الديوان » مصر » صلاح عبد الصبور » الظل والصليب

هذا زمان السأم
 
نفخ الأراجيل سأم
 
دبيب فخذ امرأة ما بين أليتيّ رجل..
 
سأم
 
لا عمق للألم
 
لأنه كالزيت فوق صفحة السأم
 
لا طعم للندم
 
لأنه لا يحملون الوزر إلا لحظة..
 
…ويهبط السأم
 
يغسلهم من رأسهم إلى القدم
 
طهارة بيضاء تنبت القبور في مغاور الندم
 
نفن فيها جثث الأفكار والأحزان، من ترابها..
 
يقوم هيكل الإنسان
 
إنسان هذا العصر والأوان
 
(أنا رجعت من بحار الفكر دون فكر
 
قابلني الفكر، ولكني رجعت دون فكر
 
أنا رجعت من بحار الموت دون موت
 
حين أتاني الموت، لم يجد لديّ ما يميته،
 
وعدت دون موت
 
أنا الذي أحيا بلا أبعاد
 
أنا الذي أحيا بلا آماد
 
أنا الذي أحيا بلا ظل.. ولا صليب
 
الظل لص يسرق السعادة
 
ومن يعش بظله يمشي إلى الصليب، في نهاية الطريق
 
يصلبه حزنه، تسمل عيناه بلا بريق
 
يا شجر الصفصاف: إن ألف غصن من غصونك الكثيفة
 
تنبت في الصحراء لو سكبت دمعتين
 
تصلبني يا شجر الصفصاف لو فكرت
 
تصلبني يا شجر الصفصاف لو ذكرت
 
تصلبني يا شجر الصفصاف لو حملت ظلي فوق كتفي، وانطلقت
 
وانكسرت
 
أو انتصرت
 
إنسان هذا العصر سيد الحياة
 
لأنه يعيشها سأم
 
يزني بها سأم
 
يموتها سأم
 
****
 
قلتم لي:
 
لا تدسس أنفك فيما يعني جارك
 
لكني أسألكم أن تعطوني أنفي
 
وجهي في مرآتي مجدوع الأنف
 
****
 
ملاحنا ينتف شعر الذقن في جنون
 
يدعو إله النقمة المجنون أن يلين قلبه، ولا يلين
 
(ينشده أبناءه وأهله الأدنين، والوسادة التي لوى عليها فخذ زوجه، أولدها محمدًا وأحمدًا وسيدًا
 
وخضرة البكر التي لم يفترع حجابها أنس ولا شيطان)
 
(يدعو إله النعمة الأمين أن يرعاه حتى يقضي الصلاة،
 
حتى يؤتى الزكاة، حتى ينحر القربان، حتى يبتني بحر ماله كنيسة ومسجدًا وخان)
 
للفقراء التاعسين من صعاليك الزمان
 
ملاحنا يلوي أصابعًا خطاطيف على المجداف والسكان
 
ملاحنا هوى إلى قاع السفين، واستكان
 
وجاش بالبكا بلا دمع.. بلا لسان
 
ملاحنا مات قبيل الموت، حين ودع الأصحاب
 
.. والأحباب والزمان المكان
 
عادت إلى قمقمها حياته، وانكمشت أعضاؤه، ومال
 
ومد جسمه على خط الزوال
 
يا شيخنا الملاح..
 
.. قلبك الجريء كان ثابتًا فما له أستطير
 
أشار بالأصابع الملوية الأعناق نحو المشرق البعيد
 
ثم قال:
 
هذي جبال الملح والقصدير
 
فكل مركب تجيئها تدور
 
تحطمها الصخور
 
وانكبتا.. ندنو من المحظور، لن يفلتنا المحظور
 
هذي إذن جبال الملح والقصدير
 
وافرحا.. نعيش في مشارف المحظور
 
نموت بعد أن نذوق لحظة الرعب المرير التوقع المرير
 
وبعد آلاف الليالي من زماننا الضرير
 
مضت ثقيلات الخطى على عصا التدبر البصير
 
ملاحنا أسلم سؤر الروح قبل أن نلامس الجبل
 
وطار قلبه من الوجل
 
كان سليم الجسم دون جرح، دون خدش، دون دم
 
حين هوت جبالنا بجسمه الضئيل نحو القاع
 
ولم يعش لينتصر
 
ولم يعش لينهزم
 
ملاح هذا العصر سيد البحار
 
لأنه يعيش دون أن يريق نقطة من دم
 
لأنه يموت قبل أن يصارع التيار
 
****
 
هذا زمن الحق الضائع
 
لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله
 
ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
 
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
 
فتحسس رأسك!
 
فتحسس رأسك!

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن صلاح عبد الصبور

avatar

صلاح عبد الصبور حساب موثق

مصر

poet-salah-abdulsabour@

23

قصيدة

635

متابعين

محمد صلاح الدين عبد الصبور يوسف الحواتكى، ولد في 3 مايو 1931 بمدينة الزقازيق. يعد صلاح عبد الصبور أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة ...

المزيد عن صلاح عبد الصبور

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة