الديوان » العصر المملوكي » ابن زمرك » معاذ الهوى أن أصحب القلب ساليا

عدد الابيات : 85

طباعة

معاذ الهوى أن أصحبَ القلب ساليا

وأن يشغل اللوام بالعذل باليا

دعانيَ أُعطِ الحبَّ فضلَ مقادتي

ويقضي عليَّ الوجد ما كان قاضيا

ودون الذي رام العواذلُ صبوةٌ

رمتْ بيَ في شِعبِ الغرام المراميا

وقلب إذا ما البرق أومض مَوْهنا

قدحتُ به زنداً من الشوق واريا

خليليَّ إنّي يومَ طارقة النوى

شقيت بمن لو شاء أنعم باليا

وبالخيف يومَ النفر يا أم مالك

تخلّفتِ قلبي في حبالك عانيا

وذي أشَر عذب الثنايا مخصّر

يُسقِّي به ماء النعيم الأقاحيا

أحوم عليه ما دجا الليل ساهراً

وأصبح دون الورد ظمآن صاديا

يضيء ظلامَ الليل ما بين أضلعي

إذا البارق النجديُّ وهُناً بدا ليا

أجيرتنا بالرمل والرمل منزلٌ

مضى العيش فيه بالشبيبة حاليا

ولم أر ربعاً منه أقضى لبانةٌ

وأشجى حماماتٍ وأحلى مجانيا

سقتُ طلَّة الغرُّ الغوادي ونظّمت

من القطر في جيد الغُصُون لآليا

أبثُّكُمُ إني على النأي حافظٌ

ذمامَ الهوى لو تحفظون ذماميا

أناشدكم والحرُّ أَوْفَى بعهده

ولن يعدم الإحسانُ والخيرُ جاريا

هل الودُّ إلا ما تحاماه كاشحٌ

وأخفق في مسعاه من جاء واشيا

تأوّبني والليل يُذكي عيونه

ويسحب من ذيل الدُّجُنَّةِ ضافيا

وقد مَثَلَتْ زهرُ النجوم بأفقه

حباباً على نهر المجرة طافيا

خيالٌ على بعد المزار أَلَمَّ بي

فأذكرني من لم أكن عنه ساليا

عجبت له كيف اهتدى نحو مضجعي

ولم يُبْقِ مني السّقم والشّوق باقيا

رفعت له نار الصبابة فاهتدى

وخاض لها عرضَ الدُّجُنَّةِ ساريا

ومما أجدَّ الوجد سربٌ على النّقا

سوانح يصقلن الطّلَى والتراقيا

نزعن عن الألحاظ كلَّ مسدَّدٍ

فعادرنَ أفلاذَ القلوب دواميا

ولما تراءى السرب قلت لصاحبي

وأيقنت أن الحبّ ما عشتُ دانيا

حذارَك من سقم الجفون فإنه

سيُعدي بما يعيي الطبيب المداويا

وإن أمير المسلمين محمداً

ليُعدي نداه الساريات الهواميا

تضيء النجومَ الزاهراتِ خِلالُهُ

وينفث في رُوع الزّمان المعاليا

معالٍ إذا ما النجم صوَّبَ طالباً

مبالغها في العزّ حَلّق وانِيا

يسابقُ عُلْوِيَّ الرياح إلى الندى

ويفضح جدوى راحَتَيْهِ الغواديا

ويغضي عن العوراء إغضاء قادرٍ

ويرجحُ في الحِلم الجبالَ الرواسيا

همام يروع الأسد في حومة الوغى

كما راعت الأسدُ الظباءَ الجوازيا

مناقبُ تسمو للفخار كأنما

تجاريّ إلى المجد النجوم الجواريا

إذا استبق الأملاك يوماً لغايةٍ

أبيتَ وذاك المجدَ إلاَّ التناهيا

بهرت فأخفيت الملوك وذكرها

ولا عجبٌ فالشمس تخفي الدراريا

جلوتَ ظلامَ الظلم من كل مُعتدٍ

ولا غرو أن تجلو البدور الدَّياجيا

هديتَ سبيلَ الله من ضَلَّ رشده

فلا زلتَ مهدياً إليه وهاديا

أفدت وَجِيَّ الملك مما أفدته

وطوّقتَ أشرافَ الملوك الأياديا

وقد عرفت منها مرينٌ سوابقاً

تقر لها بالفضل أخرى اللياليا

وكان أبو زيّان جيداً مُعطَّلاً

فزينته حتى اغتدى بك حاليا

لك الخير لم تقصد بما قد أفدتَه

جزاءً ولكن همةٌ هي ماهيا

فما تُكبرُ الأملاكُ غيرَك آمراً

ولا ترهبُ الأشرافُ غيرك ناهيا

ولا تشتكي الأيام من داء فتنة

فقد عَرفَتْ منك الطبيب المداويا

وأندلساً أوليتَ ما أنت أهلُهُ

وأوردتها وِرداً من الأمن صافيا

تلافيت هذا الثغر وهو على شفاً

وأصبحت من داء الحوادث شافيا

ومن بعد ما ساءت ظنونٌ بأهلها

وحاموا على وِرد الأماني صواديا

فما يأملون العيش إلاّ تعلُّلاً

ولا يعرفون الأمن إلاّ أمانيا

عطفت على الأيام عطفة راحمٍ

وألبستها ثوب امتنانك ضافيا

فآنس من تلقائك الملكُ رشدَه

ونال بك الإسلام ما كان راجيا

وقفت على الإسلامِ نفساً كريمةً

تصدُّ عدوّاً عَنْ حماه وعاديا

فرأيٌ كما انشقَّ الصباح وعزمةٌ

كما صقل القينُ الحسامَ اليمانيا

وكانت رماح الخَطِّ خُمصاً ذوابلاً

فأنهلتَ منها في الدماء صواديا

وأوردتَ صفحَ السيف أبيضَ ناصعاً

فأصدرتَه في الرَّوْع أحمرَ قانيا

لك العزم تستجلي الخطوب بهديه

ويُلْفَى إذا تنبو الصوارم ماضيا

إذا أنت لم تفخرْ بما أنت أهلُهُ

فما الصبح وضاح المشارق عاليا

ويهنيك دون العيد عيدٌ شرعتَهُ

نبتُّ به في الخافقين التهانيا

أقمتَ به من فطرة الدين سُنّةً

وجدَّدْتَ من رسم الهداية عافيا

صنيعٌ تولّى الله تشييد فخره

وكان لما أوليت فيه مجازيا

تودُّ النجومُ الزُهرُ لو مَثَلَتْ به

وقضّت من الزُّلفى إليك الأمانيا

وما زال وجه اليوم بالشمس مشرقاً

سروراً به والليلُ بالشهب حاليا

على مثله فلْيعقدِ الفخْرُ تاجه

ويسمو به فوق النجوم مراقبا

به تغمرُ الأنواءُ كلَّ مُفَوَّهٍ

ويحدو به من كان بالقفر ساريا

ويوسُفُ فيه بالجمال مُقَنَّعٌ

كأنَّ له من كلِّ قلب مناجيا

وأقبل ما شاب الحياءَ مهابةً

يُقلِّب وجه البدر أزهر باهيا

وأقدمَ لا هيّابة الحفل واجماً

ولا قاصراً فيه الخطى متوانيا

شمائلُ فيه من أبيه وجَدّه

ترى العزَّ فيها مستكناً وباديا

فيا عَلَقاً أشجى القلوب لَوَ أنَّنا

فديناك بالأعلاق ما كنت غالبا

جريْتَ فأَجرْيتَ الدموع تعطفاً

وأطلعتَ فيها للسرور نواشيا

وكم من وليٍّ دون بابك مخلصٍ

يُفدِّيه بالنفس النفيسة واقيا

وصيد من الحيَّيْن أبناء قيلةٍ

تكفُّ العوادي أو تبيد الأعاديا

بهاليلُ غرٌّ إن أعدّوا لغارةٍ

أعادوا صباح الحيِّ أظلم داجيا

فوالله لولا أن توخَّيتَ سُلَّةً

رضيت بها أن كان ربُّك راضيا

لكان بها للأعوجيَّاتِ جولةٌ

تُشيبُ من الغُلبِ الشبابِ النّواصيا

وتترك أوصالَ الوشيج مقصَّداً

وبيضَ الظُبي حمرَ المتون دواميا

ولما قضى من سنة اله ما قضى

وقد حسدت منه النجوم المساعيا

أفضنا نُهنِّي منك أكرم منعم

أبى لعميم الجود إلاّ تواليا

فيهني صفاح الهندِ والبأسَ والندى

وسمرَ العوالي والعتاق المذاكيا

ويهني البنودَ الخافقاتِ فإنها

سيعقدها في ذمة النصر غازيا

كأني به يُشقي الصوارم والظُّبى

ويحطمُ في اللأم الصلابِ العواليا

كأني به قد توّج الملك يافعاً

وجَمّع أشتات المكارم ناشيا

وقضَّى حقوق الفخر في ميعة الصِّبا

وأحسن من ديْن الكالِ التقاضيا

وما هو إلاّ السعدُ إنْ رُمْتَ مطلعاً

وسدَّدْت سهماً كان ربُّك راميا

فلا زلت يا فخر الخلافة كافلاً

ولا زلت يا خير الأئمة كافيا

ودمتَ قريرَ العين منه بغبطةٍ

وكان له ربُّ البريّةَ واقيا

نظمتُ له حرَّ الكلام تمائماً

جعلتُ مكان الدُّرِّ فيها القوافيا

لآلٍ بها تبأى الملوك نفاسة

وجلَّت لعمري أن تكون لآليا

أرى المال يرميه الجديدان بالبى

وما إن أرى إلا المحامدَ باقيا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ابن زمرك

avatar

ابن زمرك حساب موثق

العصر المملوكي

poet-ibn-zamrak@

153

قصيدة

36

متابعين

محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الصريحي، أبو عبد الله، المعروف بابن زمرك. وزير من كبار الشعراء والكتاب في الأندلس. أصله من شرقيها، ومولده بروض البيازين (بغرناطة) تتلمذ للسان ...

المزيد عن ابن زمرك

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة