الديوان » العصر العباسي » التهامي » أبان لنا من دره يوم ودعا

عدد الابيات : 64

طباعة

أَبانَ لَنا من درِّهِ يَومَ وَدَّعا

عُقوداً وَأَلفاظاً وَثغراً وَأَدمُعا

وَأبدى لنا من دَلِّه وَجَبينِهِ

وَمَنطَقِهِ مَلهىً وَمرأىً وَمَسمَعا

فَقُلتُ أَوجه لاح من تحت بُرقُعٍ

أَم البَدرُ بِالغَيمش الرَقيقِ تَبَرقَعا

أَصَم منادي بينَهُم حينَ أَسمَعا

وَرَوَّعَ قَلباً بِالفِراقِ مُروَّعا

شجاع إِذا لاقى كَميّاً مجرَّدا

جَبانٌ إِذا لاقى غَزالاً مُقَنَّعا

رَعى اللَهَ قَلباً بِالحِجازِ عَهِدتُهُ

وَإِن كُنتُ لا أَلقاهُ إِلّا مُودِّعا

أُحِبُّ النَوى لا عَن قِلىً غَيرَ أَنَّني

أَرى أُم عمروٍ وَالنَوى أَبَداً مَعا

يُوفّي هَواها حَقَّهُ فَيَصونَهُ

وَلَيسَ يَطيب الحُبُّ إِلّا مُمَنَّعا

وَفيها وَفي أَترابِها ليَ مَنظَرٌ

هُوَ العَيشُ لَو صادفت في الرَوضِ مَربعا

حُجبنَ فَما يُبدين إِلّا لِنيَّة

بِنَفسي شُموس تَجعَل الغَرب مَطلعا

وَلَمّا أَتَينَ الرَوض يَنشُرُ بَزَّهُ

تَضَوَّعن مِسكاً خالِصاً وَتَضَوَّعا

وقدَّت كمام الزَهر عنه فخلته

عُيوناً وخلت الطَل مِنهُنَّ أَدمعا

لَقَد خلقت عَيناه لِلسَّحرِ مَعدِناً

كَما خُلق الطَيموم للجودِ مَنبَعا

وَما أَبدَع الشَمل المُشَتَّت بَينَنا

وَلَو جمع الشَمل الشَتيت لأَبدَعا

سَأَقلَع غَرسَ الحُبِّ قَبلَ عُسوِّهِ

فأعجله من قبل أَن يَتَفرَّعا

وَأَورِد أَمالي الصَواديَ مِن يَدي

أَبي غانِمٍ بَحراً مِنَ الجودِ مُترعا

سَحاباً إِذا استَسقيت جاد إِجابة

وَإِن لم تَرِد سُقياهُ جاد تَبَرُّعا

وَبَحراً إِذا ما غُصتَ لقّاك دُرَّهُ

وَإِن لَم تغص أَلقى لك الدُرَّ مُسرِعا

نَدى الوجه من فرط الصَرامَة كُلَّما

جَرى الماءُ في صِمصامَةٍ كانَ أَقطعا

وَلَولا العَطايا أَنَّها سُنَّة لَهُ

لما قال لِلدُنيا إِذا عثرت لَعا

فإِن يَلبِس الدُنيا فَلِلجودِ لا لَها

وَإِن هَجَرَ الدُنيا فَعَنها ترفُّعا

يقطِّع آناء النَهارِ عَلى الطَوى

صِياماً وآناء الظَلام تَضَرُّعا

يُراقِبُ إِحياء المَسا لِورودِهِ

إِذا راقَبَ المَرءُ المَساءَ ليَهجَعا

إِذا كانَ حِفظُ الدينِ ما أَنتَ صانِع

فَلست تَرى في الناسِ إِلّا مضيعا

وَكَم قائِل لي كَيف مدحك هَكَذا

فَقُلتُ صِفوه إِنَّ لِلحَقِّ مُقنِعا

إِذا ما مدحت ابن الحسين بِوَصفِهِ

أَو البعض منه جِئتُ بِالمَدح أَجمعا

كَريم إِذا عاداكَ لَم تَر مغنماً

مِنَ الذَمِ إِلّا أَن تَقول وَيَسمعا

تُتَبِّعُ نعماه بروق ابتسامِهِ

كَما أَتبع الغيث البروق تتبُّعا

وَتُمطِرُ لِلعافينَ حَتّى كَأَنَّهُ

برويتهم يَسقي الرَحيق المُشَعشِعا

وَلَو أَنَّ إِنساناً لعظمِ مَحلِّهِ

ترفَّع عَن قدر الثَناءِ تَرَفَّعا

فَتىً ماله لِلوافِدين وَإِنَّما

يُضاف إِلَيهِ في الكَلامِ توسّعا

وَلَيسَ يُعَدُّ الجود جوداً لأَنَّهُ

يَرى ما أَتاهُ واجِباً لا تَبرُّعا

إِذا شرعت أَقلامه في كِتابَةٍ

رأَيت العَوالي في الكَتائِبِ شُرَّعا

وَإِن صدعت أَنيابهن بِمُديةٍ

رَأَيتُ لَها شمل الحَديد مصدَّعا

تَخِرُّ غداة الرَوعِ في الطِرسِ سُجَّدا

فَبيضٌ كَبيضِ الهِندِ في الهامِ رُكَّعا

تظلُّ سُيوف الهِندِ عِندَ صَريرِها

يُتَبِّعها فيما أَرادَ تَتَبُّعا

وَلَو مَسَّ أَنبوب اليَراعِ رأَيته

يُلَبي أَنابيبَ الرِماحِ إِذا دَعى

وَما أَحَدٌ في كتَبةٍ أَو كَتيبَةٍ

بأَسجَعَ مِنهُ في الكِتابِ وَأَشجَعا

فَصيح إِذا ما جال لَم ير مغنماً

مِنَ العَيشِ إِلّا أَن يَقول وَيَسمعها

سَعى لِلعلى حَتّى إِذا ما أَصابَها

أَتَتهُ العُلى تَسعى إِلَيهِ بِما سَعى

وتحرز ما تغنى بِهِ فَكَأَنَّما

تخال الفَتى مثل الغناء مُرجَّعا

وترقص أَطراف القَنا عن جبينه

إِذا ما اعتَرى يَومَ الهياجِ أَو ادَّعى

إِذا ما دَعى الداعوَ حيَّ عَلى النَدى

وَحيَّ عَلى الهيجاء أَقبل مسرعا

وَجَيشٍ كَأَنَّ الشَمسَ قَد لَبِسَت بِهِ

مِنَ النَقعِ وَالطَيرِ الحَوائِمِ بُرقُعا

شققت إِلى أَبطالِهِ الصَفَّ مِثلَما

شققت بِنصفين الرِداء الموشَّعا

بِأَبيَض يفري كل درعٍ وَجِنَّة

فَلَيسَ يُحاشي حاسِراً أَو مدرعا

وَلَم أَرَ كالطَيمومِ إِلّا أَبا النَدى

كريمين مِن أَصلٍ كَريم تفرَّعا

لِكُلِّ بهاءٌ مِنكُما غير أَنَّني

رأَيتكُما أَبهى إِذا كُنتُما معا

لَو أَنَّكُما بَعد التَأزُرِ مُتما

تضعضع رضوى أَو شرورى تضعضعا

مَعاً أَنتُما كالنَيِّرينِ مَحلة

وَنوراً ومثل الفرقدين تجمعا

أَبا حسن أَحيَيتَ بِالجودِ حاتِماً

وَبالحُلُمِ لُقماناً وَبِالمُلكِ تُبَّعا

فُطرتَ عَلى دينِ النَدى فاكتسبته

فَحُزتَ المَعالي فِطرَةً وَتَصَنُّعا

ورتَّبته فَوقَ السَموات رُتبَةً

فَلَم يَبقَ في جودٍ لغيركَ مَطمَعا

لَقَد سُدتَ أَهل الأَرضِ مُجتمع القوى

وَقَد سُدتَّهم من قبل ذَلِك مُرضعا

إِذا أَول الخُطيِّ أَخطاك طعنه

فَلا ترج في أَخراهُ لِلضَّيمِ مدفعا

إِذا ما طَريق المَدحِ ضاق عَلى امرىءٍ

رأَيتُ طَريق المَدحِ نَحوَكَ مهيعا

فَإِن قُلتَ لَيثاً كُنتَ أَشجَع مَدفَعا

وَإِن كُنتَ غيثاً كُنتَ أَنفَع موقعا

وَإِن قلت بَحراً كُنتَ أَعذَب مورداً

وَإِن قُلتُ بَدراً كُنتَ أَبعَد مطلعا

فَهُنِّيتَ ذا العيد الَّذي هوَ حاضِرٌ

وَهُنيتَ أَلفاً مثله مُتَوَقَّعا

زَمانكَ أَعياد وَهُنِّيت مثلها

ولست أَخُصُّ اليَومَ إِلّا لأَجمَعا

كرهتَ جوار المالِ من كَرَمٍ فَما

يَرى مالُك الخَزّانِ إِلّا مودِّعا

تَواضَعَ من فَرطِ الرَجاحَةِ أَنَّهُ

إِذا وزن الشَيء الرَفيع ترفَّعا

لَقَد أَلبَسَ اللَهَ البِلادَ وَأَهلَها

بِشخصلك تاجاً بِالمَعالي مرصَّعا

بَقيتَ بَقاء الدَهرِ تُرجى وَتُتَّقى

فَما العَيشُ إِلّا أَن تَضُرَّ وَتَنفَعا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التهامي

avatar

التهامي حساب موثق

العصر العباسي

poet-al-tohami@

105

قصيدة

3

الاقتباسات

241

متابعين

أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية ...

المزيد عن التهامي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة