الديوان » العراق » بهاء الدين الصيادي » ما للقلوب عن الحبيب غطاء

عدد الابيات : 63

طباعة

ما للقُلوبِ عن الحبيبِ غِطاءُ

إِلاَّ إذا سكَنَتْ بها الأشياءُ

يبدو الحِجابُ عن الحبيبِ بنظرةٍ

لسِواهُ إنَّ الحادِثاتُ عَمَاءُ

من كان يقصُدُ حُبَّهُ لم يلتفِتْ

للفانِياتِ إذِ الجميعُ هَباءُ

مزِّقْ إذْاً حُجْبَ الوُجودِ بهمَّةٍ

من دونِها الغَبْراءُ والخَضْراءُ

واهْجُرْ أناساً قَيْدُ دِينهمِ الهَوى

دهراً فهم والميِّتونَ سَواءُ

فالعبدُ سيِّدُهُ مُناهُ وقصدُهُ

لم تُلْهِهِ النَّعماءُ والآلاءُ

وانْهَجْ على أَثرِ النَّبيِّينَ الأُولى

فهُمُ يَنابيعُ الهُدى العُقَلاءُ

لفتوا عن الأغيارِ عزمَ قُلوبِهِمْ

ولأمرِهِ بصَحيحِ حالٍ فاءوا

تبِعَتْهُمُ السَّاداتُ ساداتُ الورَى

العارِفونَ الخُلَّصُ النُّجَباءُ

وأقامَ دولَتَهُمْ وأكملَ شأنَهُمْ

طهَ الذي ضاءتْ يه الظَّلْماءُ

أَحيى قُلوبَ المؤمنينَ بنورِهِ

فانْجابَ عنها ساتِرٌ وغِشاءُ

عمَّتْ هدايَتُهُ وضاءتْ شمسُهُ

فلها إلى يومِ القيامِ ضياءُ

أخذتْ مُزَمْزِمَةً على منهاجِهِ

آلٌ وصَحبٌ سادَةٌ حُنَفاءُ

هامُوا بذكرِ اللهِ جلَّ جلالُهُ

وقُلوبُ أَصحابِ الجُحودِ هَواءُ

قومٌ إمامُهُمُ الرَّسولُ المُصطفى

من تستَظِلُّ بظلِّهِ الشُّفَعاءُ

روحُ الوُجودِ مَنارُ كُلَّ حقيقةٍ

سامي الجَنابِ اللَّمْعَةُ البيضاءُ

المُنْتقى من لُبِّ عُنصُرِ هاشمٍ

إِبناً سمتْ بفَخارِهِ الآباءُ

هو نورُهمْ في كَنْزِ نشأَةِ كونِهِمْ

والطِّينُ لم يُعجَنْ لهم والماءُ

وافَى بدينٍ قيِّمٍ ذلَّتْ به

ضِمنَ العُقولِ بطبعِها العَوْجاءُ

وبدَتْ لنا من برجِ طالِعِ بدْرِهِ

رغمَ العُماةِ محجَّةٌ سمْحاءُ

شهِدَ العِدى طوعاً بعزَّةِ أمرِهِ

والفضلُ ما شهِدَتْ به الأَعداءُ

نسخَ الشَّرائعَ كلَّها بشريعَةٍ

خضعتْ لحكمَةِ نصِّها الحُكَماءُ

واتَى بتوْحيدٍ فنزَّهَ رَباًهُ

وهو المُنَزَّهُ ما له شُرَكاءُ

العقلُ يشهدُ أنَّ فوقَ فُهومِهِ

معنًى عليه من الوُجودِ رِداءُ

وحِّدْ بذوقِكَ ذاتَ ربِّكَ عارفاً

فالشِّرْكُ وصفاً نقطةٌ سوْداءُ

يحتاطُ منكَ الرَّأيُ فيكَ ولم تكنْ

تفقَهْ فكيف تصَرَّفُ الآراءُ

من أيِّ زاوِيَةٍ أتاكَ خيالُهُ

أو أيُّ ظرفٍ للخيالِ وِعاءُ

إنْ كان مرئيًّا يكونُ مُجسَّماً

أوْ كان مطموساً فذاكَ خَفاءُ

هذا الحُدوثُ به خَفِيٌّ ظاهِرٌ

وبسرِّهِ قد حارَتِ البُلَغاءُ

وحَفِظْتَ أخْباراً بسرِّكَ كلُّها

منها صُفوفٌ ضِمنَهُ وبِناءُ

وتظلُّ مُزْواةً فإنْ راجعتَها

كرَّتْ عليكَ هُنالِكَ الأَنباءُ

ووصفْتَ أشكالاً وطبعُكَ شاهِدٌ

وذكرْتَ ألواناً ولا اسْتِجْلاءُ

فكأَنَّ فيك خِزانَةً لجميعِها

ولها صَحائفُ ضِمنَها قُرَّاءُ

هذانِ موجودٌ ومفقودٌ فقِفْ

خجِلاً هناكَ تُجَهَّلُ العُلماءُ

جلَّ المُهَيْمِنُ حاضرٌ هو غائبٌ

عن دَرْكِ عينِكَ ذاتُهُ علياءُ

ورَقائقُ الأَشياءِ إنْ سَلْسَلْتَها

رجعَتْ لدولةِ أمرِهِ الأَشْياءُ

ودواءُ سِرِّ العارفينَ يقينُهُمْ

والجهلُ في عينِ الحقيقةِ داءُ

خذْ إثْرَ سِرِّ الكائناتِ محمَّدٍ

من شرِّفَتْ بجنانِهِ الأَسماءُ

وافْتحْ عُيونَ السَّالكينَ بهمَّةٍ

فيها لنورِ جَنابِهِ إِيماءُ

واترُكْ صُنوفَ الحاسِدينَ بدائِهِمْ

ما للحواسِدِ يا بنيَّ دواءُ

يتلَوَّنونَ مع الهَوى لضلالِهِمْ

طَيْشاً كما تتلَوَّنُ الحِرْباءُ

عقدَ العِنادُ غُبارَهُمْ فتوسَّدوا

لُجَجَ العِنادِ وكلُّهُمْ سُفَهاءُ

غَمَزوا الشَّريعةَ يا لسقْمِ عُقولِهِمْ

وبزَعمِهِمْ جَهلاً همُ العُرَفاءُ

وتبجَّحوا واسْتنتَجَتْ آراؤُهُمْ

زوراً ومُقلةُ عقلِهِمْ زَوراءُ

فكأنَّما الأَمْواهَ جمرٌ لاهبٌ

وكأنَّما النِّيرانُ فيها الماءُ

هاتوا مَزالِقَكُمْ وقُبْحَ فُهومِكُمْ

لنقيسَها يا أيُّها السُّقَماءُ

الحقُّ يُجلى من خلالِ حُروفِهِ

نورٌ تُضيءُ بشَعِّهِ الأَرْجاءُ

رُحتمْ على طيشٍ إذا انْكشفَ الغِطا

ءُ يحُفُّكُمْ بالدَّاهياتِ غِطاءُ

فرأيْتُموا الإِبْداءَ يُمكِنُ ظاهِراً

وكذلك الإِرْجاعُ والإِبْداءُ

صُنُعٌ تجلَّى من قديمٍ فاعلٍ

من شأنِهِ الإِبْداءُ والإِخْفاءُ

والطَّيُّ والنَّشرُ المُقيمُ لخلقِهِ

وإِماتَةُ الأَحداثِ والإِحْياءُ

يا من نراكَ بفهمِ كونِكَ عاجِزاً

وبشأنِ ذاتِكَ ما لَكَ اسْتيفاءُ

عن كلِّ شخصِكَ في شُؤُنِكَ قاصِرٌ

فاقْصِرْ فزَعْمُكَ فوقَ ذاك عَناءُ

هذا الوُجودُ وأنت تشهَدُ شكلَهُ

منه بعينِكَ بُرْدَةٌ طَمْساءُ

تُمضي الزمانَ بعقْرِ بيتِكَ كلَّهُ

وتُماطُ عنك بكلِّهِ أَجْزاءُ

بجدارِ بيتِكَ مثلُ شخْصِكَ جاهِلٌ

إِخْرَس فقولُكَ في الإِلهِ بَلاءُ

أنتَ اسْتَحَيْتَ إذا أساءَكَ شاتِمٌ

من شتْمِ نفسِكَ ما لديكَ حَياءُ

وَحِّدْ ورُحْ في حَيْرَةٍ شرعِيَّةٍ

الأَنْبياءُ بمثلِها قدْ جاءوا

حِرْنا وما حِرْنا وحَيْرَتُنا به

علمٌ وجَلْجَلَةُ الظُّهورِ خَفاءُ

سبحانَهُ قَدِّسْهُ واذْكُرْ إسمهُ

ما ثَمَّ أرضٌ غيرَهُ وسَماءُ

سلِّمْ له كلَّ الشُؤُنِ تَبَتُّلاً

فلهُ عَزيزُ الأمرِ والإِقْضاءُ

في كلِّ حالٍ للعِبادِ ونَشْأَةٌ

لله سِينٌ في الشُؤُنِ وراءُ

وهو العَليمُ وكلُّ علمٍ قاصِرٌ

وهو الغنيُّ وكُلُّنا فُقَراءُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن بهاء الدين الصيادي

avatar

بهاء الدين الصيادي حساب موثق

العراق

poet-bahaa-al-sayadi@

406

قصيدة

1

الاقتباسات

394

متابعين

حمد مهدي بن علي الرفاعي الحسيني الصيادي، بهاء الدين المعروف بالرواس. متصوف عراقي. ولد في سوق الشيوخ من أعمال البصرة، وانتقل إلى الحجاز في صباه فجاور بمكة سنة، وبالمدينة سنتين. ورحل ...

المزيد عن بهاء الدين الصيادي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة