْتَ مِمَّنْ تُعاني مِنْ تَباعُدِهِمْ
وارْتَحْتَ مِمَّنْ إذا ما مِتَّ يَحْتَفِلُ
والحَمْدُ للهِ قدْ أَنْهَيْتُ مَعْرَكَتي
والآنَ جئتُ لأمْرِ اللهِ أمْتَثِلُ
وحدي أتيتُ فلا جَيْشِي ولا حَرَسي
ولا حِصَاني ولا سَيْفِي ولا الجَمَلُ
ياليتَ كلَّ بِقاعِ الأرضِ قدْ عَلِمَتْ
أنّي على الأرْضِ لي سَطْرٌ ولي جُمَلُ
فلا الشِّقاقُ رأى في دَوْلَتِي عَمَلاً
ولا النِّفاقُ لهُ في دَوْلَتِي عَمَلُ
52
قصيدة