الديوان » المغرب » محمد بن أحمد البوزيدي » أيا من تجلى في بهاء جماله

عدد الابيات : 364

طباعة

أيا من تجلى في بهاء جماله

وسر كماله وعز ورفعة

تجليت بأسرار سرك ظاهرا

وأخفيتها بعد الظهر لحكمة

وأبهمت أمرها عن الخلق جملة

سوى عارف صفى من كل علة

له بالمعاني علم يدريها كيفما

تجلى بهاؤها على كل هيئة

محوت سواك عنه محوا مؤبدا

وعاين حضرة المعاني القديمة

بأنوار علمها بدت لفؤاده

وبضوء حالها رأتها السريرة

لها إدراك الكمال خصت بسره

من بين أسرار الخلق فازت بعزة

فلولا دنا الوصف ألبست نفسها

لما احتجبت عنها الأسرار العالية

فحسنك ظاهر ولكن بجهلها

خفى سره وهو في أقوى شدة

فصور وهمها الوجود ولم يكن

وما كان هذا قبل إلا لعلة

فلو درت حسنه في كل آية

لما التفت للبعض منه بنظرة

فكل جمال من جمالك أبرز

على ترتيب المراد بألطف حكمة

ولما أردت للعيان بروزه

تجليت بالكمال في كل وجهة

فقلت لنفسك لأعظم سرك

لما شئت كن يبدو من أسرع لمحة

فهي طوع المراد منك حقيقة

وكل مراد يقضى بعد الإرادة

تنزلت الأسرار من بحر سرك

وأجرى عليها منك حكم الكثافة

وبدا ظلال السر في الحسن جهرة

وهي التي كانت عليه أدلة

وصورة في الظهور طوت جميعه

كما طوى سرها معاني الحقيقة

وللروح أكبر العقول تنزل

وباكبر العقول صارت كبيرة

ومن أرباب الأذواق نالت علومها

وهاجت فهومها وصارت عالية

ودرت ما لم تدره قبل فنائها

ومنها بدت لها الأسرار الغريبة

طويت في شكلها الأشكال جميعها

وإن كانت في التجلي مالا نهاية

فسرها قد أحاط بالأشياء جملة

وإن كانت بالجسم الأشياء محيطة

فلو زال وصفها لزالت حجوبها

ولبدت شمسها بنور مضيئة

ولا نكشف لسر صاحب سرها

حقائق أسرار الوجود الخفية

ولكان كل الكون عنده مراده

يقلبه حقا في أسرع لحظة

ولدرى سر المعنى في كل مظهر

ولبدا وجه السر في كل وجهة

ولأيقن الفؤاد بذاتها

وأنها وحدة من غير ثنية

فمن سر السرسره بدا جهرة

بذلك كانت كل الأشياء خادمة

فنقطة السر بحر والحرف برها

ومن حرفها الحروف بدت بحكمة

وبالقنط والاشكال زادت تباينا

لمن له علم بالمعاني القديمة

وقد بدت جهرة من بعد ستارها

وراء لامين للظهور مشيرة

وبالنطق بها تدري إن كنت فاهما

وفيها انتهت رياس بحر الحقيقة

فواصل في بحر الألى غاص فكره

وكامل زاد للمعاني الجلية

ظهرت به ظهورا في كل مظهر

وليس على التحقيق سوى الحقيقة

أزالت كل الأكوان عند ظهورها

ولم تكن قبل المحو إلا لحكمة

بها ثبت الإبعاد للورى عامة

توهمتها غير لجهل الطريقة

فلو سلكوا حقا بدا لهم سرها

غاب جميع الفرق في كل وجهة

ولو خرجت عما به قد تعودت

لنالت شفاء الروح من كل علة

ولصح جسمها السقيم من كل ما

أصابه من عشق الأمور العادية

ولبدت شمس سرها في عالمها

ولأوضحت معناه كل الإضاحة

فلولا الهوى لما احتجب نهاؤه

وما النفس إلا للهواء مطيعة

فلجيوش الهواء كن متشتتا

نصحتك فاقبل يا لبيب نصيحة

فإن ملت فرت معناك وتباعدت

وأقبل ليلك برعد وظلمة

فإن شئت بالمعاني جمعك دائما

فلا تمل نحوه ففي الميل ذلة

ويكفيك سجنك في قفص عالمك

ورؤية كونك بعين العمية

فحق البصير يفنى ما سوى وجهه

وإلا فلست من أرباب البصيرة

فمن له عين الجمع أعلا حقيقة

ومن لا فلا يدري كمال الولاية

وإن أبرزت على يديه خوارق

وظاهره على منهاج الشريعة

فأحوالها تبدو على من توجه

إليها بخدمة من أهل الإرادة

وهذا لبعض القوم في حال سيرهم

وتبدو لأقوام في حالة النهاية

فأكثرهم على اليقين بناؤهم

فلا التفات لهم من أول وهلة

علت همم الأرواح للعالم الأسنى

بمحض تفضل وجود ومنة

عاينت أسرار المعاني بعينها

ولولاها ما رأتها عين السريرة

بنورها قد بدت عن طلعة وجهها

إلى عين مرآة القلوب الصافية

فمن كنت له بالمنن مقابلا

رفعت عنه تلك الحجب الساترة

وعلمته من العلوم لطيفها

وحققت سره بسر الحقيقة

وأشهدته السر المصون بسرك

وأيقن أن ما سواك لغفلة

وبالقهر والقضا المقدر عنك

سترت الأسرار وهي جلية

ظهورها قد تغطى بالكشف للغطا

وبالكشف للغطا استدلوا البرية

فاقوام بالآيات كان استدلالهم

وأنت لبعضهم غاية الأدلة

هنيئا لمن كنت عليك دليله

ملازم للأفراح في كل ساعة

ومبسوط بسواك حده نفسه

وروحه بالتحقيق في أقوى نكدة

فمبسوطا من به ولا تكن بالهوى

ولا بسط إلا بعد محو البقية

فكن سالكا حقيقا في الجدب تنتهي

ولا تقنع ظاهرا بأمر الشريعة

قليلا يليق بالطريق لصعبها

وجل عباد الله أهل شريعة

فإن ساوى الشيء فيك وضده

تيقن بأكمل صفاء السريرة

وكن برزخا واحذر من الميل دائما

ولازم مقام الحد في كل عثرة

وقف على حد الشرع والزم كماله

وجنب من البسط المؤدي لرخصة

فمن أطلق العنان في حال سيره

فلا بد أن يعود في حال شهرة

وما التذت به النفس حتما يمدها

سموم من أعظم السموم القاتلة

وإن لم يكن في الشيء لذة طبعها

فلا بأس إن كان بأمر الشريعة

تورع إن الورع أعظم بانها

وأولى بها حقيقا أهل الحقيقة

ولا تلتفت لما جرى به حكمه

فليس ذلك من شأن أهل المحبة

فكل محبوب بالمحبوب اشتغاله

ناسيا لما سواه في كل حالة

وإن جاءك من المحبوب تعرف

تلقاه بالإجلال في كل دفعة

فلولا شيء يكدرها في سيرها

لما صارت من بعد الكدر صافية

فلا تنكر حكمه إذا بدا قهره

فعن قريب يحلى من بعد المرارة

من لم يكن بحال من مات جهرة

فميت عن حياته الأبدية

ليس له علم وإن كان لفظه

يشير الى التحقيق كل الإشارة

أكثرهم فيها يطول كلامهم

وليس لهم سوى الألفاظ العارية

من كان في كل الهوى متمكنا

فكيف يدري حقيقا علم الحقيقة

علمها نور يبدي عن سر وجهها

وتشهده منك الأرواح الصافية

قولها يعجب النفوس سماعه

واولى به من أشد المرارة

فر منه النفوس كلا بأسرها

سوى نفس كانت بالمنن ممدة

لى عهدها الأول لم تنقض أمره

سبقت لها عند الإلاه السعادة

ا عزم دائما وحزم بين الورى

خادم لأهل الفن أشد خدمة

لى سبيل الإجلال والحب دائما

وليس لها اعتراض في كل حالة

عم التي كان محلها هكذا

تنال من الحكيم أعظم حكمة

يا سعد من كان إليه مجاورا

على بساط التعظيم في كل ساعة

عضه قد كنا إليه ولم نكن

بكله ونلنا اقترابا ووصلة

وأين هم في الوجود قل وجودهم

فأكثر أهل الوقت أرباب دعوة

وقد ضاع أدب المريد في وقتنا

وواصلون لها بمحض الكرامة

فلولا رجالها يمد بوصفها

حقيقا ما نلنا منها كقدر حبة

وقد ملئت كل النفوس بوصفها

وفنت عن جملة الأوصاف العالية

بفضله قد جاد الإلاه بجوده

وليس للفضل منه وجود علة

فمن لم يزل عنه الحجاب بفضله

يعوم في سره وعنه في غفلة

ولا شيء غير سرك بدا جهرة

لذلك صارت معانيه مستترة

ظهرت بأنواع الجمال حقيقة

وسميته كلا باسم للخليفة

فكان نهاية استتار ظهوره

وهذا من أعظم الحكم البالغة

وخصصت آدم بسر علومها

وأعجزت سكان السماء العالية

وحققت أحمد بكل حقيقة

عبرت عليها منك الأسماء البديعة

لأنه نورك وسر جمالك

وبحر كما لك وأعظم نعمة

هو المظهر الأعلى وسر المظاهر

بأنواره كل الأشياء منيرة

بعين البقاء يراه من كان فانيا

وهذا لبعض القوم بعد النهاية

وليس من الأحوال ما صح عندنا

ولكن شريعة المعاني القديمة

وللقبضة علم من أدرك علمها

عالما يصير بالأسرار الغريبة

أفاضت من نوره الأنوار جميعها

ومن سره الأسرار كلا ممدة

ومن بحره العلوم فاضت بأسرها

على باطن العرفان بأعلى حكمة

ومن نور عقله عقول تنورت

لذلك صارت أهلا لنيل الطريقة

وهام كل الأرواح منهم بفكرة

وعاينت أسرار الأسرار الخفية

وللروح قوة على حمل سره

من بين نفوس الخلق فازت بقوة

على الحالة الأولى جاءت لنا أولا

ومدها علم الفرق في حال فطرة

وقبل اجتماعها بعالم جسمها

كانت من علوم روحها مستمدة

لها علم بالأسرار تدريها دائما

بعقل وروح جوهرة نفيسة

وجسم لحكمة وبه تكلمت

وبسره صارت في الأرض خليفة

وهنا بدت معاني الذات لنفسها

ولكن بعد انفصال عن كل عادة

فكل حقيقة بضدها أظهرت

وليست على التحقيق سوى الحقيقة

تنزلت الأسرار جهرا لحكمة

وبأسرار النزول صارت في رفعة

تنزل لها إن شئت تدري نزولها

وإن كانت في المعالي كانت عالية

فمن لم يكن عبدا لكل عبيدها

على مذهب تحقيق أهل الحقيقة

فلا يدري سرها الذي بدا جهرة

وإن كانت ألفاظ المقال قوية

فكل علم لا يصحب الفعل جنبه

فإنه بالتحقيق خالي الحقيقة

وكل صورة الفعل يبقى خيالها

تشاهدها الأسرار فارحل بسرعة

وقلد سيوف الجمع واركب خيولها

وقاتل جيوش الوهم في كل ساعة

ولا تقنع بعلم الفروق قناعة

فأكثر أهله جهال الطريقة

وفي علوم المعاني كن متبحرا

ولا تزد من سواها فوق الكفاية

فكم عارف نال المعالي ببعضها

ونال مراده في أقرب ساعة

وكم تالف له الكثير من أمرها

وقلبه معلوم بأعظم علة

فعلم في القلب يهديك نوره

ويرشدك إلى الطريق الناجية

وجهل له ظلام في النفس دائما

يسيرها إلى البلاد الخالية

فمن له عين العلم يرى بنورها

ومن له عين الجهل أعمى البصيرة

ستر رداء الوهم مرآة قلبه

وأغشاه ليله بأقبح ظلمة

وأبرز خيال الأكوان توهما

وأثبتها العقل القصير لغفلة

أبصر ظاهر الأكوان بعينها

وصارت كلا في لبه مستقرة

فناظر للأشياء بعين ذاتها

جاهل وإن قام برسم الشرعة

ومبصرها بنورها عين صفاته

له علم ببعض الأسرار العالية

وناظرها بعين ذات جماله

ولايته أعلا من كل ولاية

فإنه في أقصى الكمال إذا صحا

إلا فمغروق في بحر الحقيقة

وواقف بين العالمين ولم يمل

كثيرا هو الإمام عند الأئمة

له رؤية في الشيء لم يكن

سوى لفظه المشير به لحكمة

فرؤية الكون بالمعاني عزيزة

ومن عثر عليها فاز بعزة

فكن متم السلوك إن شئت وصلة

وجنب دسائس النفوس الخفية

وإن غفلت نفس جالت في عالمها

وأهواها حسنها المجازي في لمحة

وتعظم ظلمة النفوس بليلها

وتأتي لك الأوهام من كل وجهة

وتبدو لك صورة ظاهر نفسك

وتنطبع فيها الأشياء الفانية

فالمعنى إن كانت صافية للمرا

وإن كانت بالكدر للحس مرآة

فكل شىء تقابله بسرها

يقابلها والمعنى أشرف حالة

وهمة مع أسباب تقتضي جميع ما

في الوقت تريده في أسرع لمحة

بتلك السريرة قام سر وجوده

بقدرته وحكمته العالية

فكن جامعا لشأن همة سرك

على محبوب القلوب تعطى الولاية

وتأتي علوم النفس كالسيل نازلا

فلم يحصها سوى كبير العناية

وتلك علامة تجلى معانيها

بوجه جمالها لعين السريرة

وقد بدا في الأزل للروح كيف شاء

كذلك يبدو في الأبد لحكمة

فكل أوجه إذا صفا مرآها

لذاك يبدو إليها في كل وجهة

فأنت بها عظيم الجاه ولكني

أراك عن سرها في أعظم غفلة

فإن كنت في الصورة خلقا فيما يرى

فأنت في غيرها أمور عظيمة

تكل عنها الأفهام في شرح سرها

تحير في فهمها العقول الراشحة

فكل واصل كل عنها لسانه

وكاملنا يأتي بلفظ الأشارة

فلو صح لك العلم بامر سرها

لكنت بقدرها عظيم المزية

فلازم خمولها بين الجنس دائما

ففيه صفاء السر من كل علة

فبقدر دفنها في عالم فرقها

يتجلى أمرها لعين البصيرة

فلازم وصف العبيد وكن عُبيدهم

ودع عنك جملة الأوصاف العلية

بها بعدت عن الإلاه حقيقة

ولو دنت للأدنى لصارت عالية

فلولا قمييص الذل ما صح عزها

ولولا رداء الفقر ما طابت لذة

فخذها الى الثرى بألطف حكمة

تأتيك من المعالي بأعلى حكمة

فلا علم لمن كان يوصف نفسه

فنور نهاره محجوب بظلمة

ولا جهل لمن زالت ظلمة ليله

وبدت شموسه بنور مضيئه

إذا شئت معنى السر فأدر الى الثرى

ولا ترفع منك عضوا فوق البرية

فلو كنت تدري معنى سر وجودهم

لكنت لهم مجلا في كل حالة

فعلم على التحقيق يخرق كونهم

ويفني وجودهم في أسرع لمحة

وتبدو لك حقيقة كل مظهر

وتدري بعد التحقيق معنى مقالتي

فكل علم لا يأتي بك لذلة

فلا بد أن تأتيك منه المذلة

فكن كالذي صارت نفوسهم كالفضا

وهامت كل الأرواح منهم بفكرة

وأظهرت لهم منه أعظم آية

في باطنهم فاستجمعت كل آية

ولنفسهم بدت حقيقة نفسها

وطوت على التحقيق كل حقيقة

بأعظم علمك ظهرت لأهلك

بأكمل سرك لعين السريرة

أزلت وجودهم بسر وجودك

وليس لهم وجود قبل الإزالة

فكنت ولم يكن سواك حقيقة

سوى تلوين الجمال زاد في عزة

تعاليت عما لا يناسب حالك

لأنك مفرد بالذات العالية

فلله ما أظهر سر جمالها

ولله ما أخفى بألطف حكمة

حكمت على الأسرار بالستر والخفا

وهي كشمس الأفق حين تجلت

لشدة كشفها أخفيت ظهورها

سترها عن أهل انطماس البصيرة

يرونها والعقل القصير يظنها

سواها وهي عين كل آنية

فبسر اسمك القهار سترتها

لك الحمد أنعمت بأعظم منة

رفعت رداء القهر عن عين سرنا

نظرنا بها إليها أحسن نظرة

تمتعنا في بهاء حسن جمالها

رأيناها عيانا بعين العالية

فرؤيتها شرع لأهل كما لها

بعين معانيها تفهم إشارتي

وغاية سرها وأعظم أمرها

لقطب جمالها وخير البرية

لأنه شمسها ونور بهائها

وعين كمالها وبحر النهاية

فلا أحد يحوم حول مقامه

لقوة أنوار التجلي العظيمة

وجبريل في الإسراء لو زاد خطوة

لأحرقت جسمه الأنوار القوية

فذلك مقامه في القرب وحده

وأحمد زاد فوق ما لا نهاية

فلو بدا ما بدا إلى الورى جملة

لأفنى وجودهم في أسرع لمحة

ويكفيك في الجبل حكم سلطانه

ولو بدا بأشياء كلا لدكت

ولما راى الكليم أعظم أمره

صار داهشا وغاب أعظم غيبة

ويكفيك في الجبل محو وجوده

مما بدا له من تجلي الحقيقة

حرام على مخلوق أن يرى وجهها

ولكن بها ترى الأسرار العظيمة

فعينها علمها وبه البصائر

تشاهده عيانا في كل حالة

وإن بدا في الأشياء أفنى وجودها

ولم يبق غير اللفظ منها لحكمة

وبقدرة قوة الأرواح لشهوده

لو زاد لها في التجلي لدكت

وذلك شيء في الأزل مقدر

وإن شاء زاد شاء ربنا في العطية

ولأقوم تجلى لو بدا سره

لمن دونهم لامتحت كل آنية

وذاك لهم بقدر سر اقترابهم

وقربهم بقدر صفاء المراية

ومرآتهم تجلى بحسب زهدهم

وزهدهم بقدر الهمم العالية

وأجنحة الأرواح سر هممها

وإن علت الهمة صارت عالية

فمن كان رافعا لمقدار نفسه

فلا شيء له في الرتب العالية

وإن كان علمه كثيرة وصومه

فهذا طريق لا ينال برفعة

ولكن بخلع النفس عن كل لذة

وتغييبه عنها وعن كل غيبة

وأنفع علم يدنو بك إلى الثرى

وغيره يرفعك أقبح رفعة

فكن مبصرا في السير إن شئت وصلة

ولا وصل إلا بعد محو البقية

ولا محو إلا بعد دفن وجودك

ولا دفن إلا بعد فقر وذلة

ولا حقا إلا من طيب نفسك

ولا ذل إلا جهرا بين الأحبة

فمن كان للعز محبا وللغنى

فمعبوده الهوى على أي حالة

فجانب كل ما مال قلبك نحوه

سوى حبه الصفي من كل علة

ولا رخصة للقوم في حال سيرهم

لأنها لأهل الهمم الضعيفة

وأنت مقام القوم تريد وصلة

فهو يعد الصفاء من كل علة

فخذ منهاج العرفان واسلك سبيلهم

ولا تقتدي بأكثر أهل نسبة

حكموا على الأسرار بالقول دائما

وحلوا قيود النفس في كل شهوة

وزال خصيم النور وأفنى وجوده

وجاء رضاء النفس بكل علة

فلا علم لمن كان عنها راضيا

أحاطت به الأهواء من كل وجهة

ولا جهل كان عليها ساخطا

من أجل عصيانها لرب البرية

وقد كانت بحر السر وهي أميرة

وجاءت لتدري معنى سر الإمارة

فملكها الهوى وصارت مأمورة

عليها أمير الكون بأعلى سطوة

لها صفة الإنسان والطبع أغلظ

وأقوى من الحمار في حال زفرة

فأين حقيقة الإنسان التي كانت

عليها عند الإيجاد أول نشأة

فكن مخلصا وأخلص الذي

وكن بريئا من كل حول وقوة

وكن بالإلاه معتصما بقلبك

وقل يا سلام سلم من كل فتنة

ولازم كتاب الله واحكم بحكمه

وسنة أحمد إمام الأئمة

وعالم وارع في دنياه زاهد

فكن عنه آخذ لأمر الشريعة

ومن كان سالكا ومجدوبا دائما

ولا أخذ إلا عن شيوخ الطريقة

كمثل أستاذي لقوم مثله

وفخري به طرا على أهل نسبة

وبه على الورى أصول حقيقة

وأخشى إلا من إلاه البرية

فجملة أهل الوقت تحت لوائه

عارف بأحكام النفوس الخفية

له همه إن قال للشيء كن يكن

يعز إذا شاء يذل في لحظة

تمد مدد الخلق همة سره

جميع همم الخلق في كل حاجة

يقلد في الأمور كلا بأسرها

في حكم الحقيقة وأمر الشريعة

فمن لم يدر معنى سلوك طريقه

حقت له جملة الأحمال الظاهرة

لمثله كن عبدا تنال كل المنى

وتبلغ منتهى الأسرار العالية

وكن لأهل علم المعاني مجاورا

تمد من الأسرار في كل دفعة

فعن رجال الأفكار تروي عقولهم

على صفة التلقين في كل ساعة

ويكفيك بعد الفرض ما هو آكد

لأنك حامل لحمل الطريقة

وقل من كان للجهتين عامرا

فأكثر أهل الله لإحدى جهة

توجه إلى المعاني حيث توجهت

ودر معها سريعا في كل دورة

وكن حريصا على الأنفاس جميعها

فمطلوبها كلا بفكر ونظرة

وذكر بجمع القلب جاء حقيقة

وبه استقام حبال أهل الطريقة

وإن كبر العيان بحكم قهره

على سائر الأحوال في كل ساعة

ومالك للأحوال هو إمامنا

به يقتدي الجميع في كل حالة

تعلق بسره تخلق بوصفه

تحقق بوصف الفقر تحظى بعزة

على منهاج الكمال امش ولا تخف

وخل عصاة الخلق وأهل طاعة

وجنب جميع الناس واحذر غرورهم

ومدعي الفقر جهرا أكبر غرة

ومن علمه فوق الورى جملة

وفهمه أعلى من جميع البرية

فهذا اجهل الناس كلا بأسرهم

فنظرة منه تأتي بألف ظلمة

وعالم به كل ما ازداد علمه

وفهمه عنه زاد فقرا وذلة

فخل سوى من كان لك موافقا

حقيرا فقيرا راض بكل محنة

ضعيفا عاجزا خامل الذكر في الورى

وجل جميع الناس عنه في غفلة

فواضعه ورافعه كلاهما

لشغله بالمحبوب في كل ساعة

وأين هذا في الناس قل مثاله

فسيدهم معلول بكل علة

إذا مدح أو بالعطاء وجهته

أتاك سريعا مظهرا للمحبة

وإن كنت له بالمذلة واجها

على حذر كن منه في كل طرفة

فيا أسفا على الذين تقدموا

كانت له نفس بالمجاري راضية

يرونها من عين المعاني حقيقة

يحبونها إجلالا أشد المحبة

إذا وجهوا بالذم ترى وجوهم

بنور كأنها شعاع الأهلة

وإن منعوا زادوا فرحا ونشوة

فهكذا حالهم في أمر البداية

كانت لهم أخلاق كرام مع الورى

وأوقاتهم بين حضور وغيبة

ووقتنا بالتحقيق قد سار جلنا

يطوف على الدرهم في كل ساعة

ويسعون عند الخلق رفعه قدرهم

ويطمع في درك العلوم النفيسة

هيهات ما كان هكذا من تقدم

وقد كانوا أصحاب الهمم العالية

نظرهم للمحبوب نحو جماله

تيقنوا أن ما سواه لغفلة

فليس شيء سوى الجمال حقيقة

ظهر منه ما كان مخبى بحكمة

وما زاد فيه شيء سوى بروزه

على حسب ترتيب حكم الإرادة

وما نقص وإن أخفى الأمر سره

وصور وهمك وجود الخليقة

فلقلة التحقيق منك بحقه

ولفقد العلم غابي عنك الحقيقة

ولو جاءك علم المعاني التي بدت

لكنت من أعظم هناء وراحة

وقد كان كل سر منها لسرنا منها

ولكن أخفاه الوهم لأجل علة

على مرآة القلوب بدت سحابة

إثر رياح الوصف أتت بظلمة

إذا شئت أن تحيى فمت في حياتك

ولا خير فيمن حتى تأتي المنية

فمن حيا قبل الموت ماتت حياته

ومن حيا بعد الموت حيا حقيقة

وأصعب شيء فقر ثم مذلة

فلذ بهما تكن كبير الولاية

فمن لم يكن بالفقر والذل راضيا

فأسرار أهل الله عنه بعيدة

فتسليط الجنس فرض في السير فادره

ويبلى ذاك البلاء عند النهاية

فما من صادق إلا قاموا بحجة

عليه ولكن أذنه قد تصمت

له همه عليا بالله تعلقت

وروح منه اشتاقت إلى سر حضرة

وأكبر عقل منه للعلم مقبل

وقلب إلى محل نزول حكمة

وسر لعين بحر ذات جماله

لها ناظر بنور عين الحقيقة

ونفسه في المثال صارت كأرضنا

سوت تحت أقدام جميع البرية

فلازال يدنوها وينسى حظوظها

حتى زال وصفها وصارت عالية

تغوص في بحر السر يسر فكرها

وتأتي بأشرف العلوم النفيسة

فلم تروهاهناك إلا عن نفسها

في عالم سرها بصح الرواية

فواسطة الإلهام أمين وحيها

يأتي لها بالتبليغ في كل ساعة

فإنها نقطة الجمال حقيقة

من النقطة الكبرى برزت لحكمة

تقدم ولا تخف فنارها ساعة

ونورها دائم من شمس الحقيقة

فطهرها تطهيرا ظاهرا وباطنا

وخذها ولا تخف من هول وفتنة

فإنها سر الله قطب جماله

فمنها نال الوجود عزا ورفعة

عليها تدور أفلاكه جميعها

وأنواره منها تلوح بقوة

فلولا الهوى لضاء نور بهائها

على سائر الأقطار في كل ساعة

فشمس عالمنا من نورها أبرزت

وأنجمه منها كلا مستنيرة

وأنوار أفلاك الأفق بأسرها

ومنها مدد الكل في كل لمحة

وبها علوا الإلاه جميعهم

وصاروا ملوك الكل في أعلى رتبة

يجروا ذيول العز حيث توجهوا

وحالهم الغنى برب البرية

عظم اكتفاؤهم وكفاهم كل ما

يهمهم بفضل وجود ومنة

وإن أصيبوا فالحفظ حال قلوبهم

ومن أولى منهم بالأمور العظيمة

فهم معه معية الحال دائما

وذاك فوق طور العقول الرشحة

فلم يدر حالهم في القرب سواهم

وكل جميع الخلق عنهم في غفلة

فلو نادتهم كل الأشياء بصوتها

لما التفتوا إليها بأدنى لمحة

يباشرونها والقلب عنها بمعزل

مليء حقيقة بنور الحقيقة

من أجلكم أكرم الإلاه كل الورى

وصار عصاة الخلق في ظل رحمة

تطيب الأماكن بذكر سماعهم

وتعلو فوق الإمكان وقتا بجلسة

وإن داموا صار في المعالي مقامه

كأنه كوكب منير في رفعة

فبسرهم دار الفلك لحكمة

وحرك أقطار الوجود في لمحة

فمفتاح أبواب العلوم بأيديهم

وسر العطاء موهوب بلمح نظرة

وكل مدد الخلق منهم جميعه

بأنعم فضله أو بعدل نغمة

فمن نار قبضهم لظى صار حرها

عذابا لأقوام مجانا مع ذلة

ومن نور بسطهم جنان تزخرفت

بهاء وأنوار سرورا مع بهجة

وأنهارها بسرهم فاض خمرها

وأغصانها نادت بألطف نغمة

وبنورهم حور العين تنورت

وولدانها المسخرة لخدمة

وزينة عرش الله بعض جمالهم

ولو بدا سرهم للأشياء لدكت

وسرهم نقطة من بحر حبيبنا

ومولانا أحمد العظيم العطية

فمن بحر سر عليه صلاته

سقاهم صفاء الشرب من طيب لذة

ومن نور عليه سلامه

كساهم حال العز أشرف لبسة

ومن عقله عقولهم قد تنورت

ومن روحه أرواحهم مستمدة

ومن علمه الأعظم لهم مواهب

تفوق لجج البحرفي أقوى شدة

وبه نجوا من الهموم جميعها

وبه كانت حياتهم أبدية

وخصوا بسره الخفي بين الورى

وأعطاهم منه قربا فوق الخليقة

ولا زالوا في ارتقاء نحو كماله

حتى بدت صورة الحبيب البهية

كأن سواها في المظاهر لم يكن

وهذه رتبة من أقصى الولاية

فلهم عينان للجمالين ناظرا

فهذي لحالة وهذي لحالة

فواحدة تطوي الوجود بأسره

وأخرى له بالنشر في كل ساعة

فياله من مقام ما أعلى أمره

لبعض رجالنا من أهل طريقة

وهذاعلمي وفوق علمي علومهم

فلم أدر سوى البعض منها لغفلة

فكن مثلهم في السير إن شئت سرهم

ولا تكن كالعوام من أهل غفلة

ظاهرا بأمر الشرائع قائم

وباطن منك بالأسرار العلية

فصل صلاة الجمع في الفرق أينما

توجهت لتلك الآية العظيمة

وإليه بالتحقيق وجهك دائما

وهذي إشارة ونعم الإشارة

فأهل النهى يدري إشارة سره

ويسجد بالأرواح لكل وجهة

ومن كان فهمه قصيرا فيسجد

لمكة تابعا لظاهر الآية

وله مدد البعض منها لسره

تمدد مدد الهمم الضعيفة

فكن ساجدا لله سرا بكلك

ولا تنقص عند البعض أقل ذرة

وكن داعيا عند السجود تأدبا

وسبحه بالأجلال في كل ركعة

وفرض عين جاءت على من تكلف

وأما صلاة السر عين الفريضة

وفي الوقت صلاتين صلهما معا

فذلك قرة العين فادر إشارتي

وإن كنت من إحدى الصلاتين فارغا

فكن ساجدا في الأخرى بإحدى سجدة

ولا ترفع يوما من سجودك طرفة

فليس هنا وقت تكون الإعادة

فهذه للأبدان لأجل ضعفها

وهذه من أجل القلوب القوية

بمحض الكرم يا إلاهي تولنا

وكن لنا وارعنا بعين العناية

ولا تترك حولنا عدوا وظالما

وإن حام له آت بكل ذلة

وخذه قبل اهتمامه بهلاكنا

لأنك عالم بكل الحقيقة

وكل جبار الوقت اقطع عروقه

وأوراقه وأغصانه الممدة

وأينما ولى الوجه خذه بسطوة

ووليه مدبرا عظيم المذلة

مشتت القلب والجوارح دائما

يخوفه الشيطان كل المخافة

ولا تترك منهم في الوجود بأسره

عظمت منهم إلا هي كل الإذابة

أقمنا سيوفا من سيوفك ظاهرا

وباطنا تمحق الأعادي الظلمة

أعادي جنود النفس والجنس دائما

سريعا إلا هي يا سريع في لمحة

فأمرك أقرب من البرق إذ بدا

وأعجب من هذا في حكم وسرعة

فكن لنا والإخوان حيث توجهنا

وأيدنا وانصرنا بأعظم نصرة

وكن لدين الحبيب أحمد حافظا

وطهره يا إلاهي من أهل ظلمة

بحكمك كيف شئت تحكم في الورى

ونسألك اللهم نشر الهداية

على يد أهل العلم بك حقيقة

بفضلك يا مجيب أجب لي دعوة

بجاهك يا من لا جاه فوق جاهه

وبجاه من رحمت به البرية

وبجاه كل من كان له تابعا

سالكا ومجدوبا على كل حالة

فصل وسلم ثم بارك على الهادي

رحيم بنا في كل هول وشدة

رؤوف رحيم يطلب العفو دائما

لأهل نور الأيمان في كل ساعة

وحاش حبيبنا أن ترده خائبا

فيما سعدنا على كل حالة

ونسألك الرضى عن الأهل والصحب

وتابعهم الى انتشار القيامة

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن محمد بن أحمد البوزيدي

avatar

محمد بن أحمد البوزيدي

المغرب

poet-Mohammad-al-Buzidi@

1

قصيدة

6

متابعين

محمد بن أحمد البوزيدي السلماني، الشريف الحسني شاعر صوفي بارز وأحد أعلام التصوف في المغرب خلال القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. بدأ حياته بتجويد القرآن الكريم، ثم انقطع للسياحة ...

المزيد عن محمد بن أحمد البوزيدي

اقتراحات المتابعة

اقرأ أيضا لـ محمد بن أحمد البوزيدي :

أضف شرح او معلومة