الديوان » العصر العباسي » التهامي » لنفسك لم لا عذر قد نفذ العذر

عدد الابيات : 36

طباعة

لِنَفسِكَ لُم لا عُذرَ قَد نفذ العُذرُ

بذا حكم المَقدور إِذ قُضيَ الأَمرُ

لَقَد لفظتني كُلَّ أَرضٍ وَبَلدَةٍ

وَما لفظتني عَن مَواطنها مِصرُ

لَعمري لَقَد طَوَّفَت في طَلَبِ العُلى

وَحالَفَني بَرٌّ وَحالَفَني بَحرُ

فَشَرَّقَت حَتّى لَم أَجِد لي مَشرِقاً

وَغرَّبت حَتّى قيلَ هَذا هوَ الخضرُ

أَروم جُسَيمات الأُمورِ وَإِنَّما

قُصارايَ أَن أَبقى إِذا أَبقى الدَهرُ

وَلَو كُنتُ أَرضى بِالكَثيرِ وَجَدتُهُ

وَلَكِنَّ في نَفسي أَمورٌ لَها أَمرُ

ظَلَلتُ بِمصر في السُجونِ مُخَلَّداً

وَإِنّي لَسيفٌ جفنه فَوقه سِترُ

فَقدت أَخلّائي الَّذينَ عَهِدتُهُم

وَجانبني مَن كانَ لي عِندَهُ وَفرُ

وَأَعظَمُ ما بي يا مُحَمَّدُ أَنَّنا

بِأَرضٍ وَفيما بَينَنا البُعدُ وَالهَجرُ

وَما ليَ مِن ذَنبٍ إِلَيكَ أَجترَمتُهُ

فَقُل لي مَع الأُخوانِ غَيَّرَكَ الدَهرُ

تأَمَّل أَبا عَبدِ الإِلَهِ مَقالَتي

فَإِنَّ الصَديقَ الحُرَّ يَعتِبه الحُرُّ

أَتَذكُرُ إِذ كُنّا لَدى الدَهر رتعاً

وَمصر وَأَرض الشامِ إِذ عَيشُنا نضرُ

فَمالك تَجفوني مَع الدَهرِ إِذ عَتى

أَكُلُّ زَمانٍ هَكَذا عَيشُهُ مُرُّ

فَلا سائِلٌ عَنّي فأعذر صاحِباً

وَلا لَكَ في تَركِ السُؤالِ بِنا عُذرُ

فَإِن أَحرم الأُخوانِ وَالزَورِ مِنهُمُ

فَإِنّي امرؤٌ مِن شيمَتي في الأَسى الصَبرُ

عَتِبتُكَ عتب الذاكِرِ الودّ إِذ غَدا

أَسيراً وَمَحبوساً وَقَد نالَهُ ضُرُّ

فَلَو كُنتُ في أَسرِ الزَمانِ أَقالَني

وَلَكِنَّني في أَسرِ قَومٍ بِهِم كِبرُ

إِذا جَنَّني لَيلى وَهاجَت بَلابِلي

وَعاوَدني هَمّي تَجَدَّد لي فِكرُ

عَليلٌ وَما دائي سِوى الضَيم مِنهُمُ

فَهَل مِن خَلاصٍ إِذ مَدى الغايَة القَبرُ

فَلَو أَبصَرتَ عَيناكَ ما بيَ مِنَ الأَسى

بَكيت بِما يَنضى بِهِ الإِبل السَفَرُ

عَلى أَنَّني لا أَستَكين لِنَكبَةٍ

وَلا واضِعٌ جَنبي وَإِن مَسَّني فَقرُ

جَنيتُ عَلى نَفسي بِسَعيي إِلَيهِمُ

وَحَظّيَ من أَوفى مَواثيقهم غَدرُ

وَما ليَ مِن ذَنبٍ سِوى الشِعرِ إِنَّني

لَأَعلَمُ أَنَّ الذَنبَ في نَكبَتي الشِعرُ

لَعَلَّ اللَياليَ مُنصفات أَخا أَسىً

بِأَحشائِهِ مِن فَرطِ حَسرَتِهِ جَمرُ

أَسيرُ لَدى قَومٍ بِغَيرِ جَنايَةٍ

إِلّا في سَبيل اللَهِ ما صنعَ الدَهرُ

لَقَد ضاقَت الدُنيا عَليَّ كَأَنَّها

لِما قَدَّرَ الرَحمَنُ في مُقلَتي فِترُ

وَفي النَفسِ حاجاتٌ وَدونَ مَرامِها

قُيودٌ وَحُرّاسٌ لَهُم حولنا زجرُ

فَكُن سائِلاً عَنّي فَإِنّي هالِكٌ

وَما لَهمُ عِندي عَلى حالَةٍ وِترُ

حَذرتُ زَماناً ثُمَّ أَوقَعَني القَضا

وَهَل حذر يُنجي إِذا نَفذ العُمرُ

وَأَنتَ أَخي في كُلِّ حالٍ وَإِنَّما

عَتَبتُك هَذا العَتبُ إِذ نفث الصَدرُ

أَكُلُّ غَريبٍ هَكَذا هوَ هالِكٌ

بِمِصرَ وَلَم يَشفَع لَهُ شافِعٌ حُرُّ

فَلَو أَنَّني في بَلدَةٍ غَيرَ هَذِهِ

إِذاً لَفَداني المالُ والأُسُل السُمرُ

وَما نالَني ضَيمٌ وَلا لانَ جانِبي

وَلا نالَني ضَرٌّ وَلا مَسَّني عُسرُ

أَبيتُ لَها يَقظانَ بَينَ وَساوِسٍ

أُراعي نُجوم اللَيلِ ما طلعَ الفَجرُ

إِذا كانَ نَفسي مِن أَجَلِّ ذَخيرَتي

وَأَتلَفتُها لَم يَبقَ لي بَعدَها ذُخرُ

فَإِن عِشتُ أَبدَيتُ الَّذي في ضَمائِري

وَإِن مِتُّ إِنَّ المُلتَقى لَهوَ الحَشرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التهامي

avatar

التهامي حساب موثق

العصر العباسي

poet-al-tohami@

105

قصيدة

3

الاقتباسات

241

متابعين

أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية ...

المزيد عن التهامي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة