الديوان » مصر » مصطفى صادق الرافعي » هم الناس حى يروي الأرض مدمع

عدد الابيات : 40

طباعة

هم الناس حى يروي الأرض مدمعُ

وتاللهِ يروي آكلٌ ليسَ يشبعُ

ظُماءَةُ جوفٍ أجَّ شوقاً إلى الورى

وبعضَ الظما قد يلتظي حينَ ينقعُ

ومسغبَةٌ لا يبلغُ الخلقُ دفعها

وإن بطنَ الأحياءَ في الأرضِ أجمعُ

فيا بارئ الدنيا حنانيكَ إنما

طغى الناسُ جهلاً بالذي كنتَ تشرعُ

لكلٍّ فؤادٌ غيرَ أن طبيعةً

من الشرِّ بينَ القلبِ والقلبِ تقطعُ

وكلٌّ جرى فيهِ دمٌ غيرَ أنني

أرى الحرص طفلاً من دمِ الناسِ يرضعُ

وبينَ المنى والنفسِ للشرِّ موقفٌ

فإن لم تزعهُ النفسُ أقبلَ يسرعُ

وكل ضعيفَ الرأي منفتلُ الهوى

عن الحزمِ يمنى بالهوانِ فيخضعُ

وتاللهِ إن الذنبَ للمرءِ أهلُهُ

ففي أي شكلٍ تطبعُ الطينَ يطبعُ

وأعجبُ ما في الناسِ أن يتألموا

إذا أوجعتهم نكبةٌٌ ثم يوجعوا

وأن يخدعَ الإنسانُ غيرَ مجاملٍ

ويجزعُ إن أمسى كذلكَ يخدعُ

وفي الناسِ حقٌ ما يزالُ وباطلٌ

ولكنهم للحقِّ بالباطلِ ادعوا

لحى اللهُ دهراً شدَّ بالقوةِ الهوى

فكلُّ قويٍّ شاءَ ما شاءَ يتبعُ

وهبْ أن هذا الظلمَ كانَ سياسةً

فمن قال ان الظلمَ في الظلمِ يشفعُ

لعمركَ لو تبني السياسةُ حجرةً

بغيرِ قلوبِ الناسِ باتتْ تزعزعُ

ولو رفعوها فوقَ غيرِ ضِعافِهم

لما وجدوها آخرَ الدهرِ ترفعُ

إذا لم يكن للضعفِ حولٌ فمن إذاً

بتلكَ القوى غيرُ الضعيفِ يُفجَّعُ

حنانيكَ يا ربُّ الضعافِ فهم كما

تحملُ قيدَ الأرجلِ الضخمِ أصبعُ

وويلاهُ ما هذهِ الحروبُ ومن أرى

فقِدْماً عهدنا الوحشَ في الوحشِ يطمعُ

معايبُ إلا أن كم من فظيعةٍ

لها مصدرٌ إن ينكشفْ لكَ أفظعُ

فويجَ الورى همْ سعرُّوها وبعضهم

لها حطبٌ والبعضُ فيها موقعُ

ونقعٍ دجوجيٍّ ترى السُّحبَ فوقَهُ

لما راعها من برقهِ تتقطعُ

إذا انفرجتْ للريحِ فيهِ طريقةٌ

نجتْ وبها حَمَّى تئزُّ وتسطعُ

وإن طالعتْهُ الشمسُ تذهلُ فلا ترى

أمغربها في النقعِ أم ذاكَ مطلعُ

وقد كشفتْ تلكَ العجوزُ نقابها

وقالتْ لأهليها قفوا ثمَّ ودعوا

وألقى الردى صيحاتهِ دافعاً بها

لذاكَ فمُ الموتِ اسمهُ اليومَ مِدفعُ

على عصبةٍِ لم يظلموا غيرَ أنهم

مفاتيحُ أمَّا قيلَ أغلق موضعُ

تعاطوا كؤوسَ الموتِ في حومةِ الوغى

وذاكَ رنينُ الكأسِ بالكأسِ تقرعُ

وللهِ ما اشهى الردى بعدَ ضيقةٍ

تكونُ طريقاً للتي هي أوسعُ

كأنهم والموتُ حانَ نزولهُ

سجودٌ يخافونَ العذابَ ورُكَّعُ

كأنَّ ثيابَ الموتِ كنَّ بواليا

عليهِ وبالأرواحِ أمستْ تُرَقَّعُ

كأن الردى إذ حجلَ الجندُ حولهُ

وقد عطشوا حوضٌ من الماءِ مترعُ

كأنَّ فمَ الميدانِ أصعدَ زفرةً

من الجيفِ لملقاةِ للهِ تَضْرعُ

زلازلُ ويلٍ ما تني الأرضُ تحتها

تهزهزُ حتى أوشكتْ تتصدَّعُ

إذا نفعتْ ضرتْ وما خيرُ نعمةٍ

تضرُّ الورى أضعافَ ما هي تنفعُ

كذاكَ أرى الدنيا فتاةً شنيعةً

فإن ولدتْ جاءتْ بما هو أشنعُ

كأني بهذي الأرضِ قلباً معلقاً

وما ملكٌ إلا لهُ الحرصُ أضلعُ

كأنْ قدْ غدا الإنسانُ وحشاً فلا أرى

يعززُ إلا المرءِ واديهِ مسبعُ

وإن يأمرِ الملكِ الذي ليسَ تحتهُ

سريرٌ من القتلى يسمعُ

ولن تصبحَ الدنيا سلاماً ورحمةً

على أهلها ما دامَ في الناسِ مطمعُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن مصطفى صادق الرافعي

avatar

مصطفى صادق الرافعي حساب موثق

مصر

poet-mostafa-saadeq-al-rafe@

346

قصيدة

2

الاقتباسات

1466

متابعين

مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد ابن أحمد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي. عالم بالأدب، شاعر، من كبار الكتاب أصله من طرابلس الشام، ومولده ووفاته في طنطا (بمصر) ...

المزيد عن مصطفى صادق الرافعي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة