الديوان » العصر الأندلسي » ظافر الحداد » بدا شيبه قبل ابتداء شبابه

عدد الابيات : 60

طباعة

بَدا شَيْبُه قبلَ ابتداءِ شَبابِه

وولَّى الصِّبا عنه عَقيبَ اغْترابِهِ

وما حان وقتُ الشيبِ منه وإنما

له عِلَّةٌ من وَجْدِه واكْتئابه

فدَام طبيعيُّ السوادِ بشعرِه

دوامَ مَشيبٍ تحت زُور خِضابه

ومن خامرَتْ خمر الهوى كأس لُبِّه

فإنّ نجومَ الشيبِ بعضُ حَبابه

ولما طَمَى بحرُ الغرامِ بقلبه

طَفا زَبَدٌ في فَرْقِه من عُبابه

حَذِرتُ الهوى مذْ كنتُ حتى استفَزَّني

بوجهٍ كأنَّ الشمس تحت نقابه

وقد كتب الحسنُ اسَمه فوقَ خَدَّه

ولم يَبْد إلا نُونُه من كتابه

وقد أَطلعَتْ أزْرارُه الشمسَ في الدُّجَى

وماد النَّقا بالغُصنِ تحتَ ثيابه

وما عَجَبي من روضةٍ طَلَّها النَّدَى

على خَدِّه لم تَحتْرِق بالْتِهابه

ومن بَرَدٍ يَفْتَرُّ عنه وكيف لم

يَذُب وهْو مغمورٌ بشَهد رُضابِه

أحِنُّ إلى الفُسطاط ما لم أكن به

حنينَ طَليحِ الرَّكْبِ بعدَ ذهابه

وتَهْفُو بقلبي زَفْرةٌ لو تَلبَّسَتْ

بصُمِّ الصَّفا لانتْ مُتونُ صِلابه

وأسمو لرَوضىِّ النسيمِ لعلّني

أُصادف منه نَفْحةً من تُرابه

واستقبلُ الرُّكْبانَ من كلِّ وِجْهةٍ

لعلَّ بمصرٍ ذاكرا في خِطابه

وأهجرُ عَذْبَ الماءِ معْ طول غُلَّةٍ

إذا لم يُنِلنِي النِّيلُ بردَ شَرابه

وتَسْودُّ في عينِي البلادُ تذكُّراً

لخضرةِ شَطَّيْهِ وبيضِ قِبابه

وكم لي على سفحِ المقطَّم وَقْفةٌ

لها أثرٌ في وَهْدِه وهِضابه

فَضَضْنا بها سِلْك الحديثِ فخِلْتُه

يَميد بنا زَهْوا لطيبِ عِتابه

وفي البركةِ الغَنَّاءِ للطَّرْفِ مَسْرَحٌ

نَهَى ما انْطَوَى من جَفْنه عن مآبه

يُبلِّغُنا عن زَهْرِها وافدُ الصَّبا

سَلاما تَولَّى المسكُ رَدَّ جوابهِ

إذا جَمَّش الغُدرانَ واهِى نَسيمِها

حَكَتْ زَرَدا فُضَّت أَعالِي عُبابه

وَينْسلُّ في ساحاتِها كلُّ جَدْولٍ

كما سُلَّ مَطْرورُ الشَّبا من قِرابه

ولما حَباني الدهرُ منه بعودةٍ

وراجَعَ حظى بعدَ طولِ اجْتِنابه

وهبتُ لقُرْبٍ سَرَّني بنعيمه

جنايَة بُعْدٍ ساءني بعِقابه

فإن كنتُ في مصرٍ غَريبا فجُلُّ ما

يَنالُ الغَريبُ العِزُّ عند اغْتِرابه

وردتُ بها بحرَ النَّوال مُشرِّقا

وغرَّب غيري آمِلا لسَرابه

فأصبحتُ فيهاَ خادمَ الأَفْضلِ الذي

زَحَمتُ ملوكَ الأرضِ تحتَ رِكابه

جَلوتُ عليه كلَّ عذراءَ ما ارْتَضَتْ

ببعلٍ إلى أن هَرْولتْ بحجِابه

جَهدت فما غاليْتُ في مدحِه بها

ولكنني غاليتُ في مَدْحِها به

إذا نَوَتِ الآمالُ للجودِ حجَّةً

فما تَجْتَرِى إلا الوقوفُ ببابه

وتَسْتلم الركنَ اليَمانِى بداره

وتُكْمِل سَعيا في طوافِ جَنابه

زَرَتْ كُّفه اليمنى على الغيثِ فانثنتْ

به خَجْلةٌ عن مصرَ بعد انْسِكابه

وما النيلُ إلا مُشْبِهٌ بعضَ نَيْلِه

إذا غَمَر الدنيا بفَيْضِ انْصِبابه

إذا ادخر المالَ الملوك فإنما

جزيلُ الثَّنا والحمدِ جُلُّ اكْتِسابه

على أنَّ ما حازُوه من صَدقاتِه

عليهم لما يحظى به من ثوابه

ويُحِيى رِضاهُ النفسَ بعدَ فَنائِها

ويُفْنِى سُطاه الليثَ داخلَ غابه

إذا ما عَتا شيطانُ أرض وإنْ نَأَتْ

فأقربُ شيءٍ منه نارُ شِهابِه

أَجار من الأيام فالحُرُّ آمِنٌ

على نفسه من صَرْفِها وانْقِلابه

ومَدَّ بِساطَ العدلِ حتى تَوقَّرت

أسودُ الشَّرَى في القَفْرِ قبلَ ذئابه

فما الحَرَمُ المشهور بالأمنِ في الوَرَى

بآمَنَ من صحرائهِ وَيبابِه

له سيفُ نصرٍ كلَّما هزَّ نصلَه

تَتَبَّع نابُ الموتِ أمرَ ذُبابه

وجيشُ اعْتزامٍ تَظْلَعُ الريحُ خَلْفَه

وتَقْفُوا أَوالِى البرقِ أُخْرَى عِرابه

يُقاتلُ عنه الرُّعبُ قبلَ قِتاله

ويضرِب عنه النصرُ قبلَ ضِرابه

يُضايقُ وجهَ الأرضِ طَوْرا بجيشِه

فأَعْوَزُ شيءٍ جَلْسَةٌ في رِحابه

وثارَ به في ساحةِ الخوفِ قَسْطَلٌ

فضاقتْ على عِقْبانِه وسَحابه

وأَطْرَفَ طَرْف الشمسِ حتى كأنّها

وقد خَفِيتْ وَسْنَى لفَرْطِ ضَبابه

وبثَّ على البحر الأساطيل جَحْفَلا

بأكثرَ من نِينانِه ودَوابه

فضَمَّ مُتون اللٌّجِّ منتِظم القَنا

كما يَتراءَى شِبْهُهم في إهابه

إذا عَن شاهِنْشاهُ ذِكْرا تزعزعتْ

قوى كلِّ جبارٍ لفَرْط ارْتِعابه

كَسا الفَضْلُ فضْلا حين أضْحَى سَمِيَّه

ومَتَّ إلى أَفْعالِه بانتسابه

له قلمٌ يستخدِم السيفَ والقَنا

وتُغْنى وتُفْنى قطرةٌ من لُعابه

تَوَدّ سُوَيْدا قلبِ كلِّ أخِى نُهىً

إذا مدَّ نفْسا لو جرَتْ في مُذابه

فمهما توالتْ نعمةٌ فبشَهْدِه

ومهما تناهتْ نقمةٌ فبصَابِه

جمعتَ فنونَ الفضل فاخترتَ كل ما انْ

فرَدْتَ به من لُبِّه ولُبابه

فيا عيدَ عيدَ الخَلْقِ يَهْنِيه أنه

يُقيم ثلاثاً في ذَراكَ كدابِه

ويُبصر فيها كلَّ مَلْكٍ مُقبِّلا

لَدَيْك الثَّرَى معْ كبره واعْتِجابه

ويعلم أن العيد وجهُك دائما

بمصرٍ ولكن نابَ بعضَ مَنابه

وأنّ له من عُظْمِ قَدْرِك في الوَرَى

ومن نَحْرِك الأعداءَ بعضَ مَشابه

بقيتَ تُهَنَّا كلَّ يومٍ بنعمةٍ

مَدَى الدهرِ من تَوْديعِه لإيابِه

فإنك معنىً والخليفةُ كلُّها

كلامُ زمان لو عَداكَ هَذَى به

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ظافر الحداد

avatar

ظافر الحداد حساب موثق

العصر الأندلسي

poet-dhafer-al-haddad@

317

قصيدة

3

الاقتباسات

118

متابعين

ظافر بن القاسم بن منصور الجذامي أبو نصر الحداد. شاعر، من أهل الإسكندرية، كان حداداً. له (ديوان شعر - ط)، ومنه في الفاتيكان (1771 عربي) نسخة جميلة متقنة وفي خزانة ...

المزيد عن ظافر الحداد

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة