عدد الابيات : 30
تَصَادَقَ السِّـنَّوْرُ وَالغُرَابُ
صَدَاقَةً يَغْبِطُهَا الأَصْحَابُ
أَحَبَّهُ بِالقَلْبِ حُبّاً جَمَّا
وَاخْتَارَهُ أَخاً يُزِيلَ الْهَمَّا
وَخَصَّهُ بِالصَّـفْوِ فِي الإِخَاءِ
وَاجْتَمَعَا فِي العُسْرِ وَالرَّخَاءِ
وَبَيْنَمَا السِّـنَّوْرُ يَسْعَى عَجِلاَ
أَبْصَرَ خِلَّهُ الغُرَابَ مُقْبِلاً
فَسُـرَّ قَلْبُهُ وَقَـرَّتْ عَيْـنُهُ
وَقَالَ أَهْلاً بِالصَّـفِيِّ وِدُّهُ
إِنِّيَ لَمْ أَرَكَ مُنْذُ مُدَّهْ
قَدْ بَلَغَ الشَّوْقُ لَدَيَّ حَدَّهْ
فَجَلَسَ الخِلاَّنِ تَحْتَ الشَّجَرَهْ
وَبِمَكَارِمِ الخِصَالِ ذَكَرَهْ
فَبَيْنَمَا هُمْ يَتَحَدَّثَانِ
وَيَذْكُرَانِ سَالِفَ الأَزْمَانِ
أَقْبَلَ فَهْدٌ خَلْقُهُ عَظِيمُ
إِلَيْهِمَا وَشَرُّهُ وَخِيمُ
وَطَارَ مُسْرِعاً لأَعْلَى الشَّجَرَهْ
فَفَزِعَ الغُرَابُ حِينَ أَبْصَرَهْ
وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ السِّـنَّوْرِ
خَوْفاً مِنَ البَغْيِ وَخَوْفَ الْجَوْرِ
فَنَظَرَ الْمِسْكِينُ لِلْغُرَابِ
وَقَالَ جُدْ يَا أَفْضَلَ الأَصْحَابِ
بِحِيلَةٍ تُوصِلُ لِلْخَلاَصِ
فَالأَمْرُ خَطْبٌ شَيَّبَ النَّوَاصِي
فَأَسْرَعَ الغُرَابُ فِي التَّـنْقِيبِ
بَحْثاً عَلَى الخَلاَصِ لِلْحَبِيبِ
فَطَارَ كَالبَرْقِ لَهُ الْتِهَابُ
لِقَصْدٍ رَاعٍ مَعَهُ كِلاَبُ
يَرْعَى قَرِيباً مِنْ مَكَانِ الشَّجَرَهْ
فَصَوَّتَ الغُرَابُ حَتَّى أَضْجَرَهْ
يُنَاوِشُ الكِلاَبَ ثُمَّ تَـتْبَعُهْ
بِحِيلَةٍ مِنْهُ وَنَهْجٍ يُـبْدِعُهْ
فَلَمْ يَزَلْ تَتْبَعُهُ الكِلاَبُ
هَمُّهَا أَخْذُ الثَّأْرِ وَالعِقَابُ
حَتَّى رَأَتْ فَهْداً عَظِيماً يَرْصُدُ
أَمَامَهُ السِّـنَّوْرَ وَهْوَ مُزْبِدُ
فَطَوَّقَتْهُ وَارْتَمَتْ جَمِيعَا
عَلَيْهِ حَتَّى قَدْ هَوَى صَرِيعاً
فَنَهَشَتْ لَحْمَهُ نَهْشاً عَجَبَا
لِنَهَمٍ وَمَزَّقَتْهُ إِرَبَا
وَسَلِمَ السِّـنَّوْرُ حِينَمَا احْتَذَى
بِحِيلَةِ الغُرَابَ مِنْ ذَاكَ الأَذَى
قَالَ لَهُ مِثْلُكَ مَنْ يُدَّخَرُ
لِكُلِّ شَرٍّ مُدْلَهِمٍّ يُحْذَرُ
فَهَذِهِ القِصَّةُ فِيهَا العِبَرُ
لِكُلِّ حَازِمٍ ذَكِيٍّ يُبْصِرُ
فَفِيهَا أَنَّ سِمَةَ الصَّدِيقِ
وَصِدْقَهُ يُعْرَفُ عِنْدَ الضِّـيقِ
وَتُعْرَفُ الإِخْوَانُ وَالخِلاَّنُ
إِنْ حَلَّ كَرْبٌ أَوْ جَفَا الزَّمَانُ
إِنَّ الصَّدِيقَ مَنْ تَرَاهُ صَادِقاَ
يُفَرِّجُ الكُرُوبَ وَالْمَضَايِقَا
وَلاَ يُرَى مُفَرِّطاً مُقَصِّراَ
إِنْ رُمْتَهُ فِي جَلْبِ مَالٍ أَوْ قِرَى
فَإِنَّهُ لَيْسَ الخَلِيلُ مَنْ نَكَلْ
عَنْ خِلِّهِ وَحِبِّهِ إِذَا اتَّكَلْ
قَالَ ذَوُو الحِكْمَةِ وَالأَنْبَاءِ
لاَ خَيْرَ فِي الإِخَاءِ فِي الرَّخَاءِ
3
قصيدة