الديوان » أبو الحسنى » أَيَا صَاحِبِيَّا أَبقِيَانَا نُظَلَّلِ

عدد الابيات : 79

طباعة

أَيَا صَاحِبَيَّا أَبقِيَانَا نُظَلَّلِ

بِدَوحٍ ثَوَت سَلمَى مَعِي نَتَغَزَّلِ

نُعِيدُ بِذِكرَاهَا لَيَالٍ تَأَصَّلَت

بِوِجدَانِ أَحبَابٍ أَقَامُوا بِمَعزَلِ

أَقَمنَا بِهَا حِينَ الجَوَائِحِ لَيلَةً

وَغِبنَا وَرَا أَجذَاعِهَا نَتَسَلَّلِ

فَقُلتُ لَهَا دَعِي مَتَاعَكِ جَانِبًا

وَلَا تَبعُدِي عَنِّي كَذَاكَ وَتَخجَلِي

فَقَالَت أَبَا الحُسنَى كَفَايَا مَوَدَّةً

لِقَاكَ وَدُمنِي فِي حِمَاكَ المُبَجَّلِ

سُلَيمَى أَلَا هُمِّي وَلَا تَتَعَجَّلَي

فَإِنِّي أَرُومُ لِلخُطَى فَتَمَيَّلِي

أَلَا اذَّكَرِينَا فِي المَنَامِ لَعَلَّكِ

تَحِنِّي لَنَا يَومَ المُقَامِ المُحَلَّلِ

وَلَا تَغفَلِي عَنِّي نُعَاسَ دَقِيقةٍ

فَإِنِّي بِمَضجَعِي أَرَاكِ فَأَقبِلِي

وَلَا تَخلَعِي هُنَا رِدَاكِ لِأَنَّنِي

لَأَخشَى عَلَى نَفسِي اِرتِكَابًا لِأَرذَلِ

فَإِنِّي لَمَحرُومٌ مِنَ الوَصلِ مُدَّةً

وَآمِلُ ثَغرٍ كُنتُ فِيهِ أُقَبِّلِ

فَلِلثَّغرِ نَسعَى كَي نُجَادَ بِطَعمِهِ

كَأَنَّ بِهِ الحَلوَى تُغَطَّى وَتُؤكَلِ

أَتَتنِي وَكَعبَاهَا مُدَلَّى عَلَيهِمَا

خَلَاخِيلُ فِضَّةٍ وَلَم تَتَنَعَّلِ

بَيَاضٌ بِكَعبَيهَا بِغَيرِ تَشَقُّقٍ

كَزُبدٍ رَقِيقٍ مِن حَلِيبٍ مُنَخَّلِ

وَفِي عَقِبَيهَا قَد جَرَى قَطرُ بَأذَقٍ

صَفَا وَتَصَفَّى مِن نَبِيذٍ مُعَسَّلِ

وَحِينَ تَهُبُّ نَفحَةٌ مِن نَسَائِمٍ

يَطِيرُ عَلَيهَا شَعرُهَا وَيُسَدَّلِ

عَلَيهَا إِزَارٌ جَرَّدَتهُ وَأَقبَلَت

بِدُونِهِ فِي تَلٍّ رَقِيقٍ مُسَربَلِ

وَلَمَّا سَرَت بِهِ تَبَايَنَ لَحمُهَا

يُضَاءُ بِهِ الدُّجَى رُوَاءً وَيَنجَلِ

وَفِي عُودِهَا نَحتٌ تَرَاءَت رَشَاقَةً

تَرَاهَا تَلَألَأَت بِغَيرِ تَرَهُّلِ

مُكَوَّرَةُ النَّهدَينِ تُغوِي بِهَزَّةٍ

وتَزهُو بِمِشيَةٍ لَهَا وَتُدَلدِلِ

مَضَت وَرِدَافُهَا تَمُوجُ وَثِيرَةً

إِذَا مَا تَبَختَرَت تَرُوحُ وَتَنزِلِ

وَرَيحَانَةٌ لَمَّا أَتَت فَاحَ عِطرُهَا

كَزَهرٍ مُفَتَّحٍ بِصُبحٍ مُبَلَّلِ

حَبَت وَبِصَدرِهَا حَنَانٌ مُدَفِّئٌ

يُؤَانِسُ مَن شَقَى بُرُودَ التَّعَزُّلِ

وَقَابَلَ أَنفِي أَنفَهَا نَتَهَدَّلِ

وَعَينِي بِعَينِهَا بَقَت تَتَأَمَّلِ

حَسِيسُ زَفِيرِها نَسِيمٌ مُلَطِّفٌ

كَأَنَّ الْهَوَا بِالزَّعْفَرَانِ مُحَمَّلِ

وَفِي نَظَرَاتِهَا دَوَاءٌ مُطَبِّبٌ

لِمَا يَجرَحُ القَلبَ المُعنَّى وَيَبتَلي

حَلَى جِفنُهَا بِدَعجَةٍ فَتَزَيَّنَت

كَرِئمٍ تَمَادَى فِى السَّوَادِ مُكَحَّلِ

تَرَى فِي عُيُونِها دَوَارَ مَجَرَّةٍ

كَأَنَّ بِهَا الأَفلَاكَ تَجرِي وَتَنسُلِ

وَتِلكَ الَّتِي تَغدُو وَتَزهُو حَلَاوَةً

هِي المُبتَغَى وَمَن تُرَادُ وَتَشغَلِ

فَيَا مَنْ لَهَا يَرنُو الْفُؤَادُ بِزَفرَةٍ

وَيَشْدُو بِذِكرِهَا لِسَانُ المُرَتِّلِ

فَإِن تُكرِمِينَا بِالوِصَالِ تَفَضُّلًا

نَهِم بِالقَصِيدِ فِي هَوَى المُتَفَضِّلِ

وَإِن تَحرِمِينَا بِانفِصَالِ جَنَابِكُم

نُعَذَّب وَدَمعُنَا يَسِيلُ وَيَنهَلِ

فَلَا تَترُكِينِي يَا سُلَيمَى لِلَحظَةٍ

فَإِنَّ حَيَاتِي عَن يَدَيكِ لَتَذبُلِ

كَأَنَّ الحَيَاةَ ثَمرَةٌ أَنتِ غُصنُهَا

بِيَومِ قِطَافِهَا المَعِيشَةُ تُفصَلِ

وَهَا قَد أَصَابَنِي الحَنِينُ بِلَوعَةٍ

لِلُقيَا حَبِيبَتِي تَعُودُ لِمَنزِلِي

فَمَا بَالُ سَلمَى لَم تَعُد مُنذُ حِقبَةٍ

وَهَل مَا تَوَاعَدنَاهُ وَهمٌ يُقوَّلِ

حَسِبتِ بِأَنِّي مِن جَفَاكِ أُعَقَّلِ

وَأَنَّ فُتُونَ الحُبِّ هَذَا يُقَلَّلِ

وَأَنِّي بِكِ المَهوُوسُ لَستُ بمُدرِكٍ

إِذَا مَا تَوَلَّيتِ الهَيَامُ يُجَلَّلِ

لِصُورَتِهَا بَقَيتُ دَومًا مُحَدِّثًا

وَأَشكُو لَهَا مَاذَا فَعَلتُ لِتَخذِلِي

وَلَم يَصفُ لي نَومًا هُنَا مُنذُ فُرقَةٍ

فَإِن كُنتِ بِي رَحِيمَةً فَتَدَخَّلِي

وَمَهلاً عَلَيَّا يَا سُلَيمَى تَرَفُّقًا

وَلَا تَعتَدِي عَلَى حَبِيبٍ مُقَتَّلِ

وَكَم مِن لَيَالٍ قَد سَمَرنَا سَوِيَّةً

وَهَا جَاءَ لَيلٌ لَستِ فِيهِ فَأَخبَلِ

وَفِي ظُلمَةِ الدُّجَى سَكِينَةُ مُخذَلِ

تَوَارَى مِنَ الجُفُونِ دُونَ تَعَلُّلِ

لَيَالٍ وَإِن مَرَّت عَلَيَّا ثَقِيلَةً

وَلَكِن كَرَامَةِ الرِّجَالِ تُمَهِّلِ

وَأَوجَعَنِي هَمِّي وَذِكرَى فُرَاقِهَا

فَقُمتُ إِلَى الإِسكَندَرِيَّةَ أَرحَلِ

فَفِيهَا نسِيمُ البَحرِ يَصبُو مُجَمِّمًا

لَعَلِّي بِهَا وَبِالنَّسِيمِ أُعَلَّلِ

وَلِلرَّكبِ قُلتُ قَرِّبُونِي لِشُرفَةٍ

أَهِيمُ عَلَى الطَّرِيقِ وَقتَ التَّرَحُّلِ

أَيَا سَائِقًا لِلبَاصِ فَضلًا تَمهَّلِ

فَإِنَّ مُصَابِي لَا يَعُوزُ التَجَلجُلِ

أَرَى جَرَيَانَ الزَّرعِ يَمضِي بِجَانِبي

كَمَوجِ البِحَارِ جَارِيًا ومُوَغِّلِ

وَمَوجُ المُرُوجِ يَلطِمُ الغَيمَ سُرعَةً

بِبِاصٍ مُزَاحِمِ الرِّيَاحِ مُهَروِلِ

أَغُوصُ جِوَارَ كُلِّ مَجرَى مَعَ الهَوَى

فتَلطِمُنِي ذِكرَى الوَنَى وَتُغَلغِلِ

وَيَومَ فُرَاقِهَا وَدَمعِي مُصَبَّبٌ

وَهُنتُ عَلَيهَا والبُكَا مُتَمَثَّلِ

مَتَى فَارَقَت جَنبِي شَعَرتُ بِغُربَةٍ

هِيَ السَّكَنُ الظَّلِيلُ والكَنَفُ العَلِي

فَيَا قَلبُ لَا تُكثِر عَلَيَّا مَلَامَةً

فِإِنَّ فُؤَادِي مَا تَرَاهُ بِجَندَلِ

وَشَطُّ النَّخِيلِ عِندَنَا سَاءَ وِجهَةً

فَلَا يَصلُحُ اللِقَا بِهِ وَالتَّجَوُّلِ

أَخَذتُ التَّمَشِّي فِي مَرَاسٍ تَنَزُّهًا

وَمَا بِالمَسِيرِ مِن حِسَانٍ تُجَمَّلِ

مَتَى وَقَعَت عَينِي بِأَيِّ بَهِيَّةٍ

أَرَى فِي بَشِيشِهَا سُلَيمَى تُخَيَّلِ

أُقَلِّبُ طَرفِي فِي النِّسَاءِ كَأَنَّنِي

فَتَىً فَتَنَتهُ شَهوَةٌ وَتَسَفَّلِ

أُفَتِّشُ فِي النِّسَاءِ عَنهَا وَلَيتَنِي

وَجَدتُ سُلَيمَى بَينَهُنَّ فَأَحفَلِ

زَعَمتُ بِأَنِّي قَد أُلهَّى بِرِحلَةٍ

وَأَنسَى حَبِيبًا قَد مَضَى وَتَسَلَّلِ

وَشَوقِي لِسَلمَى لم يُقلَّل بِذرَّةٍ

وَظَلَّ تَحَرُّقِي عَلَيهَا يُشَعَّلِ

وَإِن كُنتِ يَا سَلمَى تُرِيدِينَ ثَروَةً

أَتَينا بِكُلِّ مَا تُرِيدِينَ فَاسأَلِي

أَمَا تُنفَقُ المُهُورُ حَقًّا لِمِثلِكِ

أَلَيسَ النُّفُوسُ لِمِثلِكِ تُبذَلِ

رَأَيتُ مِنَ النِّسَا عِذَارَى وَثُيَّبًا

 فَمَا كَانَ لِلعَينِينِ غَيرُكِ يُذهِلِ

وَكَم مِن فَتَاةٍ مَرَّ سَهلًا فُرَاقُهَا

عَلَيَّا فَلَم أُوجَع وَلَم أَتَوَسَّلِ

وَتِلكَ البِلَادُ زَوَّدَتنِي نَدَامَةً

فَيَا لَيتَنِي لَم آتِهَا أَو أُعَزِّلِ

مَتَى قُورِنَت يَومًا قُرَانَا بِبَعضِهَا

تَرَى طَبَقَاتِ مِصرَ دَومًا تُفَصَّلِ

مَرَاسٍ لَهَا مِنَ الجَمَالِ رَفَاهَةً

وَأَرضُ النَّخِيلِ بِالشَّقَاءِ تُكتَّلِ

تَرَى فِي كِلَاهُمَا المَظَالِمَ كُلَّهَا

وَأَنَّ مَرَاسِي مَا لَنَا كَي نُجَوَّلِ

وَمَا الفَقرُ عَيبٌ وَالغِنَى مَا بِمِزيَةٍ

كِلَا الجَانِبَينِ فِتنَتَانِ لِتَعقِلِ

بِقَدرِ قَسَاوِةِ الْحَيَاةِ وَعُسرِهَا

يَجُودُ عَلَيكَ اللّٰهُ غَوثًا وَيَجزِلِ

أَلَا تَجِدُ الرِّجَالَ تَفنَى جُدُودُهُم

وَمِن ثُمَّ يُرزَقُون وِلدَانَ تُنسَلِ

فَلَا تَجزَعِي يَا نَفسُ يَومًا لِشِدَّةٍ

عَسَى اللهُ أَن يُثِيبَكِ وَيُبَدِّلِ

وَتِلكَ لَأَيامٌ تُدَاوَلُ بَينَنَا

فَمَا دَامَ حَالٌ لِامرِءٍ يَتَحَمَّلِ

إِذَا المَرءُ هَانَ فِي عُيُونٍ مُحَاطَةٍ

فَلَيسَ بَقَاؤُهُ يُفُيدُ وَيُقبَلِ

بَقَاؤُكَ لَن يُجدِي عَلَيكَ سِوَى أَسَىً

وَحَالُكَ يُستَحَالُ غَمًّا مُطَوَّلِ

وَلَا الدَّمعُ يَنفَعُ القُسَاةَ وَلَا الرَّجَا

فَدَاوِي الذِي يَقسَى بِهَجرٍ مُعجَّلِ

فَإِمّا رَحِيلٌ لَا رُجُوعَ بِأَمرِهِ

وَإِمَّا بَقَاءٌ تُصبِحُ المُتَطَفِّلِ

لَعَلَّ الفُرَاقَ نَافِعُ النَّفسَ سَاعَةً

وَإِن كَانَ وَقعُهُ مَرَارَةَ حَنظَلِ

فَخُذ رَاحَتَيكَ وَالرَّحِيلُ مُعَالِجٌ

لِمَا يَجرَحُ القُلُوبَ قَهرًا وَيُثقِلِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أبو الحسنى

أبو الحسنى

35

قصيدة

أَبُو الحُسنَى: هو مصطفى بن أيمن بن جودة بن عمر بن مصطفى العناني العُمَري العدوي القرشي، المولود يوم الإثنين الموافق التاسع من شهر رجب سنة ١٤٢٣ ثلاث وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة، المسجل با

المزيد عن أبو الحسنى

أضف شرح او معلومة