الديوان » العصر العباسي » التهامي » صددت أن عاد روض الرأس ذا زهر

عدد الابيات : 73

طباعة

صَددت أَن عاد روض الرأس ذا زَهَرٍ

فالشَيبُ عِندِكِ ذَنبٌ غير مغتفرِ

لا دَرَّ دَرُّ بَياض الشَيبِ إِنَّ لَهُ

في أَعيُن الغيدِ مِثلَ الوَخزِ بالإِبَرِ

سَواد رأسِكَ عِندَ الهائِماتِ بِهِ

مُعادِلٌ لِسَوادِ القَلبِ وَالبَصَرِ

قَد كانَ مَغفِرَ رأسي لاقتير بِهِ

فَصَيَّرته قَتيراً صبغة الكِبَرِ

كُن من ملاحظ عينيها عَلى حذرٍ

فَإِنَّما لَحظُها أَمضى مِنَ القَدَرِ

أَهتَزُّ عِندَ تَمَنّي وَصلِها طَرَباً

وَرُبَّ أمنِيَة أَحلى مِنَ الظَفَرِ

تَجني عَليَّ وَأَجني مِن مَراشِفها

فَفي الجنا وَالجَنايات انقَضى عُمُري

أَهدى لَنا طَيفُها نَجداً وَساكِنُهُ

حَتّى اقتَصنا ظباء البَدو في الحَضَرِ

يخنسن بَينَ فروج المعلمات كَما

يكنسن بَينَ فُروع الظال والسَمرِ

فَباتَ يَجلو لَنا مِن وَجهِها قمراً

مِنَ البَراقِعِ لَولا كَلفَةُ القَمَرِ

وَراعها حَرُّ أَنفاسي فَقلت لَها

هَوايَ نارٌ وَأَنفاسي مِنَ الشَرَرِ

فَزادَ دُرُّ الثَنايا دَرُّ أَدمعها

فالتفَّ مُنتَظم مِنهُ بمنتِثرِ

فَما نكرنا مِنَ الطَيفِ المُلِمِّ بِنا

ممن هَويناهُ إِلّا قِلَّةُ الخَفرِ

باتَت تُبيحُ لَنا ما لا تَجود بِهِ

مِنَ الرِضابِ اللَذيذ البارِد الخَصرِ

فثرت أَعثر في ذيل الدُجى ولهاً

وَالجوُّ رَوضٌ وَزهر الشيب كالزَهرِ

وَللمجرَّة فَوقَ الأَرضِ مُعتَرِضٌ

كَأَنَّها حَبَبٌ يَطفو عَلى نَهَرِ

وَلِلثُّرَيّا رُكود فَوقَ أَرحلنا

كَأَنَّها قطعة مِن جلدة النَمِرِ

وَأَدهم الليل نَحو الغَرب مُنهَزِمٌ

وَأَشقَرُ الفَجرِ يَتلوهُ عَلى الأَثَرِ

كَأَنَّ أَنجمه وَالصبح يغمضها

قَسراً عيون غفت مِن شِدَّةِ السَهَرِ

فَرَوَّع السِربَ لما ابتل أَكرعه

في جَدوَلٍ مِن خَليج الفَجرِ مُنفَجِرِ

وَلَو قدرت وَثوب اللَيلِ مُنخَرِقٌ

بِالصُبحِ رَقَّعته مِنهُنَّ بِالشَعَرِ

قالَت أَأَنساكِ نَجداً حُبُّ مطَّرفٍ

فَقُلت خُبرُكِ يُغنيني عَن الخَبَرِ

أَخَذتِ طَرفي وَسَمعي يَومَ بَينِكُمُ

فَكَيفَ أَهوى بِلا سَمعٍ وَلا بَصَرِ

وَقَد أَخَذتِ فُؤادي قَبلُ فاطَّلعي

هَل فيهِ غَيرُكِ مِن أُنثى وَمِن ذَكَرِ

فَإِن وَجدت سِوى التَوحيد فيهِ هَوىً

إِلّا هَواكِ فَلا تُبقي وَلا تَذَري

حَكَّمَت حُبَّكِ في قَلبي فَجارَ وَمَن

يَقنَع بِحُكمِ الهَوى في قَلبِهِ يَجرِ

بَيضاء تَسحَبُ لَيلاً حُسنَهُ أَبَداً

في الطُولِ مِنهُ وَحسن اللَيلِ في القِصَرِ

يَحكي جنا الأُقحوان الغضّ مَبسِمُها

في اللَون وَالريح وَالتَفليج وَالأَشَرِ

لَو لَم يَكُن أُقحُواناً ثَغرُ مَبسِمِها

ما كانَ يَزداد طيباً ساعَة السَحرِ

لَها عَلى الغيد فَضل مِثلَ ما فَضُلَت

كَفّا الرَئيس أَبي عَمروٍ عَلى المَطَرِ

وهبه بارهما في غُزرِ نيلهما

فَهَل يباريهما في الجودِ بِالبِدَرِ

ذو صورة أَفرَغ الرَحمن صيغتها

في قالِب المَجدِ لا في قالِب البشرِ

وَماء وَجه ينِّبي عَن صَرامَتِهِ

إِن الفرند دَليلُ الصارِمِ الذَكَرِ

بَحرٌ وَلَكِنَّهُ تَصفو مَوارِده

وَالبَحر مُنبَعِث بِالصَفوِ وَالكدرِ

لا تنكرَنَّ نَفيساً من مَواهِبِهِ

فَلَيسَ ينكر قَذفُ البَحرِ بالدُرَرِ

صَعب الأباء ذَلول الصَفح مُبتَعِدُ

المحلِّ داني النَدى مُستَحكِم المَرَرِ

يا مَن يَروم لَهُ شُبهاً يُشاكِلُهُ

لَقَد طلبت مَحالاً لَيسَ في القَدَرِ

إِن كُنتَ تَطلُب بَحراً لا يَغيض فزر

مُحَمَّد بِن الحُسَين الآن أَو فَذرِ

فَمَجدِهِ وَنداه المحض في حَضَرٍ

وَماله وَثَناهُ الغضُّ في سَفَرِ

يَزيد مَعروفه بالسَترِ منزلة

كما يَزيدُ بَهاء الخود بالخفرِ

تَرى مياه النَدى تَجري بأنملة

تَرَقرَقَ الماءِ في الهِندِيَّةِ البترِ

عَرَفتُ أَباءه الشمُّ الكِرام بِهِ

كَذاكَ يَعرِف طيب الأَصلِ بالثَمَرِ

قَوم علوا وَأَضاؤوا الأُفق واتصلت

أَنواؤهم كفعال الأَنجم الزُهُرِ

مَضوا وَأَهوى عَلى آثارهم خلفاً

وَالسُحب مبقية لِلروض وَالغَدرِ

قَد كنت أَهواه تَقليداً لمِخبره

فصرت أَهواهُ بِالتَقليد وَالنَظر

وَكنت أُكبِرُهُ قَبلَ اللِقاء لَهُ

فازددت للفرق بَينَ العين والأَثَرِ

لا غرو إِن سمح الدهر البَخيل بِهِ

فَطالَما فاضَ ماء النَهرِ مِن حَجَرِ

جادَ الزَمان فأعطى فَوقَ قيمَته

وَرُبَّما جادَت الأَصداف بِالدُرَرِ

يحل مِن كُلِّ مَجد شامِخٍ وَسَطاً

توسط العين بَينَ الشفر وَالشفرِ

لَولاهُ لَم يَقضِ في أَعدائِهِ قَلَم

وَمخلب اللَيث لَولا اللَيثُ كالظُفُرِ

فيهِ المُنى وَالمَنايا كالشُجاع بِه

الدِرياق وَالسُمّ جمُّ النَفع وَالضَرَرِ

ما صَرَّ إِلّا وصلَّت بيض أَنصله

في الهام أَو أطَّتِ الأَرماح في الثَغرِ

وَغادَرَت في العِدى طَعناً يَحف بِهِ

ضَرب كَما حَفَّت الأعكان بِالسررِ

يا رَبَّ مَعنىً بَعيد الشأوِ أَسلُكُهُ

في سلك لَفظ قَريب الفَهمِ مُختَصَرِ

لَفظاً يَكون لعقد القَول واسِطَة

ما بَينَ مَنزِلَة الأَسهاب وَالحصرِ

إِنَّ الكِتابة سارَت نَحوأَنمله

وَالجود فالتَقَيا فيهِ عَلى قَدرِ

تَردُّ أَرماحه الأَقلام صاغِرَة

عَكساً كَعَكسِ شعاع الشَمسِ للبصر

يَجلو بَياض المَعاني سود أَحرُفِها

إِنَّ الظَلام لَيَجلو رونَق السَحَرِ

وَفي كِتابِكَ فاعذر من يهيم بِهِ

مِنَ المَحاسِن ما في أَحسَن الصُوَرِ

يتركن صَفحة شمس الطرس ساحَته

نَمشاء تحسبها من صفحَةِ القمر

الطِرسُ كالوَجهِ وَالنونات دائِرَة

مِثلَ الحَواجِبِ وَالسينات كالطُررِ

تَحكي حروفك لا مَعنى مواقعها

وَلَيسَ كل سَواد أَسودَ البصَرِ

وَلَيسَ كل بَياض بصَّ أَسوَدِهِ

فيما سِوى العينِ مَعدوداً مِنَ الحورِ

وَلا يُعُدّان في عَينِ امرىءٍ حَوَراً

إِلّا إِذا اجتَمعا فيهِ عَلى قَدَرِ

فَرَّغتَ نَفسَكَ للأَحرار تَغرِسُهم

وَهَمُّ غَيرِكَ غرس النَخلِ وَالشَجرِ

لَمّا وَطئت دِمَشقاً بيع ما وطئت

رِجلاك مِنها بِسعر العَنبَر الذَفرِ

وَهَذِهِ صِلَةٌ لا يَشعُرونَ بِها

أَجَدَت حَتّى بِوطء الرِجل في العفرِ

من جود كَفِّكَ جاد الأَكرَمونَ نَدىً

وَالشَمسُ مِنها ضِياء الأَنجم الزُهرِ

فمن تَجِد مِنهُم يَمدحك مادحه

وَالمَدح في أَرَجِ النَوار للمطرِ

وَكُلَّما شَحَّ أَهل الأَرضِ زِدتَ نَدىً

بظلمة الدُهم تَبدو زينة الغُرَرِ

أَما العِراقُ فَيَثني جيد مُلتَفِتٍ

شَوقاً إِلَيكَ وَيَرعى لَيلَ مُنتَظِرِ

لا زِلتَ في معزل عَن كُلِّ نائِبَةٍ

مُسَلَّماً من صُروفِ الدَهر وَالغِيَرِ

ما جَنَّ ليل وَلاحَ الصُبحُ يتبعه

وَما تَرَنَّمتِ الأَطيار في السَحرِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن التهامي

avatar

التهامي حساب موثق

العصر العباسي

poet-al-tohami@

105

قصيدة

3

الاقتباسات

241

متابعين

أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية ...

المزيد عن التهامي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة