الديوان » خالد الغيلاني » في رثاء أخي المتنبي

عدد الابيات : 80

طباعة

أَلِلْحَرْفِ مِنْ مَرْثًى عَلَى هَتْكِ فَاتِكِ

دَمًا لمَلِيكِ الشِّعْرِ بَيْنَ المَمَالِكِ

رَحِيلٌ مَتَى أَمْعَنْتِ فِيهِ وَجَدتِهِ

عَلَى أَيِّ حَالَيْهِ بُكًا فِي تَضَاحُكِ

مَضَى مَنْ تَمَنَّى أَنْ يَرَى الدَّهْرَ مَرَّةً

صَدِيقًا فَأَعْيَا فَانْتَهي عَنْ ضَلَالِكِ

فَكَانَ كَمَا كَانَتْ أَسَاطِيرُ أُمَّةٍ

تَحَاشَتْ جَلَالًا عَنْ ظَنِينٍ وَآفِكِ

أَعَزَّ عَلَى الدُّنْيَا فَنَاءٌ فَآثَرَتْخُلُودًا

عَصِيًّا عَنْ خُفُوتِ الهَوالِكِ

أَلَثَّ مِنَ الأَشْوَاقِ قَلْبًا مُفَتَّنًا

بِهِ أَجْمَلُ الآمَالِ مَاتَتْ لِذَلِكِ

وَعَاشَ عَلَى شَيْئَيْنِ صَبْرٍ وَهِمَّةٍ

أَخُوذًا لِدُنْيَا النَّاسِ فِي زِيِّ تَارِكِ

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ أَقْسَى عَلَى النَّاسِ كُلِّهَا

وَلَا لِلْمنَايَا قَائِلًا لَا أَبَا لَكِ

كَأَنَّكِ يَا بَغْدَادُ مَا كُنْتِ بَعْضَهُ

إِلَى الجَرْفِ حَتَّى المُنْحَنَى مِنْ تِلَالِكِ

كَأَنَّكِ مَا كُنْتِ سَجِيَّاتِ نَفْسِهِ

وَلَا كَانَ ذَاكَ المَرْءُ سِرَّ اشْتِغَالِكِ

دَعَانِي إِلَى بَغْدَادَ فِي الحُبِّ ما دَعَا

وَأَنَّى أَيَا بَغْدَادُ لُقْيا مِثَالِكِ!

عِرَاقِيَّةٌ شَدَّتْ لِثَامَ قَصِيدَتِي

عَلَى حِينِ وَشْكٍ مِنْ لِحَاظٍ فَوَاتِكِ

وَمَدَّتْ إِلَى جَيْبِي يَدًا مِنْ حَقِيقَةٍ

لِتُخْرِجَ مِنِّي مُضْمَرًا فِي الحَشَائِكِ

وَعَاثَتْ بِهِ حَتَّى اسْتَرَدَّتْ مَثَابَها!

حَنَانَيْكِ مَا فِي القَلْبِ إِلّا إِلَهُكِ

أَيَا أنْتِ هَلْ فِي الحُبِّ مَنْفًى مُقَدَّرٌ؟

فَلَيْسَ بِهِ إِلّا بَقَايَا ثِيَابِكِ

فَكَانَ مُهَالُ الْحَرْفِ فِي المَتْنِ قِصَّةً

سَتُرْوَى إِلَى جِيلَيْنِ كَانُوا بِبَابِكِ

فَأَسْفَرْتُ يَا بَغْدَادُ وَجْهًا مُبَارَكًا

عَلَى سَفْحِكِ المُلْتَثِّ حَتَّى قِبَابِكِ

وَجِئْتُ إِلَى بَعْضِي أُفَتِّشُ مَا الَّذِي

بِهِ مِنْ حَيَاتِي فِي خِضَمِّ الْمَعَارِكِ؟

بلَى المُتَنَبِّي لمْ يَكُنْ غَيْرَ سَالكٍ

إلى مَعْركِ الضَّوْءِ المَهِيبِ المُبَارِكِ

تَنَدَّى شُمُوخًا أَوْ تَنَدَّى مَهَابَةً

وَرَاحَ يُذِيقُ الأرْضَ طَعْمَ المَهَالِكِ

رَأَيْتُ ! ولا مَرْأَى كَمَرْآهُ وَاقِفًا

يَنِزُّ لَظًى حُرًّا كَأَقْوَى النَّيَازِكِ

يَجِيءُ وَفِي مَمْشَاهُ تَقْفُو خَلَائِقٌ

أَكَانَ نَبِيًّا أمْ صَدِيقَ المَلائِكِ؟

نَظَرْتُ إلى عَيْنَيْهِ أشْتفُّ عَالَمًا

تَعَالَتْ سَمَاوَاتُ الْعُلَا عَنْ مَدَارِكي!

وَمحَّصْتُ فِيْهِ الرَّأْيَ لا مُتَهَيِّبًا

محبًّا غَلَا فِيهِ ولا نقْدَ مَاحِكِ

فأبصرْتُ مَا لا يُبْصرُ النَّاسُ مِثْلَهُ

وعَايَنْتُ فَذًّا عَبْقَريَّ المَسَالِكِ

يَجُوزُ الرَّدَى حتَّى كَأنَّ اجْتَيَازَهُ

لَكَالمَوْتِ مَشْدُوْدُ الْعُرَا والمَشَابِكِ

أبُوْ الطَّيِّبِ المَعْنى! أبو الطيِّبِ التُّقَى

أَبُو الطَّيِّبِ الدُّنْيَا! عَلَى رُغْمِ فَارِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ التَّاريْخُ! يَشْتَدُّ في دَمِي

تَمَشِّي الهُوَيْنَى أوْ تَقَضِّي السَّوامِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الهُلَّاكُ! مِنْ كُلِّ نَابِغٍ

وَلَكِنَّهُ البَاقِي هُنَا غَيْرُ هَالِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ العُزَّى! أبو الطَّيِّبِ المُنَى

تجَلَّتْ عَذَابًا أو نَعِيمًا لِضَاحِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ السُّكْنَى! إذَا عَزَّ مَنْزِلٌ

وَكُنْتُ غَرِيبًا فِي عُيُونٍ حَوَالِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ البيْدَاءُ والْخَيْلُ والسُّرى!

وَقَدْ أَسْمَعَ الغَارَاتِ وَقْعَ السَّنَابِكِ

أبُوْ الطَّيِّبِ الأعْمَى وقَدْ كَانَ نَاظِرًا

إلى الأدَبِ الخَلَّاقِ جَمِّ التَّشَابُكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الشَّكْوَى! منَ الدَّهْرِ دَائِمًا

إذَا عزّتِ الأحْرَارُ فيْمَا هُنَالِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ النَّجْوَى! إلى كُلِّ خَوْلَةٍ

إذَا السَّيْفُ دُونَ النحْرِ والمِسْكِ صَائِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الأَعْرَابُ! إنْ خِيفَ زَوْرَةٌ

لِذِيبٍ أتَى فِي اللَّيلِ صَوْبَ العَوَاتِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ المَذْكُورُ مِنْ قَبْلِ آدَمٍ!

بأَنَّ التُّقَى حَقٌّ عَلَى كُلِّ نَاسِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الأسْفَارُ! كَانَتْ عَليْلَةً

وَمَنْ لِمُرَادٍ! فِي حَفًا مُتَهَالِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الدَّوْلَاتُ ! مِنْ آلِ تَغْلِبٍ

بِهَا َمَضْجَعُ الرُّوْميِّ فَوْقَ الحَسَائِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الشَّمْسُ الَّتِي لَا نُذِيمُهَا

قَرَارًا عَلَى عَجْزِ الشُّمُوسِ الدَّوَالِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ العُشَّاقُ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ

أَحَكُّ عَفِيفٍ أَوْ أَعَفُّ مُحَاكِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الحُسَّادُ مَا نَامَ لَيلُهَا

وَلَا يَوْمُهَا خَالٍ فَهْل ضَرَّ ذَانِكِ؟

أَبُوْ الطَّيِّبِ الأَحْلَامُ كَانَتْ جَمِيلَةً

أَلَذُّ لِمشْتَاقٍ أَخَفُّ لِسَادِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الدَّمَّاعُ فِي كُلِّ فَيْنَةٍ

بِإِثْرِ حَبِيبٍ أَو قَرِيبٍ مُتَارِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ التَّأْوِيلُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ

صَدِيقٍ مُوالٍ أَوْ عَدُوٍّ مُمَاحِكِ

أَبُوْ الطَّيِّبِ الرِّحْلَاتُ شَكَّتْ مِنَ الوَجَى

أَحَقُّ بِغَايَاتِ السُّرَى وَالمَبَارِكِ

أبُوْ الطَّيِّبِ الأحْرَاسُ! حَفَّتْ سَمَاءَنَا

لِبُشْرَى نَبِيٍّ قادمٍ بِالمآلِكِ

على فَتْرَةٍ في الرُّسْلِ جَاءَ نبيُّنَا

لِيُوْحَى إليهِ الأَمْرُ بَعْدَ الصَّعَالِكِ

فَيا مَالئَ الدُّنْيَا ومَا كَانَ فَارِغًا

ويَا شَاغِلًا للِنَّاسِ فِي كُلِّ ذَلِكِ

ولوْ أنَّ إنسَانًا سُيُعْطَى كَعُمْرِهِ

لخُلِّدتَ تَخْلِيدَ النُّجُومِ الشَّوَابِكِ

تَعَالَي نُقِمْ فِيهِ احْتفَالًا يَضُمُّنَا

أنَا وحْدَهُ المَدْعوّ لَيْسُوا أُولَئِكِ

لأنّا مَعًا فِي سُفْرةٍ مِنْ صَدَاقةٍ

أكلْنَا بُخُبْزِ الشِّعْرِ أشْهَى المَعَالِكِ

بهِ يُؤْمَنُ الإخْشِيدُ كَافُورُ غَدْرَةٍ

وأنَّى لَهُ شِعرٌ كَصَوْغِ السبَائِكِ

فيا نفْسَ نفْسِي والمَطَايَا بِأَضْلُعِي

فَزُورِي فُؤَادًا كَانَ حقًّا مَزَارَكِ

وَمُدِّيْ بِحَبْلٍ لَيْسَ غَيْرِي يَشُدُّهُ

فَإنَّ حِبَالِي مِنْ قَدِيمٍ حِبَالُكِ

وَزِيْدي مِنَ الإدْلَالِ كُونِي كَمَا الْأذَى

أضَرَّ فَإنِّي لَذَّ عِنْدي دَلَالُكِ

أُصَلّي إِلَى عَيْنيْكِ أشْتدُّ ضَارِعًا

إلى حَرَمٍ يَكْتظُّ فِيهِ جَمَالُكِ

ضَعيْني عَلى مَرْمَى القَصَائِدِ غَلْوةً

فَيُمْنَاكِ عِنْدي مِثلُ يُسْرَى شِمَالِكِ

وَأَبْقِي مِنَ المَعْنَى مَجَازًا يَضُمُّنِي

فإنِّي كَفَانِي فِيْهِ بَعْضُ احْتِمَالِكِ

أُحِبُّكِ لَا أَدْرِي لِمَ الحُبُّ ؟ مَنْ أَنَا؟

وَمَنْ أَنْتِ عِنْدِي فَانْظُرِي مَا بَدَا لَكِ

طَوَى عَالَمُ النِّسْيَانِ خَلْقًا فَغُيِّبُوا

وَأَعْيَيْتِ دَهْرًا مُجْحِفًا عَنْ زَوَالِكِ

أَجِيئُكِ فِي نَفْسِي كَلَامٌ أَهَكَذَا

رحَلْتِ كَأَنِّيِ لَمْ أَكَنْ مِنْ رِجَالِكِ

وَقَدْ كُنْتِ أَرْجَى النَّاسِ عِنْدِي لِحَادِثٍ

فَكَيْفَ أُصِبْتِ فِي بَنِيْكِ وَمَالِكِ؟

ومَا هَزَّ أرْكَانَ الحَيَاةِ وقَضَّهَا

رُكَامًا عَليْنَا غَيرُ وَقْعِ اغْتِيَالِكِ؟

ألم يُبْصِرِ السُّفَّاكُ فِيكِ نُبُوءَةً

ألَمْ يَنْظُرُوا حَقًّا أَتَى مِنْ خِلَالِكِ؟

فَيَا لُغَةً فِي الصَّبْرِ تَنْدَى فَصَاحَةً

وَهَلْ لُغَةٌ فِي الصَّبْرِ إِلَّا لُغَاتُكِ؟

وَيَا مِحْنَةَ الوَقْتِ الضَّنِينِ بِمِثْلِهَا

لَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا جَمِيعًا بِدَارِكِ

وَيَا قِصَّةً مَا زِلْتُ أَشَتَّفُ كُنْهَهَا

أَلَغْوًا كَئِيبًا أَمْ جَلَالًا حَيَاتُكِ؟

وَيَا أَجْمَلَ الأَشْيَاءِ ضُمِّي مُوَلَّهًا

بِحَسْبِي أَنَا يَوْمًا مَضَمِّي لِآلِكِ

بِحَسْبِي أَنَا فِي الحُبِّ أَيَّامُنَا الَّتي

تَقَضَّتْ وَقَلْبِي غَارِقٌ فِي جَلَالِكِ

وَلَو أَنَّنِي خُيِّرْتُ كُنْتِ قَضِيَّتِي

شَغُوفًا بِذِكْرَاكِ شَدِيدَ التَّهَالُكِ

وَكَمْ قَائِلٍ وَلَّى وَكَمْ قَائْلٍ أَتَى

وَمَا صِفَةٌ لِلشِّعْرِ إِلَّا صِفَاتُكِ

أَتَيْتُكِ إِنِّيًّا وَعُدتُ وَلَا أَنَا

يَلُمُّ بَقَايَاهُ بِكَفَّي خَيَالِكِ

تَعَالَي إِلَى الدُّنْيا نُلَوِّمُ أَهْلَهَا

ونَصْعَدُ لَا نألُو ذُرًا فِي الحَبائِكِ

تَشَكَّلْتِ إذْ شُكِّلْتُ منْ نَفْسِ طِيْنةٍ

فَهَذَا أوَانُ السَّاجِدَاتِ الْبَوَارِكِ

صَدِيقي وأغْلى والْوَرَى يَكْفُرُ الْوَرَى

لَذِيذٌ إلى نفْسِي خُطُورِي بِبَالِكِ

تحمَّلْتُ مِنْ عَيْنيْكِ رُؤْيَا قَدِيمَةً

كيُوسُفَ فِي يعقوبَ كَانَتْ كَذَلِكِ

أَلَا أيُّها الدَّوَّارُ! مَا زالَ عَابِرًا

يَمُرُّ إزائِي لَسْتُ أَقْوَى تَمَاسُكِي

عَزِيْزٌ عَلَى نَفْسِي خَزَايَا كَثِيَرةٌ

إذا الشِّعْرُ كَانَ اليومَ مِنْ نَظْمِ حَائِكِ

نَعَى العبْقَريَّ الضَّخْمَ للنَّاسِ نَفْسُهُ

كَفَى المُتَنبِّي! كُلَّ مَنْ لَمْ يُشَارِكِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن خالد الغيلاني

خالد الغيلاني

7

قصيدة

النبذة التعريفية فيلسوف شاعر روائي حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة الملك سعود ودبلوم في اللغة الإنجليزية ودبلوم في علم اللغة التطبيقي ولديه عدد من المؤلفات الفلسفية والشعرية منها

المزيد عن خالد الغيلاني

أضف شرح او معلومة