الديوان » العصر العثماني » ابن معصوم » إذا ما امتطيت الفلك مقتحم البحر

عدد الابيات : 59

طباعة

إذا ما اِمتَطَيتُ الفُلكَ مقتحمَ البَحرِ

وَولَّيتُ ظَهري الهندَ مُنشرح الصَدرِ

فَما لمليكِ الهِند إِن ضاقَ صَدرُهُ

عليَّ يَدٌ تَقضي بنهيٍ ولا أَمرِ

أَلَم يُصغِ للأَعداءِ سَمعاً وقد غدت

عقاربُهم نحوي بكيدِهمُ تَسري

فأوترَ قوسَ الظُلم لي وهو ساخِطٌ

وَسدَّد لي سَهمَ التغطرُسِ والكبرِ

وَسَدَّ عليَّ الطُرقَ من كُلِّ جانِبٍ

وهمَّ بما ضاقَت به ساحة الصَبرِ

إِلى أَن أَرادَ اللَهُ إِنفاذَ أَمرِهِ

على الرَغم منه في مَشيئته أَمري

فَرَدَّ عليه سهمَهُ نحوَ نحرِهِ

وَقلَّد بالنَعماءِ من فضله نَحري

وأَركبني فُلكَ النَجاةِ فأَصبحَت

على ثَبج الدأماءِ سابحةً تَجري

فأَمسَيتُ من تلك المخاوفِ آمناً

وَعادَت أُموري بعد عُسرٍ إِلى يُسرِ

وَكَم كاشِحٍ قد راشَ لي سِهم كَيدِهِ

هناك فأَضحى لا يَريشُ ولا يَبري

وما زالَ صُنعُ اللَه ما زالَ واثِقاً

به عَبدُهُ يُنجيهِ من حَيثُ لا يَدري

كأَنّي بفُلكي حين مَدَّت جَناحَها

وَطارَت مطارَ النسر حَلَّق عن وكرِ

أَسفَّت على المَرسى بشاطئِ جُدَّةٍ

فجدَّدَتِ الأَفراحَ لي طَلعةُ البَرِّ

وَهَبَّ نَسيمُ القُرب من نحو مكَّة

وَلاحَ سَنى البَيتِ المحرَّم والحِجرِ

وَسارَت رِكابي لا تَمَلُّ من السُرى

إِلى مَوطنِ التَقوى وَمُنتجَعِ البِرِّ

إِلى الكَعبَةِ البيتِ الحرام الَّذي عَلا

عَلى كُلِّ عالٍ من بناءٍ ومن قَصرِ

فَطفتُ به سَبعاً وَقبَّلتُ رُكنَه

وأَقبلتُ نحو الحِجر آوي إِلى حِجرِ

وَقَد ساغَ لي من ماءِ زمزمَ شَربةٌ

نقعتُ بها بَعد الصَدى غُلَّة الصَدرِ

هنالك أَلفيتُ المسرَّةَ والهَنا

وَفزتُ بما أَمَّلتُ في سالفِ الدَهرِ

وَقُمتُ بفرض الحَجِّ طوعاً لمن قَضى

على الناس حجَّ البيتِ مُغتَنم الأَجرِ

وَسِرتُ إِلى تلك المشَاعِر راجياً

من اللَه غُفرانَ المآثم والوِزرِ

وَجئتُ مِنىً وَالقَلبُ قد فازَ بالمُنى

وما راعَني بالخَيفِ خَوفٌ من النَفرِ

وَباكرتُ رميي لِلجِمار وإِنَّما

رَميتُ بها قَلب التَباعُدِ بالجَمرِ

أَقمنا ثَلاثاً ليتَها الدَهر كلَّه

إِلى أَن نَفرنا من مِنىً رابعَ العَشرِ

فأبتُ إِلى البَيتِ العَتيق مودِّعاً

له ناوياً عَودي إليه مَدى العُمرِ

ووجَّهتُ وَجهي نحو طَيبةَ قاصِداً

إِلى خير مَقصودٍ من البرِّ والبَحرِ

إِلى السيِّد البَرِّ الَّذي فاض بِرُّهُ

فوافيتُ مِن بحرٍ أَسيرُ إِلى برِّ

إِلى خيرَة اللَه الَّذي شَهِدَ الوَرى

له أَنَّه المُختارُ في عالَمِ الذَرِّ

فقبَّلتُ من مَثواهُ أَعتابَه الَّتي

أَنافَت على هام السِماكَين والنَسرِ

وعفّرتُ وَجهي في ثَراهُ لوجهِهِ

وَطابَ لي التَعفيرُ إِذ جئتُ عن عُفرِ

فَقُلتُ لِقَلبي قد برئتَ من الجوى

وَقُلتُ لِنَفسي قد نجوتِ من العُسرِ

وَقُلتُ لعيني شاهِدي نورَ حضرَةٍ

أَضاءَت به الأَنوارُ في عالَم الأَمرِ

أَتَدرينَ ما هَذا المَقامُ الَّذي سَما

عَلى قِممِ الأَفلاك أَم أَنتِ لم تَدري

مَقامُ النبيِّ المُصطَفى خير من وَفى

محمَّدٍ المحمود في مُنزَلِ الذِكرِ

رَسولِ الهُدى بحرِ النَدى منبعِ الجدا

مبيدِ العِدى مُروي الصَدى كاشِف الضُرِّ

هو المُجتَبى المُختارُ من آلِ هاشِمٍ

فَيا لك من فرع زَكيٍّ ومن نَجرِ

به حازَت العَليا لؤيُّ بن غالبٍ

وَفازَ به سَهما كنانة وَالنَضرِ

قَضى اللَه أَن لا يجمع الفضلَ غيرُهُ

فَكانَ إِليه مُنتهى الفَضلِ وَالفَخرِ

وأَرسلَه الرحمنُ للخلق رحمةً

فأنقذهم بالنور من ظلمةِ الكُفرِ

وأَودَعهُ العَلّامُ أَسرارَ علمهِ

فَكانَ عليها نعمَ مُستودَع السِرِّ

وأَسرى به في لَيلةٍ لسَمائِهِ

فَعادَ وَجَيبُ اللَيل ما شُقَّ عن فَجرِ

وأَوحى إليه الذكرَ بالحَقِّ ناطِقاً

بما قد جَرى في عِلمهِ وبما يَجري

فأَنزلَه في لَيلةِ القَدر جُملَةً

بِعِلمٍ وما أَدراك ما لَيلَةُ القَدرِ

ولقَّنهُ إِيّاهُ بعدُ مُنَجَّماً

نُجوماً تُضيءُ الأفق كالأَنجُم الزُهرِ

مفصَّل آياتٍ حَوَت كلَّ حِكمةٍ

وَمحكم أَحكامٍ تجلُّ عن الحَصرِ

وأَنهضَه بالسَيف للحَيفِ ماحياً

وأَيَّده بالفَتح منه وَبالنَصرِ

فَضاءَت به شَمسُ الهداية واِنجلَت

عَن الدين وَالدُنيا دُجى الغيِّ في بَدرِ

له خُلقٌ لَو لامَسَ الصَخرَ لاِغتدى

أَرَقَّ من الخَنساءِ تَبكي عَلى صَخرِ

وجودٌ لو اِنَّ البَحرَ أُعطي معينَه

جَرى ماؤُهُ عَذباً يمدُّ بِلا جَزرِ

إِذا عبَّس الدَهرُ الضَنينُ لبائِسٍ

تَلقّاه منه بالطَلاقة والبِشرِ

وإِن ضَنَّ بالغيث السحابُ تَهلَّلت

سحائبُ عَشرٌ من أَنامِله العَشرِ

فَفاضَت على العافين كفُّ نَواله

فَكَم كفَّ من عُسرٍ وكم فَكَّ من أَسرِ

وَكَم للنَبيِّ الهاشميِّ عوارِفٌ

يَضيق نطاقُ الحمد عنهنَّ وَالشكرِ

إِليك رَسولَ اللَه أَصبحتُ خائضاً

بحاراً يَغيض الصَبرُ في لُجِّها الغمرِ

على ما براني من ضنىً صحَّ برؤه

وَلَيسَ سوى رُحماك من رائِدٍ يَبري

فأَنعِم سَريعاً بالشِفاءِ لمُسقَمٍ

تقلِّبُه الأَسقامُ بطناً إلى ظَهرِ

وَخذ بنجاتي يا فديتُك عاجِلاً

من الضرِّ والبَلوى ومن خطر البَحرِ

عليك صَلاةُ اللَه ما اِخضرَّت الرُبى

وَماست غصونُ الروض في حللٍ خُضرِ

وآلِك أَربابِ الطَهارة والتُقى

وَصَحبِكَ أَصحابِ النَزاهة والطُهرِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن معصوم

avatar

ابن معصوم حساب موثق

العصر العثماني

poet-ibn-masum@

307

قصيدة

1

الاقتباسات

49

متابعين

علي بن أحمد بن محمد معصوم الحسني الحسيني، المعروف بعلي خان بن ميرزا أحمد، الشهير بابن معصوم. عالم بالأدب والشعر والتراجم. شيرازي الأصل. ولد بمكة، وأقام مدة بالهند، وتوفي بشيراز. من ...

المزيد عن ابن معصوم

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة