عدد الابيات : 18
مِنْ غُرْبَةِ الدَّارِ حَتَّى غُرْبَةِ السَّفَرِ
مُهَمَّشٌ، لا يُوَاسِينِي سِوَى مَطَرِي
أَغَارُ مِنْ دَمْعَةٍ، إِنْ رُمْتُ أَنْزِفُهَا
تَأْبَى، وَلَكِنَّ قَلْبِي خَرَّ مِنْ كَدَرِي
يَا أَيُّهَا الدَّرْبُ، مَا أَبْقَيْتَ مُخْتَبِئاً
عَنِّي، وَمَا كُنْتَ قَدْ أَبْقَيْتَ لِلسَّهَرِ
فِي كُلِّ مَوْضِعِ حُزْنٍ جَالَ فِي جَسَدِي
جُرْحٌ مِنَ الشَّوْقِ أَوْ قُطْبٌ مِنَ الْوَتَرِ
وَيَا صِحَابِي، أَنَا ذَاكَ الْغَرِيبُ، وَمَا
أَدْرَكْتُ إِلَّا وَقَدْ أَنْهَى الْهَوَى وَطَرِي
إِنَّ الْمُعَانَاةَ أَشْكَالٌ مُنَوَّعَةٌ
أَحْصَيْتُهَا مِنْ شُرُوقِ الشَّمْسِ لِلسَّحَرِ
فَالْفَقْدُ مُرٌّ، وَلَكِنْ الْبَلَاءُ إِذَا
فَقَدْتَ رُوحَكَ بَيْنَ الشِّعْرِ وَالصُّوَرِ
أَتْعَبْتَ أَقْلَامَكَ الْبَيْضَاءَ تَضْحِيَةً
تَجْنِي مِنَ الشَّمْسِ مِشْكَاةً مِنَ الْقَمَرِ
وَقَدْ جَنَيْتَ عَلَى جَفْنَيْكَ تُسْهُرُهَا
فِي كُلِّ لَيْلٍ بِطُولِ الْوَجْدِ وَالضَّرَرِ
وَطَائِرٌ كَانَ قَدْ غَنَّى الْهَوَى طَرَباً
قَدْ صَارَ يَبْكِي الْهَوَى لَمَّا رَأَى أَثَرِي
عَانَيْتُ مِنْ غُرْبَتِي حَتَّى تَمَلَّكَنِي
شَيْءٌ مِنَ الصَّمْتِ أَوْ شَيْءٌ مِنَ الضَّجَرِ
وَالنَّفْسُ مِمَّا يُسَلِّيهَا وَيُؤْنِسُهَا
فِي الدَّهْرِ أَنْ حَنِينُ الْجِذْرِ لِلشَّجَرِ
يَوْماً سَتُورِقُ أَحْلَاماً نُرَاوِدُهَا
وَالْفَرَحُ فِي مَهْجَتِي حَتْماً سالى ضَفرِ
وَالدَّرْبُ أَطْوَلُ مِنْ أَيَّامِ غُرْبَتِنَا
وَالْعَيْشُ بِالْحُزْنِ مِثْلُ الْعَيْشِ بِالْخَطَرِ
حَاوَلْتُ جُهْداً، وَقَدْ أُعْذِرْتُ فِي زَمَنٍ
يُقْصِي عَنِ الْحُرِّ مَا يُدْنِي إِلَى الغجَرِ
بِاللَّهِ عَلَّقْتُ آمالِي وَعَوَّدَنِي
جَمِيلَ عَفْوٍ لِزَلَّاتِي وَمُعْتَذَرِي
وَاللَّهُ أَكْرَمُ يَا نَفْسِي، وَيَا زَلَلِي
لِلَّهِ يَا نَفْسِي الْأَمَّارَةَ انْكَسِرِي
قَدْ يَدْفَعُ الْمَرْءُ أَشْيَاءً وَيَمْنَعُهَا
فِيمَا يَكُونُ، وَمَا يَقْوَى عَلَى الْقَدَرِ
19
قصيدة