الديوان » العصر العباسي » ابن دراج القسطلي » ما أحسن الصبر فيما يحسن الجزع

عدد الابيات : 46

طباعة

مَا أَحْسَنَ الصَّبْرَ فيما يَحْسُنُ الجَزَعُ

وأَوْجَدَ اليَأْسَ مَا قَدْ أَعْدَمَ الطَّمَعُ

وللمنايا سِهامٌ غيرُ طائِشةٍ

وذو النُّهى بجميلِ الصَّبْرِ مُدَّرِعُ

فإِن خَلَتْ للأَسى فِي شجوها سُنَنٌ

فطالَما أُحْمِدَتْ فِي كَظْمِها البِدَعُ

وللفجائِعِ أَقدارٌ وأَفْجَعُها

للنَّفْسِ حَيْثُ ترى أَظفارَها تَقَعُ

كَأَنَّ للموتِ فينا ثأْرَ مُحْتَكِمٍ

فما بغيرِ الكريمِ الحُرِّ يَقْتَنِعُ

قَدْ خَبَّرَتْ نفسُ إِسماعِيلَ فِي يدِهِ

أَنْ لَيْسَ عن حُرُماتِ المَجْدِ يرتَدِعُ

فاحْتَسِبُوا آلَ إِسماعِيلَ مَا احْتَسَبَتْ

شُمُّ الرُّبى من غَمامِ الغَيْثِ يَنْقَشِعُ

واحْتَسِبُوا آلَ إِسماعِيلَ مَا احْتَسَبَتْ

خيلُ الوغى من لواءِ الجَيْشِ يَنْصَرِعُ

مَاذَا إِلَى مِصْرَ من بِرٍّ ومن كَرَمٍ

بعَثْتُمُ مَعَ وَفْدِ اللهِ إِذْ رَجَعُوا

حَجُّوا بِهِ بِهِلالِ الفِطْرِ وانْقَلَبُوا

فاسْتَوْدَعُوهُ ثَرى مِصْرٍ وَمَا رَبَعُوا

فأيُّ قَدْرٍ رفيع حانَ مَحْمِلُهُ

فِي النَّعْشِ يوماً عَلَى أَكتافِهِمْ رَفَعُوا

وأَيُّ مُخْتَشِعٍ للهِ مُتَّضِعٍ

حُرِّ الشمائِلِ فِي حَرِّ الثَّرى وَضَعُوا

وغادَرُوهُ ولا غَدْرٌ بما فَعَلُوا

وَوَدَّعُوهُ ولا بَاكٍ لِمَنْ وَدَعُوا

تغدُو عَلَيْهِ حَمامُ الأَيْكِ باكِيَةً

وتَسْتَهِلُّ عَلَى أَكْنافِهِ القَلَعُ

والرِّيحُ تُهْدِي لَهُ من كُلِّ عارِفَةٍ

عَرْفاً وتحمِلُ عنه فَوْقَ مَا تَدَعُ

فاسْتَشعِرُوا آلَ إِسماعِيلَ تَغْزِيَةً

يُهْدى لَهَا واعِظٌ منكُمْ ومُسْتَمِعُ

فإِنْ غَدَا شَعْبُكُمْ فِي اللهِ مُفْتَرِقاً

فإِنَّ شَعْبَكُمُ فِي المَجْدِ مُجْتَمِعُ

وإِنْ يُصَدِّعْ قُلُوباً صَدْعُ شَمْلِكُمُ

فالصَّبْرُ كالشَّمْسِ حَيْثُ الفَجْرُ يَنْصَدِعُ

وإِنْ جَزِعْتُمْ فَرُزْءٌ لا يقومُ لَهُ

فيضُ الدُّموعِ ولا يُشْفَى لَهُ وَجَعُ

وإِنْ صَبَرْتُمْ فمِنْ قومٍ إذَا بُعِثُوا

لَمْ يُوهِ عَزْمَهُمُ ذُعْرٌ ولا فَزَعُ

قَدْ وَطَّنُوا أَنْفُساً للدَّهْرِ لَيْسَ لَهَا

إِلّا مِنَ الذَّمِّ أَنْ يَدْنُو لَهَا جَزَعُ

كَأَنَّهُمْ فِي نَعيمِ العَيْشِ مَا نَعِمُوا

وَفِي الفجائِعِ بالأَحْبابِ مَا فُجِعُوا

للهِ من حُرَمِ الأَموالِ مَا بَذَلُوا

جُوداً ومن حُرَمِ الجِيرانِ مَا مَنَعُوا

وَمَا كَسَوْكُمْ مِنَ المَجْدِ الَّذِي لَبسُوا

واسْتَحْفَظُوكُمْ من الصَّبْرِ الَّذِي شَرَعُوا

فارْبِطْ لَهَا يَا أَبا مَرْوانَ جأْشَ فتىً

سَما فَأَتْبَعَ حَتَّى عادَ يُتَّبَعُ

وَقَدْ عَضَضْتَ عَلَى نابِ البَزُولِ فَلا

يغبنك حُسْنَ العزاءِ الأَزْلَمُ الجذَعُ

دَهْرٌ شَجَاكَ وَقَدْ وَفَّاكَ تَعْزِيَةً

جَلَّتْ فَلَيْسَتْ بِغَيْرِ القلبِ تُسْتَمَعُ

بُشْرى لِمَنْ زُوِّدَ التَّقْوى لِمُنْقَلَبٍ

حَيَّاهُ مُدَّخَرٌ فِيهِ ومُطَّلَعُ

بِمِيتَةٍ فِي سبيلِ اللهِ أَسْلَمَهُ

فِيهَا إِلَى رَبِّهِ الأَبناءُ والشِّيَعُ

فِي حجَّةٍ بِرُّها فِي اللهِ مُتَّصِلٌ

بالمُحْرِمِينَ عنِ الأَوْطَانِ مُنْقَطِعُ

لَبَّى من الغايَةِ القُصْوى فجاوَبَهُ

حُورُ الخِيامِ إِلَى لُقْيَاهُ تَطَّلِعُ

واسْتَفْتَحَ الكَعْبَةَ العَلْياءَ فافْتُتِحَتْ

لَهُ إِلَى الجَنَّةِ الأَبوابُ والشِّرَعُ

فكَيْفَ تُوحِشُكَ الدُّنيا إِلَى شِيَمٍ

لِذِكْرِها فِي الوَرى مَرْأَىً ومُسْتَمَعُ

تُتْلى فَيَعْبُقُ منها كُلُّ ذِي تَفَلٍ

طيباً ويَعْذُبُ منها الصَّابُ والسَّلَعُ

قَدْ حَمَّلَتْ أَلسُنَ المُثْنِينَ مَا حَمَلَتْ

وَأَوْسَعَتْ أَيْدِيَ العافِينَ مَا تَسَعُ

كالغَيْثِ يَنْأَى وَمَا يَخْفى لَهُ أَثَرٌ

والمِسكُ يُوعى وَمَا يُوعى لَهُ فَنَعُ

لِطَيِّبِ الذِّكْرِ من حِلْمٍ ومن ورَعٍ

لَوْ كَانَ للموتِ حِلْمٌ عنهُ أَوْ وَرَعُ

ومانِعِ الجارِ من ضَيْمٍ ومن عَدَمٍ

لَوْ أَنَّهُ من حِمامِ الحَيْنِ يَمْتَنِعُ

ووَازِعِ الخطبِ عن قُرْبٍ وعَنْ بُعُدٍ

لَوْ أَنَّ صَرْفَ الرَّدى من بَعْضِ مَا يَزَعُ

وإِنْ أَقمْتَ أبا مَرْوَانَ سُنَّتَها

شَجْواً فَذُو اللُّبِّ فِي السُّلْوانِ يَبْتَدِعُ

فارْدُدْ زَفِيرَكَ عَمَّا لا مَرَدَّ لَهُ

وارْجِعْ دُمُوعَكَ عَمَّنْ لَيْسَ يُرْتَجَعُ

واسْتَخْلِفِ العَارِضَ المُنْهَلَّ يَخْلُفُهُ

رَوْضٌ تَصِيفُ بِهِ مِصْرٌ وتَرْتَبِعُ

من كُلِّ بَحْرِيَّةٍ شامٍ يُشامُ بِهَا

حادِي الجَنُوبِ فلا رَيْثٌ ولا سَرَعُ

يَنُوبُ عن ضَرَمِ الأَحشاءِ بارِقُها

وعن دُمُوعِكَ فِيهَا الوَابِلُ الهَمِعُ

تزورُ فِي مِصْرَ قَبْراً قَلَّ زائِرُهُ

لكِنَّهُ لِلْعُلا والمَجْدِ مُضْطَجَعُ

وأَكرَمُ الغَيْثِ غَيْثٌ عادَ مُنتَجِعاً

من لَمْ يزَلْ لِلنَّدى والجُودِ يُنْتَجَعُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن دراج القسطلي

avatar

ابن دراج القسطلي حساب موثق

العصر العباسي

poet-ibn-darray-alqastalli@

171

قصيدة

1

الاقتباسات

133

متابعين

أحمد بن محمد بن العاصي بن دَرَّاج القَسْطلي الأندلسي، أبو عمر. شاعر كاتب من أهل "قَسْطَلَّة دَرّاج" المسماة اليوم "Cacella" قرية في غرب الأندلس منسوبة إلى جده. كان شاعر المنصور ...

المزيد عن ابن دراج القسطلي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة